أبغض الحلال.. الأزهر على خط الأزمة.. وعضو هيئة كبار العلماء: قدمنا مشروعا متكاملا أشاد به الرئيس
حالة من الجدل شهدها الشارع المصرى مؤخرًا، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة، أو المهتمين بقوانين الأحوال الشخصية، وأحكام الأسرة المصرية، وذلك بعد الحوار المجتمعى الذى فتحه مجلس النواب على مشروع قانون الأحوال الشخصية مؤخرًا، لأخذ رأي جميع الجهات التى لها علاقة بالموضوع من أجل الخروج بقانون يؤسس لأحكام الأسرة المصرية خلال الفترة المقبلة، وذلك بعد العوار والانتقادات التى توجه دائما للقانون المعمول به فى الوقت الحالى.
ومع نهاية عام فى 2018 قدَّم الأزهر الشريف مشروع قانون للأحوال الشخصية عملت على إعداده هيئة كبار العلماء فى الأزهر الشريف، ومثَّل القانون حالة من الجدل الكبير فى وقتها سواء داخل أروقة البرلمان أو الشارع المصرى المهتم بأحوال قوانين الأسرة؛ حيث عبَّر عدد من الجهات المختصة بشئون وقضايا المرأة وقتها رفضها لمشروع قانون الأزهر، على اعتبار أنه لم يقدم الجديد أو المأمول منه فى مجال الأحوال الشخصية.
الأزهر والطلاق
وأوضح الأزهر الشريف فى تلك الفترة أنه استقبل مجموعة من مشروعات قوانين للأحوال الشخصية من بعض أعضاء مجلس النواب والمجلس القومى للمرأة وجهات أخرى، وراجعها جميعها ونظر إليها بعين الاعتبار والتقدير، وأشار الأزهر إلى أنه عمل على صياغة مشروع متكامل لقانون الأحوال الشخصية، حيث عكفت هيئة كبار العلماء على إعداده ومراجعته مراجعة دقيقة لأكثر من عام، واستعانت فيه بذوى الاختصاص والمهتمين بقضايا المرأة والطفل والأسرة، كما استفادت من مشروعات القوانين والمقترحات المرسلة إلى الأزهر.
ودفعت الانتقادات التى وجهت لمشروع قانون الأزهر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف للدفاع عن حق المشيخة فى تقديم مشروع القانون، حيث أكد حينها أن الأزهر ليس جهة تشريع ولا إقرار قوانين، ولا دخل له بالأمور السياسية أو البرلمانية، قائلا: "لكن حين يكون الأمر متعلقًا بقوانين مصدرها الشريعة الإسلامية فهذا عملنا وواجبنا بحكم الدستور والقانون، وحين طلبت الجهات المعنية الرأى، قدمنا مشروع قانون الأحوال الشخصية، مقترحنا الذى نقدمه للنقاش فى البرلمان والمجتمع، والمشروع حاول تحقيق التوازن لمصلحة الأسرة والطفل".
إشادة رئاسية
وعزز موقف الأزهر الشريف فى هذا الملف إشادة الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية بمشروع القانون الذى تقدم به الأزهر، وذلك خلال احتفالية تكريم الأمهات المثاليات فى شهر مارس الماضى، مما عزز موقف الأزهر الشريف، وفتح المجال للحديث عن إمكانية إعادة القوانين مرة أخرى إلى الواجهة وإمكانية الاستعانة به فى بعض المواد فى مشروع قانون الأحوال الشخصية الذى يناقشه البرلمان فى الوقت الحاضر.
وبحسب مراقبين، فإن من أبرز الاختلافات التى شهدها مشروع قانون الأزهر الشريف عن القانون الحالى المعمول به حاليا هو أنه جاء مراعيا إلى حد كبير مصلحة الأطفال وتجنبهم قدر الإمكان الدخول فى مشكلات آبائهم أو استخدامهم كأداة ضغط لتحقيق مصالح شخصية على حسابهم، كما أفرد مواد جديدة لم تكن موجودة من قبل فى أي قانون قائم، وهى المواد الخاصة بـ"تنظيم الخطبة" وأحكامها وشروطها وآثارها والتعويض عن العدول عنها، وهذا كله لم يكن موجودا من قبل، كما جاء القانون مفصلا أكثر فى المواد المتعلقة بالنفقة، كما أنه أفرد مواد أكثر تفصيلا بشأن التفريق وأطلق عليها المشروع "أحكام الفسخ"، حيث راعى مشروع القانون المقدم من الأزهر المشكلات العملية التى نتجت عن تطبيق قانون الأحوال الشخصية الحالى وحاول قدر المستطاع تلافيها.
الموقف الحالى
وطبقًا للوائح الخاصة بمجلس النواب فإن مشروع القانون الذى يتم تقديمه فى فصل تشريعى دون أن يتم إقراره، فعند بداية الفصل التشريعى الجديد يطلب ذلك إعادة تقديم المشروع مرة أخرى من الجهة المقدمة له، وهى نفس الحالة التى تنطبق على مشروع قانون الأزهر الشريف، والذى تم تقديمه فى الفصل التشريعى الماضى وبالتحديد مجلس النواب السابق برئاسة الدكتور على عبد العال، وبحسب مصادر داخل البرلمان فإن مشروع القانون الوحيد الذى تم تقديمه فى مجال الأحوال الشخصية مؤخرًا هو الذى قدمته الحكومة فى نهاية دور الانعقاد الماضى، فيما لم يتقدم أي عضو بإعادة تقديم مشروع الأزهر مرة أخرى.
ومن جانبه، أوضح النائب على بدر أمين سر اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب، لـ"فيتو" أن اللجنة ستستمع إلى جميع الآراء، وأنه بمجرد عرض الأمر للنقاش، سيتم عمل حوار مجتمعى يضم جميع التيارات بما فيها الأزهر الشريف ومؤسسات المجتمع المدنى، والمجلس القومى للمرأة، بحيث يتم تمثيل جميع الجهات المتعلقة بمشروع القانون، حتى الخروج بقانون متوافق ويلبى جميع الطلبات ويضع فى المقام الأول مصلحة الزوج والزوجة والابن وجميع عناصر الأسرة المصرية، وبما يتناسب مع الشريعة الإسلامية ومتطلبات الأسرة المصرية.
من جانبها، أوضحت النائبة أمل سلامة عضو مجلس النواب، أن قانون الأحوال الشخصية لم يدرج حتى الآن على قائمة القوانين المقرر الانتهاء منها، وأن تجرى حاليا عملية حوار بين لجان المجلس المختلفة حتى يتم الخروج بقانون أحوال شخصية يفيد جميع عناصر الأسرة المصرية، مشيرًة إلى أنها تقدمت بتعديل يخص بند "الاستضافة" فى مشروع القانون الجديد، بحيث يتم إلغاؤها أو تكون مرهونة بموافقة الأم أو تكون العلاقة جيدة بين الأب والأم.
وأضافت "سلامة" لـ"فيتو" أنها تقدمت أيضا بمشروع قانون ينص على تغليظ العقوبة على الزوج الذى يضرب زوجته أمام الأبناء، وكذلك الحال بالنسبة للزوجة التى تعتدى على زوجها، حيث من المقرر إدراجه قريبا على قائمة مشروعات القوانين التى يحسمها البرلمان، حيث كان ينص القانون على أنه فى حال التعدى يتم حبس الزوج لمدة لا تزيد على سنة مع دفع غرامة مالية قدرها 200 جنيه.
فيما ينص التعديل الجديد على أنه فى حال تعدى أحد الزوجين على الآخر أو إحداث عاهة مستديمة يتم الحبس بمدة لا تقل عن 3 سنوات، ولا تزيد على خمس سنوات مع دفع غرامة مالية، فى حال إذا كان الأمر فيه تربص أو استخدام آلة حادة أو الاستعانة بأشخاص آخرين، وهذا الأمر يتم تطبيقه على الزوج أو الزوجة.
لافتا إلى أنه فى مجال الأحوال الشخصية أيضا فيتم العمل داخل البرلمان حاليا على إعداد مشروع قانون يمنع الزوج من أن يتزوج للمرة الثانية أو الثالثة دون علم زوجته الأولى، بجانب قانون آخر يجرم حرمان المرأة من الميراث، مؤكدة أنه فى حال تقديم الأزهر الشريف بمشروع قانون للأحوال الشخصية يراعى حقوق المرأة ولا يتعدى عليها فإنه سيكون مرحبا به داخل قبة البرلمان بالتأكيد.
رد «كبار العلماء»
من جانبه أكد الدكتور محمود مهنا، عضو هيئة كبار العلماء، أنه طالما أن الأزهر وهو المرجعية الأولى فى العالم الإسلامى، أخرج مشروع قانون مأخوذ من القرآن والسنة وإجماع الأمة، وأثنى على ذلك الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية، فلا مجال هنا لمن أراد الفتيا، لأنه سيكون من غير جدوى أو إفادة، مشيرًا إلى أن الإسلام هو الدين المستهدف من كل الفئات والجماعات، بحيث كل جماعة تريد إسلاما لها وحدها فيما يبقى الأزهر باعتباره المرجعية الأولى فى العالم الإسلامى والدليل على ذلك هو أن جميع الدول بما فيها السعودية منشأ الرسالة المحمدية تأخذ أفكارها من الأزهر.
ورد "مهنا" فى تصريحات خاصة لـ "فيتو" على الأصوات التى اتهمت المشروع بعدم تقديمه أي جديد فى مجال الأحوال الشخصية، بأن يقدموا ما يؤيد كلامهم هذا، قائلا: "نقول لهم أين أدلتكم على ذلك، وكما قال المولى -عز وجل- فى كتابه: {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}، فعليهم أن يقدموا ما يفيد أن نصوص مشروع القانون لا تتفق مع المنهج الإسلامى، أو أنها لم تقدم جديدا فى هذا الشأن.
وشدد "مهنا" على أن أعضاء الهيئة بذلوا مجهودًا كبيرًا فى إعداد مواد مشروع القانون واستخلاصها من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وإجماع الأمة وكتب التراث، بحيث تم استخراج ما يتفق مع حال الأسرة المسلمة من تلك المصادر، موضحا أن الفريق الأساسى الذى عمل على صياغة مشروع القانون من داخل الهيئة هم رجال الفقه وأصول الفقه واللغة، وتم عرضه بعد ذلك على جميع أعضاء الهيئة من أجل مناقشته ولاقى إجماعا وتوافقا من جميع أعضاء الهيئة، لافتا إلى أن هناك بعض العناصر داخل المجتمع المصرى ترفض وتحارب كل ما هو إسلامى، بحيث ترفض ما جاء فى القرآن أو السنة النبوية أو له علاقة بالأزهر.
ارتفاع معدل الطلاق
وأرجع "مهنا" أسباب ارتفاع معدل الطلاق فى مصر مؤخرًا إلى البعد عن منهج القرآن والسنة النبوية المشرفة، حيث قال المولى عزَّ وجلَّ: {وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ}، وهى إحدى الآيات التى تؤسس للعلاقة بين الزوج وزوجته، حيث دلت على ضرورة مشاركة الزوج لزوجته فى جميع مناحى العيش المشترك بينهم، بحيث لا يترك الزوج زوجته تقوم بمشاغل البيت وحدها ولا يكلفها ما لا تطيق، بل يجب عليه أن يكون معها ويتشارك معها جميع الأمور التى تحتاج إلى إعانة، وأن يتعامل معها كما يتعامل مع والديه.
ويرى عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن الشباب فى وقت الحالى أصبح يتعامل مع الزواج على أنه شهوة وقتية، ولا ينظرون إلى قرآن أو سنة وكيف أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قدم النموذج المثالى للزوج الذى يتشارك مع زوجاته جميع مناحى الحياة، مشددًا أنه لا بد من تأهيل الشباب، مشددًا على ضرورة تأهيل الشباب المقبلين على الزواج قبل إتمام إجراءات الزواج بشكل رسمى، بحيث تم تعليمهم كيف أسس القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة لطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة.
ومن جانبها أوضحت الدكتورة فتحية الحنفى، أستاذ الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية فى جامعة الأزهر، أن الزوج سنة بينها لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن عقد الزواج يقوم على ثلاثية السكن والمودة والرحمة، عملًا بقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}، وأن تلك المودة والرحمة تتحقق باختيار الرجل الصالح والزوجة الصالحة؛ لأنهم الخلية الأولى لبناء المجتمع، مؤكدا أنه يجب علينا عند حدوث خلاف بين الزوجين فيجب علينا أن نرجع لقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}، لكن فى الوضع الحالى، افتقدنا وجود الطرف المصلح بين الزوجين، وأصبح اللجوء إلى الطلاق أسهل حل أمام الأطراف من إنهاء علاقة الزوجية بينهما، كما أن الجيل الحالى من الشباب يتناسى بشكل كبير الآداب المهجورة فيما بعد الطلاق، وتناسوا قول الله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ}.
ورأت "الحفني" فى تصريحاتها لـ"فيتو" أسباب ارتفاع معدل الطلاب إلى ثلاثة أسباب، أولها تتعلق بالزوجين، حيث تلاحظ كثرة ارتفاع معدلات الطلاق فى سنوات الزواج الأولى، وذلك بسبب اصطدام الزوجين بسلوك الآخر عن الحال الذى كان عليه فى فترة الخطوبة، والتى يعمل كل طرف فيها على إخراج أفضل صورة لديه، ثم يتبدل الأمر بعد ذلك، وثانى هذه الأسباب هو أهل الزوجين وتدخلهم فى شئون الزوجين، بالإضافة إلى البيئة المحيطة بهم والظروف الاقتصادية العامة.
وطالبت أستاذ الفقه المقارن بضرورة عمل تأهيل للشباب المقبلين على الزواج لمدة ستة أشهر قبل عقد الزواج، بحيث يتم تدريبهم على كيفية تعاليم الشرع الحنيف خلال فترة الزواج، وأن يدركوا مدى أهمية المسئولية عن وجود نشء كبير، وذلك بعد ارتفاع معدلات الأطفال المتضررين من انفصال الأزواج إلى أكثر من 16 مليون طفل.
نقلًا عن العدد الورقي…