بعد أزمة أميرة.. الحقائق الغائبة في قضية تهريب الحيوانات المنوية
عاصفة غضب كبيرة أحدثها فيلم أميرة في فلسطين والأردن والعالم العربي بكامله؛ كونه يسيء للأسرى في سجون الاحتلال ويعادي حقوق أطفال النطف المهربة ويشكك في أنسابهم.
واعتبر ناشطون، أن الفيلم يسيء إلى الأسرى والأبناء المولودين من النطف المهربة؛ فهو يروي قصة فتاة مولودة من “نطفة مهربة” تم التلاعب بها داخل السجون الإسرائيلية أثناء عملية التهريب، وتبدَّلت بنطفة من جندي إسرائيلي وهو أمر مخالف وضرب من الخيال ولم يتحرَّ القائمون على فيلم أميرة عناء استقصاء الحقائق حول عملية تهريب النطف التي تمر بسلسلة معقدة من التدابير الاحترازية.
بداية فكرة تهريب النطف
بدأت فكرة تهريب النطف من الأسرى الفلسطينيين تراود قيادة حركة الأسرى مع بدايات عام 2000، مستفيدين من التقدم الطبي الذي شهده العالم حينها، وهربت رسالة من السجون تسأل عن موقف الشرع الإسلامي من الفكرة، وبرغم التباين في موقف الأسرى من المسألة، أصبحت القضية محل اهتمام وقبول من المجتمع خاصة بعد أن حصلوا على فتاوى شرعية من علماء مسلمين تجيز الإنجاب عبر “النطف المهربة” لضمان تنامي الشعب الفلسطيني.
وبعد استيفاء الجوانب الشرعية، سمحت قيادات الفصائل الفلسطينية بالأمر حتى أصبح مقبولًا اجتماعيًّا، في هذه الظروف المستجدَّة انطلق الأسرى نحو تكوين أسر برغم بعدهم عن زوجاتهم.
سجلت أول قصة نجاح لعملية تهريب النطف، عندما هرب الأسير الفلسطيني عمار الزبن، من الضفة الغربية، نطفة إلى زوجته بداية عام 2012 وزرق بمولوده الأول مهند، وحذا حذوه عشرات الأسرى الذين تمكنوا من الإنجاب بالطريقة نفسها وفي قطاع غزة، أثمرت الفكرة عن عدد هائل من المواليد حتى الآن.
وكان الناطق الإعلامي باسم جمعية "واعد" المختصة بشؤون الأسرى، قال في تصريحات صحفية سابقة، إن الأسير أحمد السكني، المحكوم عليه بالسجن 35 عامًا، رزق بتوأمين، ولد وبنت سميا معتز وسوار، وقال إن ذلك تم عن طريق عملية تلقيح اصطناعية خضعت لها الزوجة بعد أن تم تهريب نطفة منوية لأحمد السكني.
أزمة فيلم أميرة
وحول التفاصيل التقنية لعملية التهريب وكيفية الحفاظ على النطفة المنوية حية، قال قنديل: إن التجربة تكررت لمرات عدَّة باءت فيها بالفشل، وإن والد الأسير الذي يزوره في السجن كل مرة يشرف بنفسه على عملية تهريب الحيوانات المنوية.
وأوضح أن الحفاظ على الحيوانات المنوية حية يتطلب إبقاءها في درجة حرارة منخفضة حتى تصل إلى غزة حية، ويتم تلقيحها، وأن ذلك يتطلب آليات حديثة ومبتكرة فضل عدم الكشف عنها حتى يتمكن الأسرى الآخرون من الاستفادة منها.
رأي العلم والمجتمع
وللتعليق على مدى إمكانية الأمر، قال أحد مديري مركز الإخصاب وأطفال الأنابيب الذي احتضن عملية طفل الأنبوب للأسير أحمد السكني، إن النطفة المنوية يمكن أن تعيش حتى 72 ساعة، يتم خلالها نقلها من سجون الاحتلال الإسرائيلي في القدس إلى قطاع غزة.
ووضح بهاء الغلاييني، مدير المركز، أن النطفة عندما تصل إلى المركز الطبي يتم تجميدها في درجة حرارة منخفضة جدًّا، وبذلك يمكن الحفاظ عليها حية لوقت طويل لتتم عملية تلقيحها في الأنبوب، مشيرا إلى أن عملية نقل النطفة تستلزم تقنيًّا وعاءً يتم شراؤه من الصيدلية ودرجة حرارة بين 35 و36 درجة.
وقبل ذلك يقع التمهيد اجتماعيًّا للخبر، فتجتمع عائلتا الزوجة والزوج الأسير وتعلمان "كبير العائلة" ثم تخبران بقية الأهل حتى يكون الأمر شرعيًّا ومقبولًا في هذا الوسط.
من جانبه، أكد الدكتور منير عجينة، الأستاذ في علم الأجنة والمسؤول عن وحدة طب الإنجاب بأحد المستشفيات بتونس، أن العملية ممكنة في ظل وجود مركز مختص في هذا النوع من العمليات، فالنطفة المنوية يمكن أن تعيش حتى 3 أيام بعد استخلاصها، ويمكن لهذا الوقت أن يكون كافيا لنقلها من السجون إلى قطاع غزة.
ووفق عجينة، فإنه يتم تنشيط هرمونات المرأة ثم يتم سحب بويضاتها لتتم عملية إلقاح مجهري أو عن طريق الأنبوب، لتعطي بعد ذلك جنينا أو أكثر وهذه الأجنة يمكن أن تجمد بدورها لوقت لاحق.
وأضاف عجينة أنه من الممكن أيضا زرع هذه النطفة مباشرة في الرحم، وهي عملية لا تتطلب تقنيات عالية إلا أن نسب نجاحها ضئيلة.
عبور الحواجز الأمنية
من جهته "نادي الأسير" الفلسطيني، أوضح، أن ناقل النطفة من السجون الإسرائيلية إلى غزة أو الضفة الغربية يمكن أن يعبر على الأقل معبرين، إضافة إلى عدة حواجز أمنية.
وقال إنه من الممكن جدًّا أن يتعرض للتفتيش ومصادرة ما يحمل، وهو ما يجعل هذه العملية شكلًا من أشكال المقاومة الفلسطينية.
وبالرغم من كل شيء، اتخذت عملية تهريب النطف بعدًا اجتماعيًّا وسياسيًّا وتأويلات نفسية تجعلها رمزًا للبطولة الفلسطينية، في ظل واقع مرير متعلق بأن أغلب الأسرى في المعتقلات الإسرائيلية هم من الضفة الغربية، ويتجاوز عددهم الآلاف، وأن عشرات العمليات الطبية الناجحة التي أجريت مؤخرًا تم أغلبها في الضفة الغربية.
وهناك من يعتبر هذه العمليات شكلًا من أشكال الاستسلام للواقع وللأسر، إذ يبحث المعتقل من خلال إنجاب أطفال بهذه الطريقة لا عن الخروج من الأسر، بل عن شكل "افتراضي" من أشكال الحياة في أسره.
بحث عن تهريب النطف
من جهتها، كتبت الباحثة الفلسطينية، عبير الخطيب، حقائق علمية عن عملية تهريب النطف، جاء تحت عنوان: “ثورة تهريب النطف من المعتقلات الإسرائيلية"، وهي دراسة شاملة شملت غزة، القدس، الضفة الغربية، الداخل المحتل حازت على أفضل بحث علمي على مستوى الوطن العربي عام ٢٠١٩.
تناول البحث كافة الجوانب لعملية تهريب النطف، الأسباب التي دفعت الأسرى؛ التخوفات، الأسس الدينية والمجتمعية؛ الواقع اللاقانوني الذي يفرضه الاحتلال على الأسرى وعلى أطفال النطف المهربة.
وأوضحت في البحث الذى أعادت سرد أهم نقاطه للرد على صناع فيلم أميرة، أن عملية تهريب النطف يقوم عليها 4 شهود للتأكد من نقلها من الأسير المعتقل، النطفة تخرج من السجن بواسطة الوسيط وتستقبل بشاهدين بالغين عاقلين من أهل الأسير وأهل زوجته، العملية يتم الاتفاق عليها قبل موعد إخراج النطفة بشهور وتخضع زوجة الأسير لتحضيرات علاجية مسبقة.
وأوضحت، هناك طرق ووسائل تتبعها العائلات للإعلان عن تهريب النطفة للمجتمع الفلسطيني بعد خروج النطفة من المعتقل، مشيرة إلى أن هناك أطفال نطف مهربة لا توجد ورقة إثبات لهم أنهم على قيد الحياة عقوبة من الاحتلال لأهاليهم.
ولفتت إلى أن إحدى العقوبات التي وقعت على أحد الأسرى، وصلت إلى إضافة عامين على حكمه بعد علم إدارة السجون بنجاحه بتهريب نطفة، كما أن هناك عائلات من غزة وقعت عليها عقوبة منع الزيارة بعد نجاح العملية وصلت للحرمان من الزيارة مدى الحياة.
وبينت الباحثة، أن هناك أطفالًا في القدس يتم معاملتهم قانونيًا على أنهم ليسو على قيد الحياة، لا يمكن لهم الدخول للمدارس أو العلاج أو إصدار شهادة الوفاة.
كاشفة أنه مع التقنيات الحديث في عالم الإخصاب، بات يتم فحص DNA لإثبات النسب ونسبة الخطأ سجلت صفرًا، وبذلك انتزع الأسير وزوجته حق الزيارة من المحكمة رغم أنف الاحتلال.
وتابعت ساخرة، فيلم أميرة من وحي خيال مخرج وكاتب سعوا للمال والشهرة، على حساب قوة الحياة التي أحبها واختارها الأسير الفلسطيني رغمًا عن أنف الاحتلال.
الباحثة الفلسطينية عبير الخطيب، أنهت حديثها بالقول، من طرح فكرة فيلم أميرة ما هو إلا مأجور ولا أجد خانة أخرى غير خانة الخيانة لأصف تلك الغمزات واللمزات التي تستهدف أبطالنا وأسرهم وأولادهم من بعدهم.
جريمة حرية التعبير
وللرد على مطالبة البعض بعرض فيلم أميرة بذريعة الحرية، قال الروائي الفلسطيني ناجي الناجي، الأصدقاء المتعجِّلون في الدفاع عن حق عرض فيلم أميرة تحت إطار "رفض المنع وحرية التعبير "، أنصح بالتالي:
إن لم تكن القصة المتداولة قد أثارت حنقكم وضيقكم بالقدر الكافي، فانتظروا حتى مشاهدته، لأن ثمة ما يوازي كارثة التشكيك في النطف، وهو أزمة الهوية التي تجتاح الفتاة بين الأب الراعي والأب البيولوجي، لعبة الترميز في قضايا بهكذا قدسية تُعدُ سيرًا على خيط رفيع يفصل بين الخطأ والخطيئة.
وتابع، مرور مثل هذا العمل سيؤسس لسينما جديدة لا ترى خطوطًا حمراء أو ثوابت وطنية، وتنتهك ما نراه غير قابل للعبث، ورأينا إرهاصاته في الدراما والسينما خلال الأعوام الخمسة الماضية، فإن كان الأمر متعمّدًا لتذويب القضية الأم -القضية الفلسطينية- وجعلها في إطار "العادي" وموازاتها بإشكالات كالبطالة مثلًا، فذلك يتطلب مقاومة هوياتية وثقافية من كل حرٍّ ومبدع وفاعل ثقافي، لأن الآخر يمتلك سلطة رأس المال والمنبر، أما إن كانت نوايا حسنة اعتقدت أن "الصدمة" أسلوب تذكير كما ساق البعض.
وشدد على أن الفيلم سيكون نموذجًا يدرَّس في محدودية الأفق، والانفصال عن المجتمع والتعالي على مفاهيمه، وسوء قراءة لقدسية التضحيات في حياة الأحرار، والاعتقاد بأن القائمين على صناعته أكثر عمقًا في الإطلال على المشهد وسبل استعراضه.
يشار إلى فيلم أميرة، صدر سنة 2021، للمخرج المصري محمد دياب، أنتج الفيلم طاقم إنتاج مشترك مكون من محمد حفظي ومنى عبد الوهاب ومعز مسعود ويوسف الطاهر ورولا ناصر. الفيلم من بطولة تارا عبود في دور أميرة، إلى جانب كل من صبا مبارك وعلي سليمان.
ويدور الفيلم حول أميرة، فلسطينية تبلغ من العمر 17 عامًا، ولدت بالحيوانات المنوية المهربة لوالدها المسجون نوار ليظهر لاحقًا حسب خيال مؤلفه أن النطفة كانت لجندي إسرائيلي وهو ما أثار موجة غضب في المنطقة العربية، ولاحقت الفيلم اتهامات بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي وتعمد تشويه المقاومة الفلسطينية.