ما حكم عمل العقيقة عن المولود الصغير من ماله الخاص به؟.. الإفتاء تجيب
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه “ما حكم عمل العقيقة عن المولود الصغير من ماله الخاص به؟”، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:
العقيقة في أصلها اللغوي مشتقة من العقِّ؛ وهو: الشق والقطع، وتطلق ويراد بها الشَّعر الذي يُولَد به الطفل؛ لأنه يشق جلده ليخرج منه، كما تطلق ويراد بها الذبيحة التي تُذبح في يوم حلق هذا الشعر استحبابًا في اليوم السابع من مولده كما جاءت بذلك السنة النبوية المشرفة؛ فيكون تسمية الذبيحة باسم العقيقة من باب تسمية الشيء بما يصاحبه أو بما كان سببه.
حكم عمل العقيقة عن المولود الصغير
والعقيقة من العادات المعروفة عند العرب؛ حيث كانوا بها يتلطفون بإشاعة نسب الولد بعد ولادته بإكرام الناس وإطعامهم؛ فعن عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبا بريدةَ رضي الله عنه يقول: "كنا في الجاهلية إذا وُلِدَ لأحدنا غلامٌ ذبح شاةً، وَلَطَّخَ رأسَهُ بِدَمِهَا، فلما جاء اللهُ بالإسلام، كنا نذبح شاةً، ونَحْلِقُ رأسَهُ، وَنُلَطِّخُهُ بزعفران" رواه أبو داود والبيهقي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".
فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأقرّها وأمر بها؛ فعن سلمان بن عامر الضّبّي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ؛ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» رواه البخاري.
وعقَّ صلى الله عليه وآله وسلم عن ابنه إبراهيم، وعن أحفاده الحسن والحسين والمحسّن عليهم السلام، وتبعَه على ذلك صحابتُهُ الكرام رضوان الله عليهم والسلف والخلف من بعدهم من غير نكير.
والعقيقة سنة مؤكدة في حق الْمُخَاطَبِ بها؛ وهو الأب كما ذهب إلى ذلك المالكية والصحيح عند الحنابلة، وتُخْرَجُ من ماله، لا من مال المولود؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ وُلِدَ لَهُ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ» أخرجه مالك في "الموطأ"، وأحمد والحارث بن أسامة في "المسند"، وابن أبي شيبة في "المصنف"، والبيهقي في "السنن".
قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في "المسالك في شرح موطأ مالك" (5/ 330، ط. دار الغرب): [قوله: «فَأَحَبَّ أنّ يَنْسُكَ عَنْهُ» يقتضي أنّ ذلك في مال الأب عن ابنِهِ، لا من مال المولود] اهـ.
وقال الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل شرح مختصر خليل" (2/ 490، ط. دار الفكر): [(ونُدِبَ).. (ذَبْحُ).. (واحدةٍ) من النَّعَمِ ذكر أو أنثى (تجزئ ضَحِيَّةً) سِنًّا وسلامةً.. (في سابع) يومٍ من يومِ (الولادة) عقيقةً عن المولود من مال الأب، لا من مال المولود] اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (9/ 443، ط. هجر): [لا يَعُقُّ غيرُ الأبِ على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، ونصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وجزَم به في "المغني"، و"الشرح"، و"الفائق"، وقدَّمه في "الفروع"] اهـ.
وذهب الشافعية إلى أن المخاطب بالعقيقة هو كُلُّ من تلزمه نفقة المولود؛ سواء أكان أباه أم جدّه أم أمه أم غيرهم ممن تلزمه النفقة؛ لأنها من جملة نفقة المولود؛ لقول الله تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233].
أحكام العقيقة
قال العلامة الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (15/ 296، ط. دار الفكر): [وَالَّذِي يَتَحَمَّلُهَا وَيَخْتَصُّ بِذَبْحِهَا هُوَ الْمُلْتَزِمُ لِنَفَقَةِ الْمَوْلُودِ مِنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ أُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ مَؤُونَة] اهـ.
بل إن كان للمولود مال وكانت نفقته لازمةً في ماله؛ كأن يكون غنيًّا بميراثٍ أو عطية، أو كان الأب معسرًا، فإنها أيضًا تكون في مال مَن تلزمه نفقته كما سبق، ولا يجوز إخراجها من مال المولود؛ لكونه غير مخاطبٍ بها.
قال العلامة الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (15/ 296): [وإن كانت نفقته من ماله كأن يكون غنيًّا بميراثٍ وعطيةٍ، لم يجز أن يخرج من مالهِ؛ لأنَّها ليست بواجبة، كما لا يخرج منه الأضحية، وكان الأب أو من قام مقامه في التزام النفقة مندوبًا إلى ذبحها عنه كما لو كان الولد فقيرًا، ولا يكون سقوط النفقة عنه مسقطًا لسنة العقيقة عنه، فإن كان الأب معسرًا بالعقيقة ثم أيسر بها نُظِرَ يسارُهُ] اهـ.
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في "المنهاج القويم" (ص: 310، ط. دار الكتب العلمية): [والمخاطب بها: مَن عليه نفقة الولد، فليس للولي فعلها من مال ولده؛ لأنها تبرع] اهـ.
وبناءً على ذلك: فإن المخاطب بالعقيقة هو الأب أو من تلزمه نفقة المولود، فلا تُذبح من مال المولود؛ لكونها تبرعًا، ولأنه غير مخاطب بها.