رئيس التحرير
عصام كامل

الكاميرون على صفيح ساخن.. الدولة المضيفة لأمم أفريقيا تعاني من الصراعات المسلحة.. وقرار 1884 بداية النزاع

حرب الكاميرون بأمم
حرب الكاميرون بأمم أفريقيا

تعيش الكاميرون أحداثًا دامية إثر نشوب معركة بالأسلحة النارية في مدينة ليمبي غرب الكاميرون بين مسلحين والشرطة المحلية، وتم رفع حالة الطوارئ القصوى في المدينة التي تشهد تفلتًا أمنيًّا.

وبين الخوف على بعثات المنتخبات الأفريقية وانهيار الأمن في الكاميرون يطرح هذا سؤال نفسه: هل بعثات المنتخابات الأفريقية في الكاميرون في مأمن من الصراع المسلح؟ خاصة بعدما أدى إطلاق النار إلى إلغاء التمرين الخفيف الذي كان ينوي المنتخب التونسي إجراءه بعد مباراة مع منتخب مالي، حيث تمت الاستعانة بالقوات الخاصة لتمشيط الملعب وتأمين ضيوف البطولة في الفنادق والمواقع المحيطة بها مع تقديم توجيهات مشدَّدة لكل البعثات بأخذ الحيطة والحذر وعدم الخروج من الفنادق.

 

وكان فيديو نشرته وكالة الأنباء الرسمية في الكاميرون أظهرت دخول القوات الخاصة وهي تقوم بمهمتها في التفتيش والحراسة.

فرار اللاعبين بعد اطلاق نار داخل ملعب ليمبي بالكاميرون 

وأكد مصدر من الاتحاد الأفريقي لكرة القدم "كاف" هذه المعلومات، موضحًا أن السلطات الكاميرونية أبلغتهم بوجود تبادل إطلاق نار في المدينة، التي تُقام فيها مباريات المجموعة السادسة وتضم منتخبات: "تونس ومالي وموريتانيا وجامبيا".

 

وللإجابة عن هذا السؤال بداية علينا أن نعرف المزيد عن الكاميرون، أو رسميًّا جمهورية الكاميرون، هي دولة تقع في منطقة وسط الغرب الأفريقي؛ تحدُّها نيجيريا من الغرب؛ والتشاد من الشمال الشرقي؛ ومن الشرق جمهورية أفريقيا الوسطى؛ ومن الجنوب غينيا الاستوائية، والغابون، وجمهورية الكونغو. 

 

وغالبًا ما يشار إلى الكاميرون باسم «أفريقيا المصغرة» للتنوع الجيولوجي والثقافي. وتشمل الميزات الطبيعية الشواطئ والصحارى والجبال والغابات المطيرة والسافانا.

 

200 مجموعة لغوية 

والكاميرون هي موطن لأكثر من 200 مجموعة لغوية مختلفة. البلد هو معروف جيدًا بالأنماط الأصلية المتمثلة في الموسيقى، لا سيما ماكوسا وبيكتسي، ونجاح منتخبها الوطني لكرة القدم؛ فيما تعد الفرنسية والإنجليزية هما اللغتان الرسميتان للبلاد.

 

ومدينة لیمبي مركز الصراع المسلح الأخير تعد مركز صناعة الأسمنت؛ كما تقع في المدینة المركز الرئیسي لشركة سي دي سي وھي من أكبر شركات الكامیرون. 

 

كما أن لیمبي ھي الوحیدة في الكامیرون التي بھا حقول البترول سونارا، وشركة باندس للإنشاءات ھي الأكبر على الإطلاق في الكاميرون، ويعيش مع ثراء ليمبي صراع ممتد تعود جزورة لعام 1884. 

جذور الصراع

بالعودة بالزمن إلى الوراء، تحديدًا العام 1884، تعرضت الكاميرون للاستعمار الألماني، والذي استمر حتى 1916، وبعد هزيمة الإمبراطورية الألمانية في الحرب العالمية الأولى؛ سلمت "عصبة الأمم" جزءًا من الكاميرون إلى فرنسا، والآخر لبريطانيا.

 

حيث حصلت المنطقة الكاميرونية التي تديرها فرنسا على استقلالها في 1960. وبعد ذلك بعام، أُجرى استفتاء في الكاميرون الخاضعة للحكم البريطاني حول الانضمام إلى الكاميرون المستقلة حديثًا أو نيجيريا. لم يكن خيار الاستقلال مطروحًا على الطاولة آنذاك.

 

اختار النصف الشمالي للإقليم الانضمام إلى نيجيريا، في حين اختار الجنوب الاندماج مع الكاميرون. منذ ذلك الحين، تم تقسيم الكاميرون إلى جزئين: جزء شرقي يتحدث الفرنسية، وآخر غربي يتحدث الإنجليزية.

 

كان وجود فريقين يمهد لنشأة العنصرية تجاه أحدهما، إذ أصبح سكان المناطق الناطقة الإنجليزية يشعرون بالتعرض للاضطهاد، حتى جاءت لحظة الانفجار وبدأت الحرب.

بداية الحرب

في أكتوبر 2016، شن سكان المناطق الناطقة بالإنجليزية إضرابات جامحة للمطالبة بالمساواة، وأشار المتظاهرون إلى أن المناطق الناطقة باللغة الإنجليزية في الكاميرون أقل تطورا بكثير من نظيرتها الناطقة بالفرنسية.

 

الكاميرونيون الناطقون بالإنجليزية كانوا يطالبون بوضوح بأن يخلعون ثوب "مواطني الدرجة الثانية"، وتجاهلت الحكومة المركزية الكاميرونية أصوات المعارضة.

 

وفي بداية العام الدراسي بـ 2016، بدأت الحكومة الكاميرونية في تنفيذ مشروعها الخاص باستبدال النظام القانوني والتعليمي على الطريقة البريطانية في المنطقة بالنموذج الفرنسي، وهذا ما اعتبره ناطقو الإنجليزية تبديد لثقافة اللغة في المنطقة؛ كان الصراع يتأجج أكثر وأكثر، خاصة مع تعرض حركة المقاومة الكاميرونية للقمع باستمرار من قبل الدولة.

 

في نوفمبر 2016، دعا الكاميرونيون الناطقون باللغة الإنجليزية إلى إعادة إنشاء "النظام الفيدرالي"، أو الانفصال عن الكاميرون الناطقة بالفرنسية، وإنشاء بلد مستقل يحمل اسم "أمبازونيا".

 

وظهرت عديد من المجموعات الانفصالية المختلفة الناطقة بالإنجليزية، والتي يبلغ مجموع أفرادها حوالي 4000 عضو، وأكثرها نفوذًا هي قوات الدفاع في أمبازونيا، ومجلس الدفاع عن النفس في أمبازونيا، والحركة الشعبية لتحرير إفريقيا وجناحها المسلح، وقوات دفاع جنوب الكاميرون.

الصراع في الكاميرون 

وفي ديسمبر من نفس العام، تعرض عدد من الأشخاص للقتل برصاص قوات الأمن في مدينة باميندا الواقعة شمال غرب الكاميرون بالمنطقة الناطقة بالإنجليزية، وأصيب العشرات في الاشتباكات، وفشل الجيش في السيطرة على الوضع.

 

شرارة الفوضى

في العام 2017، أطلقت الحكومة المركزية في الكاميرون حملة منسقة لإضعاف الجماعات الانفصالية الناطقة بالإنجليزية، وقُطع "الإنترنت" عن هذه المناطق خلال الفترة من يناير إلى أبريل 2017.

 

وتم اعتقال أقارب الناشطين الناطقين بالإنجليزية، وقامت قوات الأمن بالكاميرون بقمع الاحتجاجات المتجددة التي نظمها مدرسون ومحامون يتحدثون الإنجليزية.

 

وبعد ذلك، دعت المجموعات الانفصالية في الكاميرون جميع المتحدثين باللغة الإنجليزية إلى المشاركة في الإضرابات العامة كل يوم اثنين.

 

ومثل الأول من أكتوبر 2017 فصلًا جديدًا في هذا الصراع، إذ أعلن الزعيم الانفصالي سيسيكو جوليوس أيوك تاب جمهورية أمبازونيا دولة مستقلة، واعتبر هذا اليوم عيد وطني يحتفل به رسميًّا باعتباره يوم التوحيد. واستمرت سيطرة الانفصاليين على عدد من المناطق الكاميرونية، بينما كان الرئيس الكاميروني، بول بيا، يقاتل من أجل التقليل من أهمية الصراع، والانعزال في عالمه الوردي كأن لم يحدث أي شيء.

 

وتحركت الأحداث بنفس الوتيرة وازدادت سرعتها تدريجيًّا، وباتت المنظمات الدولية مضطرة للتدخل، بعد الخسائر الكارثية التي تعرضت لها الكاميرون على إثر هذا الصراع.

 

في أكتوبر 2018، أعيد انتخاب الرئيس بيا، الذي يشغل منصبه منذ عام 1982، بنسبة 71.28 بالمئة من الأصوات، وبدأت قوى المعارضة بالإشارة إلى أن فوز بيا بمقعد الرئاسي يشوبه التزوير الفاضح، وتصاعدت التوترات السياسية والعرقية بين "أنصار بيا" والمعارضة.

 

البحث عن الحل

في سبتمبر 2019، أعلن الرئيس الكاميروني، بول بيا، عبر وسائل الإعلام، أنه يسعى لوجود حوار وطني حاسم ينهي الصراع الذي أهلك البلاد، وهو ما لاقى ترحيبًا كبيرًا من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش.

الاوضاع الانسانية في الكاميرون 

"دعوة بيا" قوبلت بالرفض من الجماعات الانفصالية؛ بسبب وجود القادة الانفصاليون الرئيسيون في السجن، كما اعتبروا أن الرئيس الكاميروني يسعى لتهدئة الأجواء فقط دون الوصول إلى حلول حقيقية لهذه الأزمة.

 

في ديسمبر من نفس العام، صادق بيا على العديد من القوانين المصممة لتعزيز ثنائية اللغة واللامركزية في الكاميرون. غير أن شخصيات المعارضة شجبت هذه الخطوة باعتبارها محاولة سخيفة لإبقاء بيا في السلطة.

 

في مارس 2020، ازدادت الأمور سوءًا بالكاميرون، بعد تكثيف الهجمات التي تشنها جماعة بوكو حرام الإرهابية على شمال شرق الكاميرون.

 

وبالتزامن مع الموجة الأولى من جائحة كورونا، أعلنت بعض الجماعات الانفصالية وقف إطلاق النار، استجابة لنداء "الأمم المتحدة"، لكن الجماعة الانفصالية الأكبر والأخطر "قوات الدفاع الأمابازونية" رفضت التوقف واستمرت الهجمات.

 

آخر الأحداث

العام 2021 كان شاهدًا على هجمات أكثر شراسة للجماعات الانفصالية على المواقع العسكرية والمركبات التابعة للجيش الكاميروني.

 

في يناير 2021، وقع انفجار في محيط ملعب "ليمبي"، أحد الملاعب المستضيفة لأمم إفريقيا، وبطل احداث امس، ورغم أن الحادث لم يسفر عن أي قتلى، لكن بعض السيارات تعرضت للتدمير، وسط مخاوف مستمرة بشأن سلامة المنطقة بسبب التوترات الانفصالية.

 

وعبر آلاف الأشخاص من الكاميرون 5 يناير الجاري نهري لوجون وشاري خلال الأسابيع القليلة الماضية والتمسوا اللجوء في تشاد جراء العنف المستمر في الكاميرون. 

 

ويعيش الآن نحو 100،000 شخص في حوالي 20 موقعًا غير منظم، معظمهم من النساء والأطفال. 

ويمثل سكان المناطق الناطقة الإنجليزية قرابة 20 بالمئة من مواطني الكاميرون، ويشير أحد التقارير الصادرة عن "هيومن رايتس ووتش" إلى أن أطراف النزاع ارتكبت انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان مثل: الإعدام خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة والقتل الجماعي.

 

وتعيش أعداد كبيرة من الكاميرونيين في الفقر كمزارعي الكفاف ما تسبب في تزايد نفور سكان الأراضي الناطقة بالإنجليزية في الكاميرون من الحكومة.

 

وعلى الرغم من النزاعات والحرب الأهلية الدائرة توفر الأجهزة الأمنية في الكاميرون كافة وسائل الأمان والحماية للاعبي المنتخبات المشاركة، ويرى المتابعون والمراقبون للأوضاع الأمنية بالمنطقة أن هناك محاولات لإثارة الفوضى والشغب لتعطيل البطولة، لوضع الدولة في موقف محرج أفريقيا، مستبعدين أن تستهدف الجامعات المسلحة اللاعبين وأن الأمر لن يتعدى إثارة الرعب والذعر بتنفيذ عمليات إطلاق نار متفرقة تخيف الفرق  المشاركة وتثنيها عن استكمال البطولة.

الجريدة الرسمية