33 عامًا على تسلم نجيب محفوظ لجائزة نوبل في الأدب
أمام 600 مدعو من كبار المفكرين والأدباء والسياسيين في العالم وكبار الشخصيات ألقى الكاتب محمد سلماوى كلمة الأديب الكبير نجيب محفوظ الذى منحته الأكاديمية السويدية جائزة نوبل فى الأدب في احتفالية تسليمه جائزة نوبل للأدب نيابة عن وزارة الثقافة المصرية ونظرا لعدم استطاعته السفر الى استوكهولهم لظروفه الصحية.
وكانت ابنتيه فاطمة وام كلثوم قد حضرتا الاحتفالية التي أقيمت في مثل هذا اليوم العاشر من ديسمبر 1988 وتسلمتا جائزة والديهما، تقول نص رسالة اديب نوبل نجيب محفوظ:
إني أشكر الأكاديمية السويدية ولجنة نوبل على التفاتها الكريم لاجتهادى المثابر الطويل وأتحدث إليكم بلغة غير معروفة للبعض لكنى أرى أنها هى الفائز الحقيقى بالجائزة، وأنى كبير الأمل ألا تكون هى المرة الأخيرة وأن يسعد الادباء من قومى بالجلوس بكل جدارة بين أدبائكم العالميين.
واسمحوا لى أن أقدم نفسى إليكم، فأنا ابن حضارتين تزاوجتا فى عصر من عصور التاريخ زواجا موفقا، أولاهما حضارة عمرها سبعة آلاف سنة هى الحضارة الفرعونية، والثانية هى الحضارة الإسلامية ولعلى لست فى حاجة إلى التعريف بالحضارتين لأحد منكم وأنتم من أهل الصفوة والعلم.
ودعونى أتحدث عن إنجازات الحضارة الفرعونية فى الفن والأدب ومعجزاتها الشهيرة فى الأهرامات وأبو الهول والكرنك، وعن الحضارة الإسلامية فلن أحدثكم عن دعوتها إلى إقامة وحدة بين البشر فى رحاب الخالق تقوم على الحرية والمساواة والتسامح ولا عن فتوحاتها التى غرست آلاف المآذن الداعية للعبادة والتقوى والخير ولا عن المؤاخاة التى تحققت فى حضنها بين الأديان فى تسامح لم تعرفه الإنسانية من قبل.
قدر لى يا سادة أن أولد فى حضن هاتين الحضارتين وأن أرضع لبنها وأتغذى على أدابهما وفنونهما، ثم ارتويت من رحيق ثقافتكم الثرية الفاتنة وفى النهاية توج اجتهادى بجائزة نوبل الكبرى، فالشكر أقدمه لها باسمى وباسم البناة العظام الراحلين من مؤسسي الحضارتين.
وتتساءلون عن هذا الرجل القادم من العالم الثالث وكيف وجد الفراغ أتاح له أن يكتب القصص فأنا قادم من عالم مثقل بالديون حتى ليتهدده سدادها بالمجاعة أو يقاربها يهلك منه أقوام من الفيضانات ويهلك آخرون من المجاعة وبالحرمان من أي من حقوق الانسان فى عصر حقوق الإنسان وكانهم غير معدودين من البشر، وفى الضفة الغربية وغزة أقوام ضائعون رغم أنهم فوق أرضهم يعانون القتل والتشريد والتعذيب وحولهم 150 مليون من العرب يتابعونهم بالحزن والأسى مما يهدد المنطقة بكارثة.
لكن من حسن الحظ أن الفن كريم وعطوف وكما أنه يعايش السعداء فإنه لا يتخلى عن التعساء ويهب لكل فريق وسيلة للتعبير، وما العالم المتقدم والثالث إلا كتلة واحدة ولعلى لا أتجاوز واجبى إذا قلت باسم العالم الثالث لا تكونوا متفرجين على مآسينا لكن عليكم أن تلعبوا فيها دورا نبيلا يناسب أقداركم.
كما ينشط العلماء في تطهير البيئة من التلوث الصناعي فعل المثقفين أن ينشطوا لتطهير البشرية من التلوث الأخلاقي، فمن حقنا ومن واجبنا أن نطالب القادة الكبار في دول الحضارة، كما نطالب رجال اقتصادها بوثبة حقيقية تضعهم في بؤرة العصر.
قديما كان كل قائد يعمل لخير أمته فقط معتبرا بقية الأمم خصوما، وفي سبيل ذلك أهدرت أخلاق ومبادئ وقيم وأزهقت أرواح وبررت وسائل غير لائقة فساد الكذب والضرر والمكر والقسوة وصارت من آيات الفطنة ودلائل العظمة..واليوم يجب أن تتغير الرؤية وأن تقاس عظمة القائد المتحضر بمقدار شمول نظرته وشعوره بالمسئولية نحو البشرية جميعا.، ولقد أوان العمل وأصبحنا في عصر القادة المسئولين عن الكرة الأرضية بإنقاذ المستعبدين والجائعين في افريقيا وفى فلسطين.