المخدرات تنهش الصحة وتدمر الدولة (3)
نعلم أن القانون المصري لفصل الموظف المتعاطي للمخدرات قد دخل حيّز التنفيذ في 15 ديسمبر الماضي، وتضمن القانون رقم 73 لسنة 2021، الخاص بشأن شروط شغل الوظائف أو الاستمرار بأن التعيين أو التعاقد أو الاستعانة أو الترقية أو الندب أو النقل أو الاستمرار فى الوظائف العامة يشترط ثبوت عدم تعاطى المخدرات من خلال تحليل فجائي بمعرفة الجهات المختصة، كما أنه فى حال ثبوت إيجابية العينة عند إجراء التحليل الفجائى "الاستدلالي" للموظفين يتم إيقاف العامل لمدة يحددها القانون أو لحين ورود نتيجة التحليل التوكيدي، مع وقف صرف نصف أجره طوال فترة الوقف عن العمل..
كما أكد أنه إذا تأكدت إيجابية العينة من خلال نتيجة التحليل التوكيدي، يتم إنهاء خدمة العامل بقوة القانون وتحدد حقوقه بعد إنهاء خدمته طبقًا للقوانين واللوائح. فالهدف من القانون توفير ضمانة بتمكين جهة العمل عند ثبوت تعاطي العامل، بتوقيع عقوبة الفصل مباشرة بقوة القانون دون الرجوع إلى المحكمة.
وتضمن القانون، إذا تعمد الامتناع عن إجراء التحليل أثناء الخدمة أو تعمد الهرب منه بغير عذر مقبول، فإن ذلك يُعد سببًا موجبًا لإنهاء الخدمة، فى حين تنص المادة رقم 6 على أنه من يسمح متعمدًا لمن ثبت تعاطيه المخدرات بشغل إحدى الوظائف بالجهاز الإداري للدولة، يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تتجاوز 200 ألف جنيه.
عقوبة المتعاطي والمدمن
ونستطيع أن نؤكد أن هذا القانون مفيد ويهدف إلى حماية المرافق العامة وحياة المواطنين من الخطر الداهم الذي يمكن أن يسببه بقاء متعاطي المخدرات في وظيفته، والتوسع في نطاق سريان القانون بما يوفر له من الشمول ليتسع لجميع جهات العمل والعاملين بالدولة. ولكن أما كان ينبغي أن يساير هذا القانون وجود آليات مختلفة لمحاربة المخدرات من المنبع؟ بمعنى التوسع في التعامل الأمني مع تجار المخدرات ومصنعيها قبل التعامل مع المدمنين؟ ولماذا لم ينص القانون على تحويل المدمن أو المتعاطي للعلاج أولا فإذا لم يستجب أو لم يتم علاجه يكون وقتها الفصل وجوبي؟
خاصة وأن القانون ذكر أنه ليس فقط المدمن من سيفصل ولكن من ثبت تعاطيه ولو لمرة واحدة، وهذا الأمر لن يكون فقط عقوبة للمتعاطي ولكن لأسرته التي ستصبح بلا عائل وبالتالي سيتحول الأمر لعوائق اجتماعية ونفسية وإجرامية جسيمة، فعندما لن يجد الأبناء من ينفق عليهم فستسهل لهم سبل الغواية الشيطانية والانحراف، وستشيع الجريمة، لكن بتحويل المتعاطي للعلاج أولا فسنقلل من حجم الاضرار الواقعة على الأسر المصرية بسبب ذلك، كما ينبغي في القانون التفريق بين المدمن ومن قد يكون تعاطى لمرة واحدة في ظروف مختلفة. ولماذا يعاقب القانون الموظف فقط بالفصل ولا يدخل تحت طائلته التاجر والمزارع الخ، هل لأن الدولة - كما يشيع البعض- وجدت وسيلة سهلة لتخفيض أعداد الموظفين تنفيذا لأوامر صندوق النقد الدولي بتخفيض أعداد الموظفين؟
وبالطبع هذا لا يعفي المتعاطي والمدمن من استحقاق العقوبة خاصة وأنه يستطيع قبل أن يفاجأ باللجان الكاشفة عن التعاطي أن يلجأ للعلاج من خلال صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، فأي موظف يتعاطى المواد المخدرة حال تقدمه للعلاج من خلال الاتصال بالخط الساخن 16023، سيتم علاجه في سرية تامة، دون مساءلة قانونية، مع توفير كل الخدمات العلاجية مجانا، طالما أنه تقدم طواعية للعلاج، وإذا كان الموظف المدمن يتلقى العلاج فأنه حال سحب العينة منه فلن تكون إيجابية. وقد أكد الصندوق أن مادة الحشيش تحتل المرتبة الأولى في التعاطي حتى الآن، تليها الهيروين والترامادول.
ونحن كما سبق وذكرت نطالب بداية للتصدي بكل حزم لظاهرة بيع المخدرات وتصنيعه في الشارع المصري في حالة غياب تام من الأمن الذي لا يستطيع مواجهة كل التجار والمدمنين لقلة أعداده، وعدم المساندة الفعالة من الجيش أو الدولة بصورة عامة، فينبغي –كما تفعل الدولة في تسمية السنوات مثل عام المجتمع المدني وعام التحدي وعام ذوي الاحتياجات الخاصة الخ– أن يكون هناك عاما يعلنه رئيس الجمهورية بعام مواجهة المخدرات، ويعلن بنفسه متابعة هذا الملف، ويزيد من أعداد الأمن للقضاء على هذه الكارثة.
فانتشار المخدرات والدواليب صار بصورة مرعبة وعلانية، وقد اصطحبني صديق لي يسكن في منطقة إمبابة ليريني على الطبيعة وعلنا هؤلاء التجار والمدمنين وكأنهم في سوق لبيع الخضراوات، وفي أمن تام، وقد اتفق ذلك الصديق مع بعض التجار أن يتحدثوا معي دون تصوير أو إشارة إليهم، وبالفعل ذهبنا لمنطقة تسمى منطقة "الغيط" وتجولنا بها فرأيت الكارثة، حيث تقف كل مجموعة من الشباب حول تاجر يبيع نوعا أو أكثر من المخدرات وفي قمة الأمان رغم أن الساعة كانت الثالثة عصرا..
ثم إتجهنا للتاجر الذي يعرفه صديقي فرحب بنا وهو يبيع لزبائنه المخدرات وكأنه يبيع لهم زيتا أو جبنة رومي، فقد وجدت شابا يبدو أنه طالب بالجامعة يقف أمام التاجر في ذهول فيسأله التاجر: "حشيش ولا بودر"، فيرد الشاب بكلمة لا تكاد تظهر من وهنه: "بودر"، وأخرج 100 جنيه قد تكون مصروفات الكتب التي وفرها له والده من كده، فأعطاه التاجر كمية من مسحوق أبيض يابس فأخذها الشاب وإنطلق. ونكمل إن شاء الله في الحلقة القادمة حوارنا مع التاجر ورحلتنا في ذلك العالم المخيف.