عاطف فاروق يكتب: محافظ القاهرة يتجاهل قرارات رئيس الوزراء.. مدير التعليم يفرض إتاوات بالملايين على التلاميذ لصرفها مكافآت.. وطارق شوقي يغض البصر
يحضرني في الشتاء مشهد الأمواج المتلاطمة مع سيول الأمطار لتصنع تسونامي يُشبه تسونامي فساد محافظة القاهرة الذي يغرق فيه الشرفاء، وتُهدر فيه أموال الدولة والمواطنين، وأتساءل: لماذا نسعى لزيادة عوائد الضرائب ولا نسعى لترشيد إنفاق تلك العوائد، وفي لفتة سريعة يمكننا أن نتخيل أن موظفًا واحدًا في الدولة تمكن من تربيح أحد المتعاملين مع جهة عمله مبلغ ٧٦ مليون جنيه، نعم، لا تُراجع الرقم، ولا تفرك عينيك، هو كما قرأته، والموظف هو سكرتير عام محافظة القاهرة، إحدى المحافظات التي ترقد على بحيرة من الفساد المالي والإداري.
وقبل أن نروي ما لدينا عن متاهة الفساد، والتعاون "المثمر" لتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، فإننا نُذكِركم بمسلسل "وتوالت الأحداث عاصفة" الذي عُرِض منذ حوالي 30 عامًا، وقد لا يعرفه شباب هذه الأيام، وقد لا يتذكره أغلب كبار السن إلا بعد أن أذكر لهم كلمة السر في هذا العمل الدرامي الهام "أنا البرادعي يا رشدي"، كانت تلك هي العبارة الشهيرة التي يتحدي بها زعيم العصابة، ضابط الشرطة المُكلف بالقبض على هذه العصابة.
ووجْه الشبه بين المسلسل وقصة اليوم أمران: أولهما تحدي وبجاحة المخالفين، وثانيهما ذلك الغموض الذي يُحيط بقضايا الفساد المالي، فلا تكاد تقف على رأس الأفعى لتقطعها، وقد تعرفها وتلتزم الصمت؛ لأنهم تمكنوا من التغلغل في مؤسسات الدولة، والتعاون فيما بينهم، وقننوا الفساد وشاعت الجريمة، فما الذي حدث في أروقة مديرية التربية والتعليم بالقاهرة، وما الذي دار في الغرف المغلقة بمحافظة القاهرة؟
تعليم القاهرة
تحولت مديرية التربية والتعليم بالقاهرة إلى كيان منفصل، وكأنها مستقلة عن القوانين واللوائح المالية السارية في كافة أنحاء مصر، انفردت المديرية بتوقيع عقد مع شركة خاصة بقصد تحصيل أموال من أولياء الأمور، وتحميلهم أعباء دون مقتضى من القانون لصرفها مكافآت مالية حظرها رئيس الوزراء، وتوزيع الجانب الأكبر من العوائد على مسئولين من قيادات بمحافظة القاهرة ومديرية التعليم خارج مظلة القانون واللوائح المالية الحاكمة.
القضية تحمل رقم 4049 لسنة 2021، حصر وزارة التربية والتعليم، تتضمن مخالفات مالية وإدارية صارخة، واستبعد على إثرها محمد الحسيني، مدير عام الشئون المالية والإدارية بمديرية تعليم القاهرة من وظيفته، وتمثلت المخالفات في قيام محمد عطية، القائم بتسيير أعمال وكيل ومدير المديرية، بإصدار قرارات مالية من شأنها زيادة الحوافز والمكافأة والمزايا تخالف قرارات رئيس الوزراء، وسلب اختصاص محافظ القاهرة بالتعاقد مع شركة خاصة لتحصيل ملايين الجنيهات من أولياء الأمور، تعود عليه بالنفع بأن يتقاضى منها مكافآت بمئات الألاف وكذا غيره من المحظوظين بالمديرية وديوان المحافظة
اغتصاب سلطة المحافظ
أبرم محمد عطية القائم بأعمال تعليم بالقاهرة، دون موافقة المحافظ عقد مع شركة تليميديا مصر لنشر نتائج امتحانات التعليم الأساسي، ثم تم إضافة خدمات أخرى على العقد تتمثل في تفعيل تقديم التحويلات المدرسية، وكذا خدمة التقدم لمرحلة رياض الأطفال والتحويلات في كافة مراحل التعليم، وبلغت المبالغ الواردة من شركة تليميديا تسعة ملايين و479 ألف جنيه.
يُذكر أن محافظ القاهرة أصدر في 8 سبتمبر 2019 قرارًا برقم ٧٢٧٦ لسنة 2019، بتفويض مديري الخدمات بالمحافظة في إختصاصاته المخولة له بقانون تنظيم التعاقدات، وتاريخ التفويض تالٍ للعقد المبرم مع شركة تليميديا حيث أبرم العقد في مارس 2019، أي قبل صدور التفويض بنحو ستة أشهر، بما مفاده أن محمد عطية وكيل ومدير تعليم القاهرة، قد إغتصب سلطة المحافظ
وتبين مما رصدته "فيتو" أيضًا، أن الكتاب الدوري رقم 3 لسنة 2016 بشأن موافقة وزير المالية يتضمن أيلولة المتحصلات التي تتقاضاها الجهة نظير قيامها بأداء خدمة لجهة أخرى إلى الايرادات دون خصم أي مبالغ منها، وكذا تضاف للإيرادات كافة المبالغ التي ترد للجهات كمكافآت وتعويض عن جهود غير عادية على أن يتم صرف ما يتقرر من مكافآت وتعويضات عن جهود غير عادية للعاملين خصمًا على إعتمادات بنود الموازنة المختصة
مكافآت التحويلات
ورغم هذا الكتاب الدوري، فإن المسئولين بمديرية تعليم القاهرة والمحافظة، قاموا بصرف مكافآت نشر النتائج والشهادات المحلية والتحويلات الإلكترونية للطلاب بمختلف المراحل التعليمية والتقدم لرياض الأطفال، بطرق مالية مخالفة، رغم علمهم بالحظر المقرر على كافة الجهات الإدارية، بإصدار أي قرارات مالية من شأنها تعديل نظم الحوافز والمكافآت أو زيادتها أو أي مزايا مالية أخرى، تجاوز النظم القائمة قانونًا، إلا بقرار من رئيس الوزراء بناءً على دراسة الجهاز المركزي للتنظيم والادارة، وموافقة وزير المالية.
وقد بلغت المبالغ المنصرفة للعاملين بمديرية تعليم القاهرة خمسة ملايين و536 ألف جنيه، وصرف مبالغ لديوان محافظة القاهرة بلغت جملتها ثلاثة ملايين و187 ألف جنيه بالمخالفة للوائح المالية وقرارات رئيس الوزراء ووزير المالية وفقًا لما جاء بأرقام وتاريخ وقيمة الشيكات
صرف مكافآت لنفسه
الغريب أن المذكرة المعروضة على محافظ القاهرة، وقَّعتها ناهد كامل، الموجه العام المالي والإداري بالمديرية، والمذكرة الأخرى، لصرف مبالغ لمدير المديرية وبعض مديري العموم، دون إختصاص، ورغم عدم جواز الصرف الا بعد الموافقة الصريحة لمحافظ القاهرة بإعتباره السلطة المختصة، وأعتمد محمد عطية، القائم بتسيير أعمال وكيل ومدير مديرية تعليم القاهرة المذكرتين رغم علمه بأن المختص بإعدادها هو مدير عام الشئون المالية والادارية، كما أعتمد صرف مكافآت لنفسه دون عرضها مع سبب صرفها على المحافظ
كما لم يقم عبد القادر علي، مدير الحسابات بالمديرية بواجباته، من مراقبة سابقة لـ"الصرف" والموافقة عليه من إيرادات التعاقد كمكافآت بالمخالفة لأحكام الكتاب الدوري رئيس رقم ( ٣) لسنة ٢٠١٦ حيث يتوجب ايداع تلك المبالغ في حساب الإيرادات دون خصم أي مبالغ منها، وخالف تأشيرات الموازنة لعام ٢٠٢١، بحظر زيادة نظم الحوافز والمكافآت أو أي مزايا أخرى تجاوز النظم القائمة إلا بقرار من رئيس الوزراء ودراسة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، وصرف مكافأة لمدير المديرية رغم أن سلطة الصرف هو محافظ القاهرة
وقامت ناهد كامل، الموجه العام المالي والإداري بالعرض على مدير المديرية بمذكرتين بشأن توزيع وتقاسم متحصلات العائد من قيمة التحويلات وبيان النجاح ورياض الأطفال، بدلًا من مدير عام الشئون المالية والإدارية، وأعتمد محمد عطية، القائم بأعمال تعليم القاهرة الصرف لنفسه مغتصبًا اختصاص محافظ القاهرة، ولم يقم بواجباته الإشرافيه مما أدى إلى قيام مدير الشئون المالية بصرف مكافآت لمختلف الجهات والعاملين دون وجه حق
شركة تليميديا
كما اعتمد محمد عطية، مدير المديرية العقد المبرم مع شركة تليميديا مصر كطرف أول، دون مشاركة المحافظ، أو مراجعة مضمون العقد بمعرفة الشئون القانونية بالمديرية، بالإضافة إلى عدم الأمانة في عرض المذكرات على السلطة المختصة (محافظ القاهرة)، والتوقيع على مذاكرات عرض لنفسه، على أساسها تم صرف مبالغ مالية له دون موافقة المحافظ.
وبموجب مذكرات ناهد كامل، الموجه العام المالي والإداري منح محمد عطية، محافظة القاهرة مبالغ مالية، مصدرها أولياء الأمور دون وجود سند قانوني أو الرجوع للوزارة في مدى إمكانية إبرام ذلك التعاقد من عدمه، وأهمل في متابعة ما يتم عرضه عليه لغياب توقيع محمد الحسيني، مدير عام الشئون المالية على مذكرات توزيع المكافآت، وإحلال، الموجه العام المالي والإداري بتلك المذكرات دون إختصاص
الوزير غض البصر
وحصل محمد الحسيني، مدير عام الشئون المالية والإدارية بالمديرية على مكافآت مالية له، ولآخرين دون عمل مؤدى، في صورة بدل جهود عن نشر النتائج، وتحميل أولياء الأمور أعباء مالية بخلاف ما قررته وزارة التربية والتعليم، وإضافة بنود تقدم لأولياء الأمور والطلاب بدون مقابل مثل التحويلات بين المدارس والتقدم لرياض الأطفال.
المؤسف أن الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم عندما علم بتفاصيل هذه الجرائم المالية والمخالفات الإدارية غض البصر عن ما إرتكبه القائم بتسيير أعمال وكيل ومدير تعليم القاهرة ومديرة التوجيه المالي والإداري وأصدر قرارًا بإستبعاد مدير عام الشئون المالية والإدارية بالمديرية، نفذه مدير المديرية، وقد تجمدت الأوراق، بالمخالفة لما ما سبق أن أكده فخامة الرئيس من أن التستر على الفساد فساد.