كيف يحقق المؤمن التوكل على الله في كل شئونه؟
حينما يُؤمن العبد بالقدر خيره وشره؛ فإنّه يطمئن ويتوكل على خالقه؛ ذلك لأنّه يعلم أن الله يعلم كل ما كان، وما هو كائن وما سيكون، وذلك مكتوبٌ عنده في اللوح المحفوظ منذُ الأزل، وأنّه -سبحانه- خالق كلِّ شيءٍ في هذا الكون، وهو المتصرّف والمُتحكم بكلِ شيءٍ، فلا يحدث شيء دون إرادته وحكمه.
تفويض الأمر إلى الله
بيّن القرآن الكريم للمسلم بأنّ كل شيء بيد الله؛ فلا يحصل النفع والضر إلّا بإرادته، فإن آمن العبد بذلك كان مُطيعًا لأمر الله، مُقتديًا برسوله -صلّى الله عليه وسلّم-، مُطمئنًا بما يحصل معه من تقلب الأقدار، فلا يخاف من شيءٍ ويفوّض أمره لله، عاملًا بقول الله -تعالى-: (وَلِلَّـهِ غَيبُ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَإِلَيهِ يُرجَعُ الأَمرُ كُلُّهُ فَاعبُدهُ وَتَوَكَّل عَلَيهِ).
التعرف على اسم الله الوكيل
إن الإيمان باسم الله الوكيل يكفل للمسلم أن يكون متوكلًا عليه، يعلم بكفالته له، ورعايته له؛ فيزيد إيمانه بالله ومحبته له، ويتمسّك بما أمره به، فهو ربه الذي تكفل برعايته ورزقه، فيُسلم الأمر لصاحب الأمر، وتكون علاقته بعباد الله علاقة محبة؛ فهم مثله يعيشون بكفالة ورعاية الخالق، يتقلبون بأقدار الله وأرزاقه من أصناف الأرزاق المادية والمعنوية، فقلب المسلم مطمئنٌ، يعلم أنّ النفع والضر بيد الله الوكيل، قال -تعالى-: (ذلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُم لا إِلـهَ إِلّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيءٍ فَاعبُدوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ وَكيلٌ).
الأخذ بالأسباب
يرتبط التوكل على الله ارتباطًا وثيقًا بالأخذ بالأسباب؛ فالتوكل الصحيح ينبغي أن يكون صاحبه قد أخذ بالأسباب، فالتوكل يكون بالقلب ولا ينبغي أن ينحصر على القلب؛ بل يجب أن يظهر على الجوارح، وذلك عن طريق الأخذ الأسباب، وإلا تحول الأمر إلى التواكل بدلًا من التوكل، قال الله -عز وجل-: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ)، ومع ذلك يبقى القلب مُتعلقًا بالله غير معتمدٍ على هذه الأسباب، فيذكر الله -تعالى- ويدعوه موقنًا بالإجابة وينتظر توفيقه.
دعاء الاستخارة
ثبت عن جابر بن عبد الله أنه قال: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ في الأُمُورِ كُلِّهَا، كَالسُّورَةِ مِنَ القُرْآنِ: إذَا هَمَّ بالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ، وأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأَسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ العَظِيمِ، فإنَّكَ تَقْدِرُ ولَا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولَا أعْلَمُ، وأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ خَيْرٌ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي - أوْ قالَ: في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ - فَاقْدُرْهُ لِي، وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي - أوْ قالَ: في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ - فَاصْرِفْهُ عَنِّي واصْرِفْنِي عنْه، واقْدُرْ لي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي به، ويُسَمِّي حَاجَتَهُ فدعاء الاستخارة يشمل التوكل على الله، وتفويض الأمر له -سبحانه- مع التوجه إليه بالدعاء، ففيه يتوجّه العبد إلى الله -عز وجل- بتفويض أمره إليه ويتوكّل عليه، ويرضى بما كتب الله له، مع أخذه بالأسباب.
معرفة أن التوكل قرين الإيمان
فرض الله علي عباده التوكل؛ فقال: (وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)، فهذا دليلٌ على أنّ صحة الإسلام والإيمان متوقفة على التوكل؛ فالتوكل على غير الله يُعدّ شركًا، وقد جمع الله في الآيات القرآنية بين التوكل والعبادة، والتوكل والإيمان، والتوكل والإسلام، والتوكل والتقوى، والتوكل والهداية وذلك حتى يؤكّد لعباده أنّ التوكل هو أصل مراتب العبادة في جميع مراحلها، وأنّ التوكل هو ساق العبادات جميعها، فلا تقوم إلّا به.
وللمؤمن المتوكل على الله جزاءً عظيمًا، بقول الله -تعالى-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّـهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّـهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا).