على الأرض السلام وبالناس المسرة.. مريم.. القديسة النقية.. و"الإفتاء": مولد المسيح معجزًا
جاء السيد المسيح عليه السلام ببشارة السلام. ولما وُلِدَ شدتْ الملائكة قائلة: المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة.
في مثل هذه الأيام..استقبلت الأرض ميلاد عيسى عليه السلام، بمعجزة إلهية عظيمة، حيث ولد من السيدة العظيمة مريم العذراء دون أب، فكذّب أكثر بنى إسرائيل المعجزة وصدّوا عن رسالته وحاربوه واضطهدوه وحاولوا الفتك به، ولكن أمة محمد صلى الله عليه وسلم التى لم تعش الحدث بأشخاصها وأجسامها، صدّقت المعجزة وآمنت بنبوته وبأن مريم العذراء صدّيقة عظيمة. القرآن الكريم احتفي بالمسيح وأمه في سورة "مريم".
يقول تعالى: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا، فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا، قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا، قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا، قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا، قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا، فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا، فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا، فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا، وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا، فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا، يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا، فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا، وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا، ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ".
وفي ظلال أشجار الإنسانية الوارفة..يستظل أتباع عيسى وأتباع محمد، يجمعها الكثير من أواصر الإنسانية باعتبارها العنوان الأبرز للأديان التي أرسلها الله هادية وجامعة لبني الإنسان وليس العكس، كما يزعم بعض المغرضين والمدلسين ومرتزقة الأديان.. "فيتو" تحتفل بطريقتها المثلي بمولد المسيح عليه السلام فى هذا الملف.
ثقافة مشتركة
«على الأرض السلام وبالناس المسرة».. جملة مثلت ثقافة راسخة لدى أبناء الشعب المصرى للتعبير عن حالة التعايش السلمى بين كافة طوائف ونسيج الشعب الواحد والذي أفشل كافة محاولات زرع الفتنة بين أبنائه من أصحاب الفكر المتشدد والأفكار الهدامة.
وجاءت ثقافة أبناء الشعب المصرى متوافقة مع المكانة التي خصصتها الشريعة الإسلامية لسيدنا عيسى عليه السلام وأمه السيدة مريم الطاهر البتول التى خصص القرآن الكريم سورة خاصة بها، والتى تحدث فيها المولى عز وجل عن معجزة ميلاد ابنها السيد المسيح عليه السلام.
ومع حلول أوقات أعياد الميلاد "فيتو" بدورها تسلط الضوء خلال السطور التالية على مكانة السيد المسيح عليه السلام وأمه فى الشريعة الإسلامية.
من جانبه أكد الدكتور عبد الفتاح العوارى، عميد كلية أصول الدين السابق فى جامعة الأزهر الشريف، أن مكانة السيد المسيح عليه السلام وأمه السيدة مريم، هي مكانة بلغت شأنًا بعيدًا ورتبة سامية حتى أطلق القرآن الكريم سورة من سوره باسم السيدة "مريم"، ونحن نعلم أن تسمية السور فى القرآن الكريم هى توقيفية، أي ليست من باب الاجتهاد، والذي سماها بسورة مريم هو الله عز وجل وحمل ذلك عنه أمين الوحى جبريل، ونزل به على قلب النبي -صلى الله عليه وسلم.
وكما ثبت في الصحيح كان إذا نزل جبريل بقدر من القرآن يقول يا محمد ضع الآية كذا في الموضع كذا من السورة كذا، وفى هذا دلالة على مكانة الطاهرة البتول التى برأ الله ساحتها مما نسب إليها من اليهود ورفعها مكانتها اللائقة بها، وكما جاء ذكرها فى سورة (آل عمران) التي هي فرد منهم {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَمُ إن اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ}، وقوله تعالى: {وَالَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَة لِّلْعَالَمِينَ}، وفى آخر سورة التحريم: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}، والقارئ لسورة مريم يرى أن الله تبارك وتعالى وتجلياته الإلهية على تلك المرأة الطاهرة البتول، وكيف كان دفاع الله تبارك وتعالى عنها فى القرآن الكريم فى مواضع لا تخفى على أحد.
عقيدة المسلم
وأضاف "العواري" في تصريحات خاصة لـ"فيتو" أن قدر مريم عليها السلام وابنها عيسى عبد الله ورسوله عليه السلام، والإيمان بهذا القدر والإيمان برسالة نبى الله عيسى هو جزء من عقيدة المسلم، لأن المسلم لا يفرق بين رسول ورسول وإنما عقيدته نابعة من قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَد مِنْ رُسُلِهِ}، فليس من عقيدة الإسلام أو المسلم أن ينكر نبوة نبى أو رسالة رسول.
بل يؤمن بجميع الأنبياء والمرسلين كإيمانه بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكما قال تعالى: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}.
وعن مكانة السيد المسيح فى السنة النبوية أكد "العواري" أنه يكفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «أنا دعوة أبى إبراهيم وبشرى أخى عيسى بن مريم، ورؤيا أمى التى رأت حين حملت بى أن نورًا خرج منها أضاء ما بين مصر والشام»، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «عيسى بن مريم أخى فى الدنيا والآخرة، نحن معاشر الأنبياء بنو علات -كناية عن تعدد الزوجات أي من أمهات وأزمنة مختلفة- أمهاتنا شتى وديننا واحد».
وكما قال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ}، مشددًا على أن مكانة عيسى ابن مريم ومكانة أمه فى الإسلام وفى قلب كل مسلم هي مكانة يعرفها كل ذى عقل ولا تخفى على ذي عينين.
وشدد عميد أصول الدين السابق على أن شريعة الإسلام وثقافة المسلمين فى مصر الأزهر التى لم يطرأ عليها تغير أبدا؛ لأنها ثقافة ثابتة وعلم راسخ ينص على احترام عقائد الآخرين وعلى رأس تلك العقائد والشرائع هو نبى الله عيسى عليه السلام والإنجيل الذى أنزل عليه لأن الله أمرنا بالإيمان بكتبه كما أمرنا بالإيمان بالقرآن الكريم، مشيرًا إلى أن ما نسمعه فى الآونة الأخيرة من فتاوى شاذة تأتي على ألسنة أناس ثقافتهم لا تمت إلا ثقافة الأزهر بصلة ذلكم الصرح الذي حمى سماحة الإسلام ووسطية الإسلام وتعايش الناس فى مصر فى ظل ثقافة الأزهر مسلمين كانوا أو مسيحيين فى سماحة وبر وخير.
فنستطيع القول إن الثقافة التى وصلت إلينا أخيرا والتى كلما حان وقت أعياد الميلاد تخرج تلك الأصوات على مواقع التواصل الاجتماعي وقالوا بحرمة تهنئة الإخوة الذين يعيشون معنا فى وطن واحد إنما هى ثقافة وافدة غريبة علينا وفتاوى شاذة لا تمت إلى صحيح الإسلام بصلة، والذى أمرنا بالبر والقسط مع هؤلاء، والله تبارك وتعالى قرر ذلك بقوله: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}، كما طالب العوارى من الشعب المصرى أن يستمر على ثقافة الأزهر فى هذا الشأن، ولا يتلفت إلى تلك الفتاوى الشاذة التى لا تمت إلى سماحة الإسلام ووسطيته بصلة.
قدسية خاصة
ومن جانبها أكدت دار الإفتاء أن مولد سيدنا عيسى له منزلة وقدسية خاصة فى الإسلام لأنه المولد المعجز الذى لا مثيل له فى البشر، حيث خلق من أم بلا أب، قال تعالى: ﴿إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، وقد صاحب مولده من الآيات الكونية والمعجزات الإلهية ما لم يتكرر فى غيره؛ حتى ذكروا أن الله تعالى أجرى النهر فى المحراب للسيدة البتول مريم عليها السلام، وأوجد لها التمر فى الحال من جذع يابس فى الشتاء فى غير وقت بدوِّ ثمره؛ كى يطمئن قلبها وتطيب نفسها وتقرّ عينها، بعد ما ألجأها ألم الولادة والطلق إلى جذع النخلة تستند إليه وتستتر به.
مشيرة إلى أن الفرح بيوم مولده المعجز هو أمر مندوب إليه؛ فإن القرآن الكريم قد خلد ذكره بتفاصيله فى سورة مريم، وأمر حبيبه صلى الله عليه وآله وسلم بتذكره فقال: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾، إلى قوله تعالى: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾.
وأكدت دار الإفتاء أن المسلمين يؤمنون بأنبياء الله تعالى ورسله كلهم، ولا يفرقون بين أحد منهم، وهم كما يفرحون بمولد النبى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يفرحون بأيام ولادة الأنبياء والرسل أجمعين، وهم حين يحتفلون بها يفعلون ذلك شكرًا لله تعالى على نعمة إرسالهم هداية للبشرية ونورًا ورحمة، فإنهم أكبر نِعم الله تعالى على البشر، والأيام التى وُلِدَ فيها الأنبياء والرسل أيام سلام وبركة على العالمين، وقد نص الله تعالى على ذلك؛ فقال عن سيدنا يحيى عليه السلام: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾، وقال على لسان سيدنا عيسى عليه السلام: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾.
نقلًا عن العدد الورقي..،