المسيح ابن مريم والسيدة العذراء في عيون الأدباء.. العقاد صاحب الكتاب الأشهر.. و"السحار" يكشف رحلة "مريم" الطاهرة
للمسيح عيسى ابن مريم عليه السلام وأمه السيدة العذراء مكانة كبيرة وخاصة للغاية فى قلوب ووجدان المصريين، وبالتأكيد فإن ذلك ليس غريبًا على أهل الأرض التى لجأت إليها العائلة المقدسة وباركت خطواتهم رمالها، وسطرت رحلتهم ومسارها بأحرف من نور فى تاريخ وتراث الأمة المصرية.
وكانت حياة المسيح وأمه وتفاصيلها والمعجزات التى أجراها الله على يديهما مادة غنية للتناول الأدبى وملهما لأقلام الكتاب والأدباء على مر العصور لتناولها وإيضاح خباياها، وكشف ليالى المحن التى تعرض لها الثنائى المبارك، والمنح الربانية التى أضاءت الأرض بالنور والمحبة والسلام.
حياة المسيح
ومن أهم ما كتب فى سيرة المسيح عليه السلام وأمه العذراء كان كتاب "حياة المسيح.. فى التاريخ وكشوف العصر الحديث" لعباس محمود العقاد والذى استهل حديثه فيه بإيراد الصورة الوصفية للسيد المسيح عليه السلام التى تداولها المسيحيون فى القرن الرابع الميلادى، وزعم رواتها أنها كتبت بقلم "بيليوس لنتيولس" صديق "بيلاطس" حاكم الجليل من قبل الدولة الرومانية، كان قد رفعها إلى مجلس الشيوخ الرومانى فى عصر الميلاد.
وجاء فيها "إنه فى هذا الزمن ظهر رجل له قوى خارقة يسمى يسوع ويدعوه تلاميذه بابن الله وكان للرجل سمت نبيل وقوام بين الاعتدال، يفيض وجهه بالحنان والهيبة معًا، فيحبه من يراه ويخشاه.. شعره كلون الخمر منسرح غير مصقول، ولكنه فى جانب الأذن أجعد لماع، وجبينه صلت ناعم، وليس فى وجهه شية، غير أنه مشرب بنضرة متوردة، وسيماه كلها صدق ورحمة، وليس فى فمه ولا أنفه ما يعاب، وعيناه زرقاوان تلمعان.. مخيف إذا لام أو أنب، وديع محبب إذا دعا وعلم، لم يره أحد يضحك، ورآه الكثيرون يبكى، وهو طويل له يدان جميلتان مستقيمتان، وكلامه متزن رصين لا يميل إلى الإطناب، وملاحته فى مرآه تفوق المعهود فى أكثر الرجال".
ويكمل العقاد فى كتابه أن دعوات النبوة للرسل المبعوثة من الله للبشر هى "ظواهر إلهية " كبرى تُغير الإنسانية، ومن أعظم هذه الظواهر هى نبوة السيد المسيح، فكان الميلاد ذاته معجزة، ثم أجرى الله معجزات أخرى على يد المسيح فى مجتمعات كانت غارقة فى المادية البحتة.
ويعرض العقاد حال مجتمع بنى إسرائيل وأطيافه، وما أصاب الديانة اليهودية مِن تفرُّق لاتباعها وانحراف عن الرسالة الأولى، كما يصف ما ساد مجتمعَهم من ظروف سياسية واجتماعية سبقت ميلاد المسيح.
ويحكى قصة الميلاد المُعجز، ثم دعوته التى كانت تقوم على الحب طمعًا فى الظفر بملكوت السماء، فتبعه التلاميذ المخلصون (الحواريون) يتعلمون حكمته فى إخلاص، لينتشروا فى ربوع الأرض يدعون الناس لدينٍ قوامه حب البشر بعضهم البعض، فطوبى لأنقياء القلب.
المسيح عيسى ابن مريم
ومن أهم الكتب التى تناولت حياة السيدة العذراء والمسيح أيضا وكان أكثر اهتماما بدور وتأثير السيدة مريم فى حياة ابنها، وأفرد لها مساحة كبيرة معتمدا على الرواية القرآنية وروايات الأناجيل المعتمدة، هو كتاب "المسيح عيسى ابن مريم" لعبد الحميد جودة السحار.
ويحكى السحار فى كتابه سيرة السيدة العذراء منذ ميلادها فى الناصرة طفلة مات أبوها "عمران"، وبعد مجيئها تهبها أمها لخدمة بيت الله ومعبده، ليكفلها نبى الله زكريا وزوج خالتها.
ويستطرد السحار فى كتابه ويحكى تعلق قلب مريم بالصلاة والعبادة، ولما بلغت سن الصبا وبان جمالها بدأ الخُطاب يطرقون بابها، ووافقت أمها على تزويجها من قريب لهم يعمل بالنجارة، ووافق "يوسف النجار" على طلب مريم بأن تعود إلى معبدها فى حتى ينتهى من تجهيز بيت الزوجية.
ثم كان الحادث الذى غيّر مسار حياتها بل مسار البشرية كلها.. ويحكى السحار بأسلوبه قائلا: "وذات ليلة بينما كانت غارقة فى ابتهالاتها أحست كأن شخصا فى محرابها، فتلفتت فلم تجد أحدا، فمشى الخوف فى أوصالها وأرهفت حواسها واتسعت عيناها السوداوان رعبا، ومس أذنيها حفيف صوت فغمغمت فى فزع: من هناك؟.. وإذا بصوت عذب يقول: إنا رسول ربك إليك.. وغرق المكان فى ضوء باهر فخفق قلبها فى شدة وانبهرت أنفاسها وتفصد العرق منها، وانبعث صوت عذب من شغاف قلبها.. {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}.
وينتقل السحار مع الأحداث المتعاقبة فى حياة السيدة العذراء إلى "بيت لحم" حيث تضع مريم ابنها، وتبدأ معجزاته منذ لحظة ميلاده، ثم تجد نفسها فى رحلة هروب إجبارية لحماية ابنها من "هيرودوس" الحاكم الظالم الذى أصدر قراره الدموى بذبح كل المواليد الجدد خشية أن يكون بينهم ما قالت النبوءة أنه "ملك اليهود" الجديد الذى سيزول ملكه على يديه.
ثم يسرد قصة قدوم مريم مع ابنها إلى مصر ورحلة التخفى التى استمرت نحو ثلاث سنوات، حيث توجد خرائط تفصيلية برحلة العائلة المقدسة، وكل مكان نزلت فيه.
كما أن كتاب "المسيح عيسى ابن مريم" يؤكد حقيقة أن سمة بنى إسرائيل هو الأخذ بمظاهر الدين وقشوره، والابتعاد عن روحانيات التعامل مع الله وعمى القلوب، والصلة التى بينهم وبين الله جعلوها قرابين تقدم لا ينال الله دماؤها ولا لحومها، ولكن يناله التقوى منكم.
نقلًا عن العدد الورقي…