الإعاقة ليست عائقا.. قصة رجل حكم أكبر دولة بالعالم من فوق كرسي متحرك
يحتفل العالم يوم 3 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، وذوي الهمم لهم بصمات في جميع المجالات السياسية والرياضية والاقتصادية، فلم تقف الإعاقة في طريقهم بل تمثل في كثير من الأحيان دافعًا أكبر للنجاح.
وبالرغم من وجود نماذج مشرفة لذوي الهمم، يعد الرئيس الأمريكي الأسبق، فرانكلين ديلانو روزفلت، الرئيس الثاني والثلاثين للولايات المتحدة والذي حكم بين عامي 1933 و1945، أبرز نموذج على تحدي الإعاقة بعدما تمكن من حكم أكبر دولة فى العالم تكتب سيناريوهات الدول الأخرى من فوق كرسي متحرك.
فرانكلين روزفلت
ولد فرانكلين روزفلت، في 30 يناير عام 1882 في هايد بارك بمدينة نيويورك الأمريكية، وتوفي في 12 أبريل من عام 1945 في وورم سبرينجز بجورجيا، هو الرئيس الثاني والثلاثون للولايات المتحدة والذي حكم بين عامي 1933 و1945 في فترة توصف بأنها من أصعب الفترات في تاريخ أمريكا.
وروزفلت هو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي انتخب للمنصب 4 مرات، وقد قاد الولايات المتحدة خلال أزمتين من أكبر أزمات القرن العشرين وهما الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية.
وقد وسع صلاحيات الحكومة الفيدرالية بشكل كبير من خلال سلسلة من البرامج والإصلاحات المعروفة باسم الاتفاق الجديد، وعمل كمهندس رئيسي للجهود الناجحة لتخليص العالم من النازية والنزعة العسكرية اليابانية.
طفولة مرفهة
كان روزفلت الابن الوحيد لجيمس وسارة ديلانو روزفلت. وقد عاشت العائلة في رفاهية حيث قسمت وقتها بين ممتلكات العائلة في وادي نهر هدسون في ولاية نيويورك والمنتجعات الأوروبية.
وتلقى تعليمه بشكل خاص في المنزل حتى سن الـ 14 عامًا عندما التحق بمدرسة جروتون الإعدادية في جروتون بولاية ماساتشوستس، وهناك كما كان الحال في المنزل، ترعرع ليكون رجلًا نبيلًا يتولى مسؤولية أولئك الأقل حظًّا ويمارس الخدمة العامة.
في عام 1900 التحق روزفلت بجامعة هارفارد حيث كان سجله الأكاديمي غير مميز، وخلال سنواته في جامعة هارفارد تأثر كثيرًا بأحد أبناء عمومته وهو الرئيس تيودور روزفلت، البطل التقدمي الذي دعا إلى زيادة دور الحكومة بشكل كبير في اقتصاد الأمة.
وخلال السنوات التي قضاها في هارفارد، وقع في حب ابنة أخت تيودور روزفلت، إليانور روزفلت، التي كانت آنذاك ناشطة في العمل الخيري للفقراء في مدينة نيويورك وتزوجا في 17 مارس من عام 1905.
وفي وقت لاحق، فتحت إليانور أعين زوجها على الحالة المزرية للفقراء في الأحياء الفقيرة في نيويورك.
وقد التحق روزفلت بكلية الحقوق بجامعة كولومبيا لكنه لم يكن مهتمًّا كثيرًا بدراساته. وبعد اجتياز امتحان نقابة المحامين في نيويورك التحق بشركة كارتر وليديارد وميلبورن المتميزة في وول ستريت، لكنه أظهر نفس موقف اللامبالاة تجاه مهنة المحاماة كما كان الحال تجاه تعليمه.
التأثير السياسي
ومتأثرا بأن عمه الرئيس تيودور روزفلت الذي كان يحث الشباب من الخلفيات المتميزة على الالتحاق بالخدمة العامة، بحث روزفلت عن فرصة للانخراط في العمل السياسي، وقد جاءت تلك الفرصة في عام 1910 عندما أقنعه قادة الحزب الديمقراطي في مقاطعة دوتشيس في نيويورك بالقيام بمحاولة للفوز بمقعد في مجلس شيوخ الولاية.
وفي مجلس الشيوخ بمدينة نيويورك، تعلم روزفلت الكثير من سياسة الأخذ والعطاء، وتخلى تدريجيًّا عن أجوائه الأرستقراطية. وبحلول عام 1911، كان روزفلت يدعم حاكم ولاية نيو جيرسي التقدمي وودرو ويلسون للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة عام 1912.
وفي ذلك العام، أُعيد انتخاب روزفلت في مجلس الشيوخ على الرغم من تعرضه لحمى التيفود التي منعته من الظهور العام خلال الحملة.
ويعزى نجاحه جزئيًّا إلى الدعاية التي قادها الصحفي لويس ماكهنري هاو الذي رأى في الشاب روزفلت الطويل الوسيم سياسيًّا واعدًا، وبقي مخلصًا له لبقية حياته، ونظرًا لدعمه ويلسون، تم تعيين روزفلت مساعدا لوزير البحرية في مارس من عام 1913.
وبعد اندلاع الحرب في أوروبا عام 1914، بات روزفلت من أشد المدافعين عن التأهب العسكري، وبدخول الولايات المتحدة الحرب في عام 1917، قام بجولة موسعة في القواعد البحرية وساحات القتال في الخارج.
شلل الأطفال
في مؤتمر الحزب الديمقراطي عام 1920، فاز روزفلت بالترشيح لمنصب نائب الرئيس على تذكرة المرشح الرئاسي جيمس كوكس.
وقد قاد روزفلت حملة قوية نيابة عن دخول الأميركيين إلى عصبة الأمم المتحدة، لكن الديموقراطيين خسروا بأغلبية ساحقة أمام الجمهوريين.
وبعد ذلك بات روزفلت نائبًا لرئيس شركة فيدلتي آند ديبوزيت في ماريلاند، ودخل في العديد من المشاريع التجارية الأخرى.
وفي أغسطس من عام 1921، بينما كان روزفلت في إجازة في جزيرة كامبوبيلو في نيو برونزويك بكندا تغيرت حياته عندما أصيب بشلل الأطفال.
لقد عانى بشدة وظل مشلولًا تمامًا لبعض الوقت وقد حثته والدته على التقاعد في ملكية العائلة في هايد بارك، لكن زوجته وهاو اعتقدا أنه من الضروري أن يظل نشطًا في السياسة. ومن جانبه، لم يتخل روزفلت أبدًا عن الأمل في استعادة ساقيه.
وخلال فترة التعافي لم يكن روزفلت قادرًا على ممارسة السياسة بنشاط، فاعتمد على زوجته للحفاظ على اسمه حيًّا في الدوائر الديمقراطية.
وعلى الرغم من أنها كانت خجولة للغاية في البداية، إلا أن إليانور روزفلت أصبحت متحدثة عامة مؤثرة ومحللة سياسية بارعة تحت وصاية هاو.
ونتيجة لخطاباتها في جميع أنحاء ولاية نيويورك، لم يغب روزفلت تمامًا من المشهد السياسي على الرغم مما بدا أنه محنة نهاية حياته المهنية.
الفوز بالرئاسة
وفي عام 1924 ظهر بشكل مثير في المؤتمر الديمقراطي لترشيح ألفريد سميث، حاكم نيويورك، لمنصب الرئيس، وجدد ترشيحه لسميث في مؤتمر عام 1928.
ومن جانبه، حث سميث روزفلت على الترشح لمنصب حاكم نيويورك عام 1928 وقد كان مترددًا في البداية لكنه وافق في نهاية المطاف.
وأثناء سفره بالسيارة في جميع أنحاء الولاية، أظهر روزفلت أن مرضه لم يدمر شبابه وحيويته، وهو الأمر الذي دفع أشخاصا مثل هاو إلى توقع نجاح سياسي كبير له.
كما أظهر أنه قد نضج ليصبح شخصًا أكثر جدية.. شخص خاض مصاعب الحياة. وفاز روزفلت في تلك الانتخابات.
وأدى نجاح روزفلت في نيويورك إلى تقدمه صفوف مرشحي الحزب الديمقراطي في انتخابات عام 1932.
وفي خطاب قبول ترشيح الحزب الديمقراطي، قال روزفلت أمام المندوبين: "أتعهد لكم، ولنفسي باتفاق جديد للشعب الأمريكي".
ونظرا لأن الكساد كان القضية الوحيدة ذات الأهمية في الحملة الرئاسية لعام 1932، فقد كان أمام الشعب الأمريكي الاختيار بين السياسات غير الناجحة للرئيس الجمهوري هوفر وبرنامج الاتفاق الجديد الذي قدمه روزفلت.
وبينما تجنب روزفلت التفاصيل، أوضح أن برنامجه للانتعاش الاقتصادي سوف يستخدم على نطاق واسع سلطة الحكومة الفيدرالية.
وفي سلسلة من الخطابات التي أعدها بعناية فريق من المستشارين، وعد بتقديم المساعدة للمزارعين، والتنمية العامة للطاقة الكهربائية، وميزانية متوازنة، وفرض الرقابة الحكومية على القوة الاقتصادية الخاصة غير المسؤولة.
وإلى جانب وجود اختلافات سياسية، أظهر المرشحان تباينا صارخًا في السلوك الشخصي أيضًا، فبينما كان روزفلت لطيفًا ومتسمًا بالثقة كان هوفر مكفهرًا وصارمًا.
وفي يوم الانتخابات، حصل روزفلت على ما يقرب من 23 مليون صوت شعبي مقابل ما يقرب من 16 مليونا لهوفر. كما انتخب الأمريكيون أغلبية ديمقراطية كبيرة في مجلسي النواب والشيوخ.
دخول البيت الأبيض
وبعد دخول البيت الأبيض في عام 1933 عمد إلى اتخاذ تدابير عاجلة لمواجهة الكساد الكبير، وتنفيذ تعهده المتعلق بـ "الاتفاق الجديد".
كما قام بتوفير برامج للإغاثة والإصلاح ووفر إعانات مالية للتخفيف من حدة الأزمة، وكذلك وفر أموالًا لملايين العاطلين عن العمل والذين كانوا مهددين بفقدان بيوتهم.. وتوالت إنجازات الرجل من فوق الكرسي المتحرك داخليًّا وخارجيًّا ويعد من أهم الرؤساء فى تاريخ الولايات المتحدة.
وعند وفاته، بات معظم الأمريكيين في حزن عميق، وهي شهادة على الارتباط العاطفي القوي الذي شعروا به تجاه الرجل الذي قادهم خلال فترتين من أحلك الفترات في تاريخ الأمة.
وعلى الرغم من أن الكثير من ذلك الشعور قد تبدد على مر السنين، فإن مكانة روزفلت كواحد من عدد قليل من الرؤساء الأمريكيين العظماء تبدو آمنة، محافظًا على مكانته.