سيناريوهات الصدام بين روسيا و"الناتو".. المواجهة العسكرية مستبعدة.. وموسكو لن تقدم تنازلات في أوكرانيا
ما الذى يجرى بين روسيا وأوكرانيا؟ ولماذا حذر حلف الناتو موسكو من مغبة أي هجوم عسكرى على كييف؟.. وهل تقدم روسيا بالفعل على غزو أوكرانيا؟.. ولماذا تلقى الولايات المتحدة الأمريكية بكل ثقلها على خط الأزمة الجارية؟.. أسئلة عديدة فرضت نفسها على مشهد السياسة الدولية بعد تصاعد حدة التوترات بين روسيا والدولة الصغيرة الجارة لها فى الآونة الأخيرة.
وبالرغم من أن تلك التوترات مستمرة منذ ما يقارب الـ8 سنوات، إلا أن نار المواجهة قد تتأجج من جديد، خاصة مع تحذير الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرج من أن الحلف العسكرى الذى تقوده الولايات المتحدة يجب أن يستعد للأسوأ مع تزايد المخاوف من أن روسيا ربما كانت تستعد لغزو أوكرانيا، مؤكدًا أنه "لا يوجد يقين، ولا وضوح بشأن النوايا الروسية بدقة، وقد تتطور وتتغير بالفعل"، وفى إشارة إلى استيلاء روسيا عام 2014 على شبه جزيرة القرم فى أوكرانيا، أضاف ستولتنبرج "لقد فعلوا ذلك من قبل".
ويشعر الناتو بالقلق من حشد روسى للعتاد الثقيل والقوات بالقرب من الحدود الشمالية لأوكرانيا، ليس بعيدا عن بيلاروسيا، وتقول أوكرانيا إن موسكو تحتفظ بنحو 90 ألف جندى فى المنطقة بعد مناورات حربية مكثفة فى غرب روسيا فى وقت سابق من العام الجارى، ويمكن حشدهم بسهولة.
فهل يقع الصدام بالفعل أم أن الخطوط الحمراء التى تضعها روسيا فى هذه الأزمة وتوازنات القوى سوف تبقى على معادلة المواجهة فى سياق الحرب الكلامية وفرض العقوبات ليس أكثر؟
صدام مستبعد
أستاذ العلاقات الدولية الدكتور طارق فهمى، أكد لـ"فيتو" أن سيناريوهات الصدام المباشر بين روسيا وحلف الناتو بسبب أوكرانيا مستبعدة تمامًا، وأنه من المحتمل عودة السيناريو المكرر فى إطار المواجهات السابقة واستمرار العقوبات على روسيا التى بدورها لن تقدم أي تنازلات فى ملف أوكرانيا، وذلك لعدة اعتبارات متعلقة بأهمية الملف إستراتيجيا، مما يعنى استمرار حرب التصريحات غير المباشرة بينها وبين أعضاء الحلف الذين سوف يسعون إلى دفع روسيا إلى حافة الهاوية.
وأضاف أن السيناريو الثانى يتمثل فى إمكانية التوصل لحل وسط لإبقاء الوضع إلى ما هو عليه دون أن يكون هناك تمدد لتلك الأزمة، وذلك نظرًا لأن أوكرانيا بمنزلة جزء من الكل أي أنها مسألة من المسائل المتنازع عليها بين روسيا والناتو وليس الوحيدة فهناك العديد من الملفات التى تعد محط الخلاف، مثل النووى الإيرانى والأمن الأوروبى ومنظومة العقوبات وغيرها من الملفات المفتوحة إضافة إلى الملف السورى والليبى ومنطقة إقليم شرق المتوسط، مضيفا أن أوكرانيا ليست محل الخلاف الوحيد مع حلف الناتو وروسيا، ومن المحتمل أن يحدث إدراج فى بعض الملفات مقابل ملف أوكرانيا، وهو نفس السيناريو الذى حدث عندما قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم وإدارتها بطريقة خاصة، لذا فأوكرانيا لن تكون المشكلة الوحيدة فى العلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسى، وربما سيتم ما يعرف باسم المقايدة السياسية مقابل ملف أوكرانيا.
ومن جانبه قال معتز أحمدى، سفير مصر السابق لدى الأمم المتحدة: إنه من المستبعد حدوث أي صدام بين روسيا والناتو بسبب أوكرانيا، مؤكدًا أن روسيا لن تتراجع عن موقفها الخفى وهو إبعاد حلف الناتو قدر الإمكان عن حدودها، مشيرًا إلى أن الغرب يتخوف من دخول روسيا لأوكرانيا مثلما سبق أن احتلت جزءا منها، فلا أحد يرغب فى خوض حرب طويلة المدى.
وبدوره قال الدكتور أشرف كمال، مدير مركز الدراسات الروسية: إنه مع انتهاء الحرب الباردة بين أكبر قوتين نوويتين، ورغم الدعم الذى وفرته روسيا للولايات المتحدة عقب هجمات الحادى عشر من سبتمبر، اعتقد البعض عودة الهدوء إلى العلاقات الثنائية، وبالتالى توحيد الجهود فى مكافحة ظاهرة الإرهاب الدولى، لكن موسكو وجدت فى ممارسات واشنطن فى فضاء الاتحاد السوفييتى السابق ما يهدد الأمن القومى الروسى، وتفاجأت الأوضاع بوصول القطع العسكرية البحرية التابعة لحلف شمال الأطلسى والقوات الأمريكية الرد البحر الأسود، وبشكل غير مسبوق، أصبحت قريبة من الحدود الروسية، وتصاعدت الأزمة بإعلان واشنطن تسليح أوكرانيا بأنظمة حديثة الأمر الذى ترى فيه موسكو إخلالا بتوازن القوى بين الأطراف المتنازعة فى الداخل الأوكرانى وتشجيع كييف على عدم تنفيذ التزامات اتفاق مينسك للتسوية السياسية مع إقليم دونباس.
ملف أوكرانيا
وتابع: "يتهم المسئولون الأمريكيون روسيا بحشد القوات على الحدود الأوكرانية، وتحاول الترويج لتقارير تتحدث عن الاستعداد لما تقول عنه (غزو أوكرانيا) أواخر يناير أو فبراير 2022"، بينما تواصل أوكرانيا نشر القوات والأسلحة ثقيلة على الحدود الروسية وفى دونباس، بالمكالمة لاتفاق مينسك.
مشيرًا إلى أن وزارة الخارجية الروسية أعلنت أن أوكرانيا نشرت ما يقرب من 125 ألف جندى أو أكثر من نصف جيشها فى دونباس وتستعد للهجوم على الإقليم، بينما تواصل الولايات المتحدة وحلف "الناتو" تزويد أوكرانيا بالأسلحة، وإرسال المستشارين العسكريين، والانتظار فى المنطقة فى تهديد واضح للأمن القومى الروسى.
وأضاف الدكتور أشرف كمال، أن محاولات استفزاز روسيا والدفع لإشعال فتيل المواجهة العسكرية فى جنوب شرقى أوكرانيا من خلال نشر صواريخ وأسلحة متطورة فى أوكرانيا، كما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين عن الاستعداد لنشر منظومة أسلحة متطورة واستهداف كل ما يمثل تهديدا للأمن القومى الروسى.
وأشار إلى أنه فى 2 ديسمبر الجارى التقى وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف بوزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن فى ستوكهولم، وتمت مناقشة الأزمة الأوكرانية وعدد من الملفات تمهيدا للقمة المفترضة بين بوتين وبايدن، كما أن لافروف شدد على أن تجاهل المخاوف الروسية المشروعة وانتشار قوات الناتو سيكون له عواقب وخيمة، البديل هو تنفيذ اتفاق مينسك لتسوية الأزمة الأوكرانية، وضمان أمن الحدود الروسية.
وأوضح أن القمة المفترضة بين بوتين وبايدن خلال الأيام المقبلة ربما تشهد خطوات وإجراءات قد تساهم فى تخفيف حدة التوتر، ولكن السؤال المطروح: هل تقبل واشنطن المقترحات الروسية وتكون جادة فى الضغط على كييف لتنفيذ اتفاق مينسك ووقف التصعيد العسكرى فى المنطقة، أم ستواصل التصعيد العسكرى، الذى يمكن أن يواجه بإجراءات قاسية من جانب موسكو.
نقلًا عن العدد الورقي…،