عاطف فاروق يكتب: أسرار بطلان قرار الإحالة في القضية 47 لسنة 63 عليا
أرست المحكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا بمجلس الدولة مبدأ قانونيا مهما، وأكدت على وجوب تضمين قرار الإحالة بيان المخالفات المنسوبة للمحالين على وجه الدقة، والنصوص القانونية الخاصة بها، بحسبان أن مجرد قيد الواقعة بوصف عام بأن المحالين تسببوا في إلحاق ضرر جسيم بأموال الدولة لا يُمكن المحكمة من معرفة وصف التهمة أو تكييفها، ولا تثريب على المحكمة إن هي انتهت إلى عدم قبول الدعوى المقامة من النيابة الإدارية لعدم تحديد المخالفات المنسوبة للمحالين بقرار الإحالة.
وقرار إحالة العامل للمحاكمة التأديبية يجب أن يتضمن ماهية المخالفات والأفعال المنسوبة إلى المحال، ووصف التهمة وتكييفها ذِكْرُ عبارة "وذلك على النحو الموضح تفصيلا بالأوراق" بقرار الإحالة، دون أن يتضمن القرار ماهية المخالفات المنسوبة للعامل على وجه التحديد، يجعل من المحكمة سلطة اتهام وتحقيق وفصل في آن واحد، ومن ثم يكون قرار الإحالة (قرار الاتهام) أغفل بيانات جوهرية ألزم القانون إدراجها به، وهو ما يؤدي إلى بطلانه، وفقده أثره القانوني في إقامة الدعوى التأديبية، ولا يكفي فى هذا الشأن أن تتضمن مذكرة النيابة الإدارية والتحقيقات تحديد المخالفات تفصيلا، فقرار الإحالة يجب أن يكون وافيا بذاته مستكملا جميع بياناته تفصيلا على النحو الذي تطلبه القانون.
وكانت النيابة الإدارية أقامت الدعوى التأديبية رقم 47 لسنة 63 قضائية عليا بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة بتاريخ 27/1/2021، واشتملت الأوراق المودعة على ملف تحقيقاتها في القضية رقم 668 لسنة 2018 النيابة الإدارية "نيابة الفيوم القسم الأول" وتقرير اتهام ومذكرة بأسانيده وقائمة بأدلة الثبوت ضد 8 مسؤولين بوزارة الزراعة ومحافظة الفيوم.
قرار الإحالة
وقالت المحكمة إن المادة (23) من القرار بقانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية تنص على أن: ترفع الدعاوى التأديبية من النيابة الإدارية بإيداع أوراق التحقيق وقرار الإحالة سكرتارية المحكمة المختصة، ويتضمن قرار الإحالة بيانا بالمخالفات المنسوبة إلى الموظف
وتنص المادة (24) من قرار رئيس الجمهورية رقم 1489 لسنة 1958 بشأن اللائحة الداخلية للنيابة الإدارية والمحاكم التأديبية على أنه: إذا تضمنت مذكرة التحقيق رآيًا بالإحالة إلى المحاكمة التأديبية، وجب على المحقق أن يرسل مع الأوراق مشروعا بقرار الإحالة يتضمن بيانا بالمخالفة أو المخالفات على وجه الدقة
والمادة (34) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن: "تقام الدعوى التأديبية من النيابة الإدارية بإيداع أوراق التحقيق وقرار الإحالة قلم كتاب المحكمة المختصة، ويجب أن يتضمن القرار المذكور بيانا بأسماء العاملين وفئاتهم والمخالفات المنسوبة إليهم والنصوص القانونية واجبة التطبيق
أموال الدولة
ويجب أن يتضمن قرار الإحالة بيان المخالفات المنسوبة للمحالين على وجه الدقة، والنصوص القانونية الخاصة بها، بحسبان أن مجرد قيد الواقعة بوصف عام بأن المحالين تسببوا في إلحاق ضرر جسيم بأموال الدولة لا يُمكن المحكمة من معرفة وصف التهمة أو تكييفها، ولا تثريب على المحكمة إن هي انتهت إلى عدم قبول الدعوى المقامة من النيابة الإدارية لعدم تحديد المخالفات المنسوبة للمحالين بقرار الإحالة
وشددت المحكمة على أن قرار الإحالة (قرار الاتهام) في الدعوى رقم 47 لسنة 63 قضائية تضمن توجيه إتهامات الى ثمانية محالين فقط علي الرغم من أن مذكرة التصرف في القضية رقم 688 لسنة 2018 نيابة الفيوم الإدارية (محل الدعوي الماثلة) قد تضمنت توجيه الاتهام إلى عشرة محالين وانتهت إلى طلب إحالتهم جميعا إلى المحاكمة التأديبية. وقد نسب قرار الإحالة المشار إليه مخالفات محددة للمحالين الثالث حسن جودة علي حسن والرابع عبد العليم عبد المنعم حسن سلومة تختلف عن تلك المنسوبة لهما بمذكرة التصرف، في حين أن هذه المخالفات كانت منسوبة فى مذكرة التصرف إلى كل من حسن محمد صفوت حسن وعبد السلام حميدة اللذين لم يرد ذكرهما مطلقًا في تقرير الاتهام
وفضلًا عن ذلك فقد نسب تقرير الاتهام مخالفات محددة إلى ما أطلق عليهم المحالين التاسع والعاشر، دون أن يكون قد تم ذكر أسماءهما أو صفاتهما أو وظيفتيهما أو درجاتهما الوظيفية ضمن أسماء المحالين الواردة بصدر التقرير، وقد نسب تقرير الاتهام إلى المحالين الواردة أسمائهم به أنهم ارتكبوا المخالفات الإدارية المنصوص عليها بالمواد 57/1، 58/2 من قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، في حين ذكر أن هذه المخالفات جرى ارتكابها فى الفترة السابقة على 1/1/2010 أى قبل صدور قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم (81) لسنة 2016 والذى جرى العمل به اعتبارًا من 1/ 11/ 2016.
تقرير الاتهام
وأغفل تقرير الإتهام في ذات الوقت تحديد مواد قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم (47) لسنة 1978 التي خالفها المحالون باعتباره القانون الذى كان معمولا به وقت وقوع هذه المخالفات. وعلى الرغم من تأكيد قرار الإحالة على أن المخالفات محل الدعوى وقعت فى الفترة السابقة على 1/1/2010، فإنه عاد ونسب إلى بعض المحالين الذين لم ترد أسمائهم أو صفاتهم أو وظائفهم أو درجاتهم الوظيفية بالقرار وذكروا كمجرد أرقام، ارتكاب بعض المخالفات خلال عام 2018.
وفي ضوء المثالب وأوجه القصور سالفة البيان التى شابت قرار الإحالة، فقد أصبح من المستحيل على المحكمة تحديد المحالين إليها للمحاكمة التأديبية والمخالفات المنسوبة إليهم على نحو دقيق وواف، بما يمكنها من محاكمة هؤلاء المحالون بعد التأكد من استيفاء جميع الإجراءات الشكلية اللازمة لذلك، ثم إنزال صحيح حكم القانون على المخالفات المنسوبة إليهم، والمحكمة لا تملك تصحيح قرار الإحالة وتصويب الأخطاء التى ألمت به وما شابه من أوجه قصور من خلال ما ورد بمذكرة التصرف، فليس من سلطة المحكمة إدخال محالين جدد أو تعديل المخالفات المنسوبة لبعض المحالين
والقول بغير ذلك يجعل من المحكمة سلطة اتهام وتحقيق وحكم في آن واحد، وهو ما يخرج المحكمة عن سلطتها والاختصاصات المقررة لها قانونا، ولهذه الأسباب قضت المحكمة برئاسة المستشار حاتم محمد داود، نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين أدهم محمد لطفي ومحمد أبو العيون جابر، نائبي رئيس المجلس الدولة، وأمانة سر صبري سرور بعدم قبول الدعوي التأديبية لبطلان قرار الإحالة