علي جمعة: المؤمن يعبد الله عبادة السيد ويرى للزمان والمكان حرمة
قال الدكتور علي جمعة، المفتي السابق للجمهورية، إن النموذج المعرفي لعقل المسلم ينبغي أن يكون منطلقًا للتقويم، ومعيارًا لقبول أفكار البشر وتوجهاتهم، ومبدءًا لتجديد الخطاب الذي يتوافق مع إدراك الواقع، مؤكدًا أن المؤمن يتخلق بصفات الجمال، ولا يتخلق بصفات الجلال بل يتعلق بها، لذا وصف الله الصبر على أمره الكوني أو الشرعي بالصبر الجميل.
الإنسان سيد في الكون
وأضاف جمعة أن المؤمن يري أن الإنسان سيد في هذا الكون، وليس سيد له، ويسير في عبادة الله سير السيد، وليس سير الجمادات، ويعتقد المؤمن أن للزمان والمكان والأشخاص والأحوال حرمة.
وعن النموذج المعرفي الذي يُكون عقل المسلم كتب الدكتور علي جمعة تدوينة على الفيس بوك "المؤمن يتخلق بصفات الجمال، ولا يتخلق بصفات الجلال بل يتعلق بها، فيعفو ويصفح، ويمسك نفسه عند الغضب قال تعالى: ﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8]، وقال سبحانه: ﴿ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير * وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: 109، 110]، ومن هنا وصف الله الصبر على أمره الكوني أو أمره الشرعي بالصبر الجميل ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18] ﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴾ [المعارج: 5] ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾ [المزمل: 10]، والتخلق بالجمال والتعلق بالجلال والإيمان بالكمال من مكونات العقل المسلم"
الإنسان والكون
وتابع جمعة: "والمؤمن يرى أن الإنسان مكرم، وأنه ليس مجرد جزء من الكون قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].
وقال "فالإنسان كائن فريد في هذا الكون؛ لأنه متحمل للأمانة قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72].
وأضاف "ويرى المؤمن أن الإنسان سيد في هذا الكون، وليس سيد له، فالسيد هو الله قال: «السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى» [رواه أحمد وأبو داود والنسائي]، فإن الكون يسبح: ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44]، ويسجد كذلك لله سبحانه وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ﴾ [الحج: 18]، ولكن المؤمن وهو يسير في عبادة الله يسير سير السيد، وليس سير الجمادات: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 13]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي البَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الحج: 65].
تقديس الأشخاص والمكان
وتابع "ويعتقد المؤمن أن للزمان والمكان والأشخاص والأحوال حرمة، ويراعيها في تعامله معها، فتراه يقدس ليلة القدر: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ ﴾ [ القدر: 1]، ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾ [الدخان: 3]، ويقدس الكعبة: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96]، وقال النبي ﷺ: «مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلاَّ خَيْرًا » [رواه ابن ماجة].
واستطرد قائلًا: "ويقدس المصحف: ﴿لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: 79]، وينزل النبي ﷺ منزلة عظيمة: ﴿لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا﴾ [النور: 63]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ﴾ [الحجرات: 2].
وقال "ومن مجمل ذلك كله تتكون عقلية المسلم ونفسيته؛ لتكون شخصية متميزة ترى أن الدعوة عامة، وأن الله سبحانه وتعالى كما أرسل الرسل بالعهد القديم، والعهد الجديد، فقد ختمهم برسول الله ﷺ الذي أنزل معه العهد الأخير، وجعل الله سبحانه وتعالى الأمة واحدة من لدن آدم إلى يومنا هذا: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: 81].
واختتم علي جمعة حديثه قائلًا: "هذا النموذج المعرفي ينبغي أن يكون منطلقًا للتقويم، ومعيارًا لقبول ما هنالك من أفكار البشر وتوجهاتهم، ومبدءًا، لتجديد الخطاب الذي يتوافق مع إدراك الواقع بعوالمه المختلفة".