حكاية محل عم محمود في باب الخلق مع السميعة وعشاق الست.. أجر الراديو 25 قرشا في حفلات أم كلثوم.. ومن هنا خرجت خطابات عبدالناصر | فيديو وصور
"يا فؤادي لا تسل أين الهوى.. كان صرحًا من خيالِ فهوى".. في صيف ليلة الخميس الأول من كل شهر خلال صيف عام 1965 كان صوت السيدة أم كلثوم يصدح في أرجاء الزقاق الصغير المتفرع من شارع باب البحر بالقرب من حي عابدين بالقاهرة، يصطف الحضور محبو الست وعشاقها أمام محل عم كمال الدين لتصليح الراديو، هذا المكان الصغير الذي كان أول علامة تخبر السكان بأن "حفلة الست بدأت"، فمن هذا المربع الصغير كان جهاز الراديو يخرج للعشرات من سكان المنطقة في كل حفل غنائي تحييه السيدة أم كلثوم مطلع كل شهر.
محل صغير خافت الإضاءة تحمل فاترينته الزجاجية ذات الحواف الخضراء رائحة الماضي البعيد، سنوات تتخطى الـ 65 عامًا، جدران بهت لونها تشهد على أحداث كثيرة وتنطق بما لا يستطيع الزمن تخطيه كأنه لا يمكن للأرض أن تكمل دورانها دون الوقوف عنده، ومن خلال محمود كمال الدين نجل العم كمال صاحب المحل الذي تأسس في عام 1950 ومقابل 25 قرشًا كان الراديو يخرج إلى بيوت الجيران للاستماع إلى حفلات الست أم كلثوم، يسترجع معنا محمود الذي أصر على أن يظل المحل كما هو بدون أية تغييرات، ذكريات هذا المكان العريق ويعود إلى عامه الـ 10 حينما أذيعت القصيدة الأقرب إلى قلبه للمرة الأولى قصيدة الأطلال وكيف كان المشهد في تلك الليلة فور صعود كوكب الشرق إلى المسرح.
حفلة الست ليلة عيد
كأنها ليلة عيد لا أحد ينام في هذا الشارع الصغير التابع لمنطقة باب الخلق بمحافظة القاهرة، محمود كمال صاحب محل تصليح الراديو والتلفاز منذ عام 1950 وحتى هذه اللحظة، كان طفلا صغيرا يجتمع مع أطفال الحي ويجلسون إلى جوار الكبار يستمعون إلى السيدة أم كلثوم وهي تتغنى ويختلط صوتها ببعض من الحنين وهي تتساءل:"هل رأى الحب سُكارى مثلنا ؟"، يحاول محمود أن يحتفظ بكلمات الأغنية في رأسه وبتفاعل الحضور أيضا مع الحفل سواء من أتوا ليستمعوا إلى الحفل أمام المحل أو من استأجروا من والده الراديو مقابل 25 قرشا:" الناس كانت غلبانة واللي عايز يسمع راديو كان يأجر الحتة بـ 25 ليلة أم كلثوم، كنا نسترزق في هذا اليوم ونسهر مع المستمعين نستمع للحفلات، والناس بتكون فرحانة كأنها ليلة عيد!". يتحدث محمود كمال الدين لفيتو.
من هنا خرجت خطابات ناصر
لم يكن صوت حفلات الست أم كلثوم فقط هو ما يخرج من هذا المحل الصغير الذي يتخذ شكله الثابت منذ عام 1950، ولكن خطابات الرئيس جمال عبدالناصر أيضا وعلى رأسها خطاب التنحي في التاسع من يونيو عام 1967، ومثلما كان لها تأثيرها في كافة أرجاء المحروسة وفي عالمنا العربي كله، كان لها التأثير ذاته في هذا الشارع الصغير وبين أبنائه البسطاء، فجميع أبناء المنطقة كانوا يأتون للعم كمال إما لتأجير الراديو أو الاستماع إلى الخطاب أمام عتبة المحل، "كنا بنحب نسمعها والناس في خطابات عبدالناصر كانت بتأجر منا أكثر من حفلات الست أم كلثوم كانت الناس عايزة تسمع كلام عبدالناصر وتشوفه بيقول إيه". ومن لم يستطع أن يدفع الـ 25 قرشا يأخذ الجهاز إلى منزله بلا مقابل وفور انتهاء الخطاب يعيده للعم محمود مرة أخرى.
مازال محمود كمال الدين صاحب أقدم محل لتصليح أجهزة الراديو والتلفزيون في محيطه، يحتفظ بكل ما تركه الوالد قبل عشرات السنين، حتى أدوات التصليح الخاصة بالراديو والتلفاز مازالت كما هي دون تغيير، فيقول محمود:"الوالد شغلني كان عندي ست سنوات في عام 1960 ومن وقتها وأنا هنا؛ كنا نصلح الراديو العادي بكل ماركات زمان وبعد النوع المألوف، وبعد فترة ده ظهر الترانزيستور مثل ناشيونال وسوني وغيرهم، كنا نستخدم في تصليحهم الجفت والمكاوة وجميع المفكات ولحد الآن نصلح بها القديم والجديد فالأدوات التي كنا نصلح بها في الماضي هي ما نستخدمه اليوم".