حرية الصحافة.. مصر في المركز 17.. خبراء يتشككون في الترتيب.. وقلاش: أبرز أذرع القوة الناعمة
«لِكُلِّ زَمانٍ مَضى آيَة.. وَآيَة هَذا الزَمانِ الصُحُف.. لِسانُ البِلادِ وَنَبضُ العِبادِ.. وَكَهفُ الحُقوقِ وَحَربُ الجَنَف».. بيت نظمه أمير الشعراء أحمد شوقى، بدايات القرن المنصرم، يعبر عن قيمة الصحافة ومدى فى ضمير الأمم والشعوب.
الصحافة المصرية أعرق المدارس الصحفية فى المنطقة العربية وأولها، شهدت على مدى تاريخها الممتد منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى الآن الكثير من التقلبات، ما بين اضطرابات سياسية وحروب، وفترات تضييق، ثم استقرار، إلى إن وجدت نفسها تحارب شبح التمدد الإلكترونى، كلها عوامل انعكست بطبيعة الحال على المواطن بشكل مباشر.
تصنيف مصر
تصنيف دولى لقياس مؤشر حرية الصحافة يصدر كل عام، جاءت مصر فى المرتبة الـ١٧ عربيًّا، و١٦٦ دوليًّا فى آخر إحصاء أعلنته منظمة «مراسلون بلا حدود» لعام ٢٠٢١، الأمر الذى أثار حالة من اللغط بين المتخصصين فى مجال الصحافة والإعلام.
قالت الدكتورة ليلى عبد المجيد، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، وعميدها الأسبق، إن المعايير المنهجية التى يقاس بها مؤشر حرية الصحافة سنويًا غير معروفة أو غير معلنة، فليس من المعقول أن يكون ترتيب مصر أدنى من ليبيا والصومال وهى مناطق نزاعات، إلا أن واقع الصحافة وطبيعتها يحتاج دائما لمساحات أكبر من الحرية والتنوع والتعدد والرؤى الجديدة، حتى أكبر الدول المتقدمة تطالب دائما بمزيد من الحرية.
وأضافت «عبد المجيد» أن ارتفاع مؤشر حرية الصحافة بشكل عام يعتمد على محورين، أولهما: السياسات التى تضعها الدول، وثانيهما المهنية، التى تحترم الحق فى الخصوصية، ومقتضيات الأمن القومى، متابعة: "دائما نطالب باستمرار زيادة مساحة الحرية، ومزيد من النقد لا السب والقذف، من خلال إعلام واعٍ وحرية نابعة من الإحساس بالمسئولية الاجتماعية، صحافة تعبر عن آراء مهنية تعتمد على معلومات وأسانيد حقيقية".
مؤكدة أن تاريخ الصحافة المصرية شاهد على قدرتها على التعبير وتوصيل رسالتها، حتى فى أسوأ الظروف، فهى التى كانت تلجأ أحيانا إلى طبع بعض صفحات الجرائد بيضاء حتى تصل رسالة بعينها للقارئ وصناع القرار.
وشددت على أهمية الصحافة ودورها، ولا سيما النقد الذى يعد جزءا مهما من هذا الدور، المساند للمجتمع والمرشد لصناع القرار، من خلال الإشارة وتسليط الضوء على بعض النواقص والأخطاء، دون تهليل أو تهوين، ودون مبالغة أو استخفاف، بل نقد متوازن وموضوعى، مطالبة بضرورة توفير البيئة المناسبة تستطيع من خلالها الصحافة والإعلام ممارسة أدوارهم بمهنية وموضوعية، استنادًا إلى معلومات دقيقة.
القوة الناعمة
وقال الكاتب الصحفى يحيى قلاش، نقيب الصحفيين الأسبق، إن الصحافة تستمد حياتها ووجودها من الحرية، وتراجع مؤشر حرية الصحافة لعام ٢٠٢١، لا يليق بمكانة مصر والصحافة المصرية التى لها تاريخ طويل، أكبر من عمر بعض الدول فى المنطقة العربية، مضيفا أن الصحافة كانت أحد المصادر الرئيسية لقوة مصر الناعمة التى من خلالها كانت تمتلك تأثيرا كبيرا عربيا، فقدت جزءا رئيسيا منه بسبب هذا التراجع، وأى بلد حريص على تأثيره ومكانته لا بد أن تقدر حرية الصحافة من قِبَل صناع القرار.
وتابع «قلاش»: فى فترة الخمسينيات من القرن الماضى وحتى نهاية عصر مبارك، كان هناك شكل معين فى التعاطى مع ملف الصحافة كل بطريقته، إلا أنها ظلت إحدى السلطات المؤثرة، وكنا نطلق عليها "سلطة السلطات" لها سلطان بذاته، وهذا ما يؤكد مدى تأثيرها على مر هذه العقود، فحتى فى فترة تأميم الصحافة، استطاع صاحب القرار هندسة هذا التأميم، وسمح بوجود صحف (يسارية - حكومية - وجماهيرية)، ومنها نشأت المدارس الصحفية، وما بينها من تنوع واختلاف، وكان هناك نوع من الحياة والحيوية التى تفتقدها الصحافة الآن.
وأشار إلى أنه حتى نهاية عصر مبارك، كان يوجد ما يعرف بصحافة الهوامش، وكانت محط سخرية من الكثير من الصحفيين، الآن مصر لم تأخذ مكانتها التى يجب أن تكون عليها، مؤكدا أن الصحافة التى تتمتع بسقف من الحرية تبصر صاحب القرار، وليس هدفها مهاجمته، والحرية الإنسانية فى العالم كله، وصلت لمسارين، أولهما: مسار طلب بحرية الصحافة، والتى كان لها ثمن، ولكن اكتشف العالم أنها لها قدرة ذاتية على تصحيح الأخطاء، أما المسار الآخر، فهو التضييق وهو ما يولد انفجار المجتمعات ككل.
وقال نقيب الصحفيين الأسبق: "أتمنى مع العام الجديد ومع الإعلان عن أن عام ٢٠٢٢ هو عام المجتمع المدنى، أن يدار حوار عام جاد حول حرية الصحافة، وإلغاء المواد السالبة للحريات فى قضايا النشر، وتفعيل النص الدستورى الخاص بإصدار بقانون حرية تداول المعلومات، وتعزيز ودعم حرية التعبير، فهى الحرية الأم، وفى القلب منها حرية الصحافة، أو كما نقول: حرية التعبير هى العُقد، وحرية الصحافة أواسط هذا العُقد ودرته".
نقلًا عن العدد الورقي…