شرم الشيخ.. مدبولي: التغيرات المناخية أصبحت قضية حاكمة يتعين على العالم مواجهتها بكل حزم وسرعة.. مصر تمتلك أكبر قدرات كهربائية من طاقتي الرياح والشمس في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
أكد رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، أن التغيرات المناخية أصبحت قضية حاكمة بكل المقاييس، وأنه يتعين على العالم مواجهتها خلال الفترة القادمة بكل حزم وسرعة حتى يستطيع مواكبة التحديات التي فرضتها علينا تلك التغيرات.
جاء ذلك في كلمة الدكتور مصطفى مدبولي، اليوم /الثلاثاء/ في جلسة نقاشية بعنوان "الطريق من جلاسكو إلى شرم الشيخ لمواجهة التغيرات المناخية " في النسخة الرابعة من منتدى شباب العالم المنعقد بحضور ورعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن العالم لم يأخذ تحذيرات الخبراء منذ 15 عاما من التغيرات المناخية على محمل الجد وتعاملوا معها على أنها تكهنات وآراء متشائمة.
شارك في الحلقة النقاشية، السفير محمد نصر مدير إدارة المناخ والبيئة والتنمية المستدامة بوزارة الخارجية ومستشار مجموعة المفاوضين الأفارقة، وكاسي فلاين المستشار الاستراتيجي بشأن تغير المناخ بالمكتب التنفيذي لبرنامج الامم المتحدة الانمائي، وعقيل حاجات مؤسس شركة للاستشارات البيئية والتنموية في أفريقيا، كريم طراف مؤسس شركة (هوا ـ سوا)، وماركو شلتس باحث واستشاري مؤسسة "أوبن إيرث"، إلى جانب مجموعة من المتحدثين عن بعد.
وقال رئيس مجلس الوزراء إنه خلال الثواني العشر التي تحدث خلالها أمام الجلسة تم ضخ أكثر من عشرة آلاف طن متري من غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي بما يعادل وزن 170 ألف شخص.
ونبه مدبولي إلى أن العالم بدأ يشهد اليوم تداعيات التغيرات المناخية وأصبحت منطقة الجليد في القطب الشمالي في أقل مستوى لها، إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة بنسب غير مسبوقة، كما أصبح تركيز ثاني أكسيد الكربون في أعلى مستويات له منذ آلاف السنين، فضلا عن ارتفاع مستوى سطح البحر في العديد من الأماكن في العالم.
وأوضح مدبولي أن كل هذه التأثيرات ناتجة عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، حيث بدأت الانبعاثات في الارتفاع منذ عام 1960 ومن المتوقع أن تستمر حتى عام 2030، مما أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة ونسب تلوث الهواء في كوكب الأرض، إلى جانب الظواهر المناخية الجامحة التي بدأت في الظهور، مشيرا إلى أنه طبقا لتقديرات الخبراء فإن التغيرات المناخية تسببت في حدوث خسائر بحوالي 6ر3 تريليون دولار خلال الفترة من عام 1970 وحتى الآن.
ولفت إلى أن العالم بدأ يتحرك من خلال اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية لتغير المناخ (1992)، وبرتوكول "كيوتو"، وكانت الاتفاقية الأهم هي (اتفاقية باريس عام 2015)، مشيرا إلى أن العالم بدأ يضع آلية تنظيمية لهذه الاتفاقيات ويأخذ قرارات تنفيذية، وكان هذا من خلال عقد مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ المعروفة باسم (COP26).
وقال مدبولي إن مؤتمر (COP26) الذي عقد منذ شهرين في "جلاسكو" حقق مجموعة من القرارات الهامة؛ منها الاتفاق على تفعيل اتفاقية باريس التي كانت متوقفة وانسحبت منها بعض الدول العظمي وعادت إليها مرة أخرى، كما تم الاتفاق على وضع إطار تنفيذي للدول التي تسعى لتقديم مساهمات مالية وتعهدات جديدة بالتمويل لكي نواجه هذه الظاهرة الهامة وخاصة للدول النامية.
وأضاف أن الدول النامية لم تكن هي السبب في هذه الظاهرة، ولكن أصبح عليها التزام دفع تكلفة وفاتورة التعامل مع هذا الموضوع جنبا إلى جنب مع باقي الدول الأخرى.
ودعا مدبولي، الدول المتقدمة، التي كانت سببا رئيسًا في هذه الظاهرة، بالمساهمة الرئيسة في هذا الموضوع، مشيرا إلى أنه تم وضع مسارين تفاوضيين جديدين لموضوع تقدير التمويل والتعامل مع هذا الموضوع والآليات التي ستنفذ بها هذه الإجراءات.
وقال: "بصفة عامة هذه الخطوة مهمة ولكن ليست كافية -كما قال انطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة - وبالتالي تأتي أهمية مؤتمر (COP 27) التي تستضيفه مصر في مدينة شرم الشيخ نهاية العام الجاري لكي نضع الأطر التنفيذية لهذا الموضوع".
وأكد أن هناك موضوعات هامة يجب التحرك بشأنها، خاصة خفض الانبعاثات والتكيف والتمويل، مشددا على ضرورة وجود آلية للمتابعة والتقييم لنتأكد من أن ما تم الاتفاق عليه جرى تنفيذه على أرض الواقع.
ونبه مدبولي إلى أن مصر ستكون من أكثر الدول عرضة لتبعات التغير المناخي السلبية رغم أن مسؤوليتها عن هذه الظاهرة محدودة للغاية، مشيرا إلى أن الأرقام تؤكد أن نصيب مصر من الانبعاثات الضارة على مستوى العالم تبلغ نسبته نحو 6ر0 %، وهى نسبة ضئيلة للغاية، مضيفا" نحن من أكثر الدول التي ستكون عرضة لتأثيرات سلبية بسبب هذه التغيرات، منها ارتفاع منسوب مياه البحر واحتمال غرق بعض المناطق التي تقوم الدولة المصرية بعدة خطوات لمواجهتها".
وأكد أن مصر لديها إمكانات هائلة في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة، لافتا إلى أن تقارير وكالة "فيتش" أكدت أن مصر تمتلك أكبر قدرات كهربائية من طاقتي الرياح والشمس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مشيرا إلى أنه على الرغم من ذلك وضعت مصر خطة لتضاعف هذه الطاقة بنحو 300 في المائة خلال الفترة القادمة بحيث تكون الطاقة الجديدة والمتجددة جزءا هاما منها.
وأوضح أن مصر، بجانب الإمارات، ستقود هذا التوجه مع دول أخرى في المنطقة؛ وبذلك ستصبح مصر من أسرع أسواق الطاقة المتجددة غير الكهرومائية التي تولد من السدود المائية مثل السد العالي.
وأضاف مدبولي أن مصر ستكون من أكبر 5 دول في إنتاج الطاقة المتجددة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، بما يؤكد أن مصر أصبحت جاذبة للاستثمار في مجال الطاقة المتجددة بشكل متزايد.
وأكد أن مصر أصبحت من أفضل 20 دولة على مستوى العالم في القوانين والتشريعات، كما أنها تشجع الاستثمار في الطاقة الجديدة والمتجددة، وستكون واحدة من أهم الدول التى ستنتج الهيدروجين الأخضر.
وشدد مدبولي على أهمية أن يكون هناك إطار مؤسسي يحكم مشكلة التغيرات المناخية، ولذلك أنشأت مصر المجلس الوطني للتغيرات المناخية وذلك لوضع العديد من المهام للتعامل مع تلك الظاهرة، مشيرا إلى أن الدولة المصرية تتحرك في خمسة مسارات رئيسية، من بينها ترشيد استهلاك الطاقة التقليدية من البترول والوقود الأحفوري والاتجاه نحو استغلال الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة، وتقليل عملية نقل الطاقة، ولذلك تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية، إلى جانب تنفيذ مشروعات عملاقة سواء في عملية التكيف أو تخفيف حدة التغيرات المناخية، كما تم إصدار أول سندات خضراء في الشرق الأوسط، حيث كانت مصر أول دولة تصدر تلك السندات بناء على مشروعاتها.
وقال مدبولي إنه تم وضع سياسات هامة لتشجيع القطاع الخاص للدخول بقوة في هذا الاستثمار من خلال تعريفة الكهرباء وتحويل المخلفات إلى طاقة، كما بدأنا وضع وإنشاء خريطة تفاعلية لمخاطر ظاهرة التغير المناخي في مصر.
وأضاف أنه تم وضع الخطة القومية للموارد المائية حتى عام 2037؛ لأن مصر تعد من أكثر الدول فقرا فيما يخص الموارد المائية، مشيرا إلى أن مصر لديها تجارب رائدة في التعامل مع قضية ندرة المياه وتلوثه، حيث بلغت تكلفة الخطة أكثر من 50 مليار دولار، وتنفذها الدولة المصرية منذ 5 سنوات، لافتا إلى أنه تم إقامة مشروعات ضخمة لتحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الزراعي والصحي والاستفادة بكل قطرة مياه.
وأشار مدبولي إلى أن مصر من أعلى الدول على مستوى العالم في استغلال المياه أكثر من مرة؛ حيث نفذت الدولة المصرية مشروعا ضخما يتعلق بترشيد المياه وتبطين الترع والقنوات المائية للاستفادة من كل قطرة مياه، إلى جانب مشروع حماية الشواطئ، كما تتبنى القيادة المصرية أيضا مشروع تطوير البحيرات المائية، مثل مشروع تطوير بحيرة المنزلة التي تقع على مساحة 250 ألف فدان بتكلفة ملياري دولار.
وقال إن: "خطتنا في نهاية هذا العام الوصول إلى 20% من الطاقة الجديدة والمتجددة من إجمالي الطاقة المولدة في مصر، وهدفنا الوصول إلى 42% قبل عام 2035".
ونوه مدبولي بأن مشروع "بنبان" في أسوان من أفضل المشروعات على مستوى العالم في مجال الطاقة الشمسية والجديدة والمتجددة، كما أن الدولة تنفذ مشروع الغاز الطبعي لكل المنازل لاستبدال الوقود التقليدي بالغاز، ولدينا الطموح والخطوات التنفيذية في إنتاج أول سيارة كهربائية العام المقبل وهي ضمن مشروع كبير لتحويل وقود السيارات إلى الغاز الطبيعي والكهرباء، لافتًا إلى أن الحكومة وضعت بالفعل حوافز كبيرة لذلك الغرض.
وحول النقل الجماعي، أوضح رئيس الوزراء أن الدولة المصرية تنفذ منظومة جديدة متكاملة للنقل الجماعي، وعلى رأسها القطار الكهربائي المونوريل والفائق السرعة وهي شبكة أكبر تمتد إلى 2200 كيلومتر تنفذ في بضع سنوات وبتكاليف هائلة للتواكب مع التغيرات المناخية وتقليل الانبعاثات الضارة، كما أن الدولة تنفذ جيلًا جديدًا من المدن الخضراء".
وفيما يتعلق بتحويل المخلفات إلى طاقة والإدارة المتكاملة للمخلفات، قال مدبولي إن هناك مشروعًا كبيرًا يتم تنفيذه سواء في منظومة المدافن الصحية أو مصانع تدوير المخلفات وتحويل الوقود والمخلفات الصلبة إلى طاقة والبيوجاز وهو موضوع مهم نعمل عليه أيضًا، مؤكدًا أن الدولة المصرية والحكومة وضعت الخطة أن نسبة كبيرة من مشروعاتها الاستثمارية تكون مشاريع خضراء، مبينًا أن 30% من المشروعات التي تنفذها الدولة في استثماراتها هي خضراء، وخلال العامين القادمين ستصل نسبة إلى 50%.
وبيّن أنه على رأس هذه المشروعات مشروع "حياة كريمة" الذي يستهدف تنمية وتطوير جودة حياة 60 مليون مواطن في الريف، وهذا المشروع يتضمن مكونات حاكمة وأساسية في مجال التغيرات المناخية سواء في موضوع التخفيف من حدة الانبعاثات أو التكيف مع المتغيرات المناخية، ونستهدف التركيز خلال قمة المناخ (كوب 27) في شرم الشيخ على قارة أفريقيا والدول النامية، لكي تعرض الدول النامية من خلال قمة المناخ طلباتها والتنسيق فيما بينها على مجموعة من المبادرات تحقق الهدف منها.
وأشار مدبولي إلى أن الدولة المصرية تعمل على تخفيض معدلات استخدام البلاستيك، وتنسيق وتطوير مراكز الأبحاث المصرية، لافتًا إلى تخصيص جائزة للمشروعات الخضراء والابتكار الأخضر.
ونوه رئيس مجلس الوزراء إلى أن دور الشباب مهم للغاية في مواجهة التغيرات المناخية خلال المرحلة القادمة، ونحن مهتمون بتبادل المعرفة والمعلومات ونشجع الشباب على وضع العديد من الحلول الابتكارية والتي ستتبناها الدولة المصرية خلال الفترة القادمة وسنشجع على تنفيذها، مشيرا إلى أن أي مجموعة من المواطنين المفكرين يمكنهم تغيير العالم.