رئيس التحرير
عصام كامل

الدكتور بركات دويدار عضو هيئة كبار العلماء لـ"فيتو": خروج الشعب في ثورة ضد الحاكم دليل على الإجماع

فيتو

التحريض على قتال المسلمين لبعضهم البعض فتنة والفتنة أشد من القتل
لا يجوز مطلقا أن أترك البلد عطشانا أو جوعانا وأذهب لأقاتل على الحكم


قال الدكتور بركات دويدار عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف إن الدستور الإسلامي بني على ثلاثة أسس أولها القرآن الكريم وثانيها السنة النبوية وثالثها الإجماع، وهو ما اجتمعت عليه الأمة أو معظمها ومن هنا كان خروج الشعب في ثورة 30 يونيو دليل إجماع على أمرها. وأوضح في حوار خاص لـ"فيتو" أن الإسلام رفض كل أشكال القتال فيما بين المسلمين وأبغضها القتال على السلطة، موضحا أنه يمكن وجود حوار بين السنة والشيعة من أجل وحدة الصف الإسلامي والمزيد في الحوار التالي.

- بداية، هل ترى أن ما حدث في مصر منذ أيام بخروج الشعب للتعبير عن رأيه برفضه للحاكم وتولي القوات المسلحة زمام الأمور يتماشى مع دستور الإسلام؟
الحقيقة أن الدستور الإسلامي يتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع، وما قام به الشعب من الخروج بشكل كبير للتعبير عن رؤيتهم ورفضهم لأمر ما فهذا هو ما يسمى بالإجماع لكن لابد أن ندع الخلافات ولا نتنازع على السلطة لأنها ليست باقية وإنما الاتفاق هو خير أمر خاصة أن هناك اقتتالا وإراقة للدماء متعلقين بهذا الأمر، والإسلام لا يرضى نهائيا بهذا الأمر.

- في ظل هذه الأجواء التي يعيشها المصريون من انقسام وقتال، ما رأى الإسلام في هذا الاقتتال الدائر بسبب السلطة؟
القتال بسبب السلطة بين المسلمين ليس من الإسلام في شيء، والإسلام ظل على مدى تاريخه يحارب التشتت والفرقة بين أتباعه وكان ذلك واضحا في قوله تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" وعندما هاجر المسلمون هجرتهم الأولى من مكة إلى المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ليجمع شملهم والإسلام على مدى تاريخه ومنذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يدعو إلى الوحدة وعدم التشتت لأن التشتت والتفرق أدعى إلى حدوث القتال فيما بين المسلمين ولهذا حارب الإسلام التفرق والاختلاف في صف المسلمين لأنه من الأسباب الأولى للقتال، ودعا الله تعالى لذلك فقال "إن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه" لأنه سبحانه يعلم بتقديره أن في الفرقة قتالا بين المسلمين وعلى ذلك فإن الإسلام حرم قتال المسلمين بعضهم لبعض وجعل قتال المسلم للمسلم كفرا مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" وحكم الإسلام واضح وجلي في هذه المسألة حيث نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عن محاربة بعضهم البعض بل وأمرهم بالاعتصام بحبله المتين وأن يكونوا عباد الله إخوانا.

- ما حكم الخلاف في الرأي والقتال على السلطة اللذين يصلا بالأمة إلى الفرقة والقتال فيما بينها؟
أولا لابد لنا أن نعرف أن الاختلاف سنة ربانية ومن السنن الكونية والاختلاف في الرأي سنة ما دامت في حدود الدين لأن الله تعالى أراد هذا فإذا كان الاختلاف في العقيدة فيقدر فيها إلى الله ولا نتصرف فيها بأى حال من الأحوال، أما الاختلاف في أمر دنيوي فلا يصح أن يجر الأمة إلى القتال لأن القتال منهي عنه شرعا وهو في حكم الكبائر التي نهى الله تعالى عنها والفرقة في الرأي ليس هو اختلاف الرأي ولكن الفرقة في أن يؤدي الاختلاف في الرأي إلى القتال بأن تبغي طائفة على الأخرى بسبب الاختلاف في أمر دنيوي فلابد من ترك الخلاف لأن الخلاف اليوم هو آفة المسلمين فلابد من ترك الخلافات والتوجه نحو وحدة الرأي والصف وعدم الفرقة لأنها في النهاية ستؤدي إلى نتيجة سيئة ومبغوضة من الله تعالى وهو قتال المسلمين بعضهم بعضا.

- في مثل هذه الأوقات التي تعيشها مصر من انقسامات نرى أن هناك بعض المحرضين على القتال بسبب السلطة، فما حكم الإسلام فيها؟
القرآن الكريم واضح في أنه في مرتبة أعلى من مرتبة القتال لأن التحريض على قتال المسلمين لبعضهم البعض فتنة والفتنة أشد من القتل فقال تعالى "والفتنة أشد من القتل" فيجب على المسلم أن يبتعد عن إيقاع الفتنة فيما بين المسلمين وبعضهم، والنبي صلى الله عليه وسلم حث المسلمين على عدم الانصياع لأمثال هؤلاء، كما نهى عن اختلافهم في أمورهم، ونهى عن قتال بعضهم بعضا، حتى أنه في خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قال "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" فجعلهم إذا فعلوا ذلك وقتلوا بعضهم بعضا فقد فعلوا ما هو في حكم الكفار.


- قال تعالى "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما"، فهل تتماشى الآية مع الواقع الآن في مصر ومن له حق الإصلاح هنا؟
القرآن واضح وصريح فقد وضع ضوابط لعدم الانقسام والقتال بين طائفتين مسلمتين لكن في كل الأحوال القتال بين المسلمين وبعضهم حرام شرعا ولهذا نرى القرآن يضع العلاج الشافي للأمر فهنا يقول "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين" أي إن حدث قتال بين المسلمين وبعضهم لابد من وجود عقلاء في الأمة يأخذون بيد المتقاتلين فليس معنى "فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء" أي قتال وشجار لكن أن يبينوا لهم صحة الأمر ويعقلوهم ويحاولون حل الأمر بالحسنى وهذا الموضع مثل الحديث الشريف "انصر أخاك ظالما أو مظلوما قيل يا رسول الله هذا نصرته مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ قال تمنعه من الظلم فذاك نصرك إياه"، ولابد أن توجد الآن مجموعة من أهل الحل والعقد يأخذون بأيدي المسلمين ويحاولون حل الأمور والاختلاف حتى لا يحدث قتال وعلى رأس أهل الحل والعقد ولي الأمر.

- بما أن مصر الآن تعج بالمذاهب والجماعات، كيف ترى هذه الجماعات وموقف الإسلام منها؟
الجماعات موجودة الآن وخلافاتهم خطرة، فالصوفية نوع من التسامح الهادئ السهل والدكتور عبد الحليم محمود صوفي والآن لم يعلن المتصوفون أي حرب على المذاهب الأخرى وهناك جماعات عديدة تحارب بعضها والساحة الآن أصبحت مليئة بالصوفية والإخوان والسلفية وغيرهم وأنا في المقام الأول لا يهمني سوى العقيدة السليمة، والحقيقة أن كل المذاهب الموجودة الآن تتقاتل على الحكم، ما تقاتل الإسلام إلا على الحكم وما حدث تقاتل في الإسلام إلا على الحكم وهو مشكلة المشاكل منذ عهد الدولة الأموية ونجى الله مصر لكن في هذه الأيام ابتليت مصر بالتقاتل على الحكم وأدعو الله أن يحفظ لمصر الدين والنيل والأزهر، والدين واضح فهل يجوز أن أترك البلد عطشان أو جعان وأذهب لأقاتل على الحكم فهذا لا يجوز مطلقا، لابد أن أرى كيف أحل هذه المشكلة لأنها متعلقة بالحياة وهى من الضروريات الخمس.

- هل من الحكمة في الإسلام إقصاء الآخر كما كان يفعل التيار الإسلامي عندما كان في السلطة بدعوى أنه يحق للحاكم الاستئثار بالحكم؟
القرآن يقول ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن فهذا هو الإسلام المبني على الدعوة وهو ما يسمح للأديان الأخرى أن تعيش معه لكن بشرط ألا تحارب الإسلام، والقرآن يقول" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون" فالإسلام لا يحارب أحدا لمجرد الخلاف في الدين "لكم دينكم ولي دين" والإسلام دخل البلاد والصليبيون دخلوا البلاد وانظر إلى الفرق واقرأ كتاب حضارة العرب لجوستاف لوبون لدرجة أنه كان يقول: كانوا يشنقون عددا كبيرا بحبل واحد من المسلمين لدرجة أن الدماء كانت تسيل في الشوارع.
الجريدة الرسمية