علي جمعة: الكون يحب الطائعين ويبكي لرحيلهم ولا يبالي بهلاك الكافرين
قال الدكتور علي جمعة إن الشرع لم يفرض على الإنسان أسلوبًا أو كيفية محددة يتبعها في عملية التنمية والإعمار، لكنه طلب منه الاجتهاد في تحصيل كل طريق يحقق له المصلحة والسعادة في حياته.
وأضاف جمعة أن إهمال البناء والتنمية يعد خللًا في القيام بوظيفة الخلافة، والإسلام تعامل مع الطبيعة والكون من منطلق الحب والاحترام، فالإسلام وَجَّهَ الإنسان إلى إنشاء علاقة بينه وبين الجماد فيها مشاركة وحنين وشوق، فالكون في المنظور الإسلامي طائع لله يسبح ويسجد، يحب المطيعين ويبكي رحيلهم عن الدنيا ويبغض العاصين الكافرين ولا يبالي بزوالهم وهلاكهم، مضيفًا أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أحب الأرض «الجماد» لفضلها وكرامتها عند الله وعنده، لكن الرسول في ذات الحين أبغض الإنسان لفعله الجحود والكفر والجهل والفساد والإعراض.
وكتب الدكتور علي جمعة تدوينة على الفيس بوك "ثالثا: المنهج والبناء.. إن الشرع الإسلامي جعل إعمار الكون أمرًا واجبًا وضروريًا على الإنسان دينًا ودنيا، وهذا الإعمار عام يشمل كل الوجود والمخلوقات، ولم يفرض الشرع على الإنسان أسلوبًا أو كيفية محددة يتبعها في عملية التنمية والإعمار، بل وسع عليه في ذلك، وطلب منه الاجتهاد في تحصيل كل طريق يحقق له المصلحة والسعادة في حياته، ورسم له منهاجًا عامًا وضع فيه منارات تهديه وترشده إلى المصالح الحقيقية التي تصل به إلى السعادة، وذلك ببيانه المقاصد والأهداف من وراء إعمار البيئة من حولنا، مما جعل خطوات الإنسان في بنائه إيجابية في جوهرها لا هدَّامة أو مُطَفِّفَةً، وجعلها لا تُخِلُّ بالعلاقات المُقَدَّرَةِ المحكمةِ بين عناصر الوجود".
وقال: "وإعمار الأرض الذي كُلِّفَ الإنسانُ به يقوم على شقين: المنهج، والبناء. والإهمال لأي من الشقين يعتبر إفسادا، فإهمال البناء والتنمية يعد خللًا في القيام بوظيفة الخلافة، وكذلك إهمال تحصيل المنهج السوي القائم على الالتزام الخلقي والفضيلة يُفَوِّتُ الفرصةَ في جَعْلِ البناءَ حضاريًا يُحَقِّقُ للإنسان السعادة".
المحافظة والمحبة في الإسلام
وأضاف جمعة "رابعا: المحافظة والمحبة.. إن الإسلام تعامل مع الطبيعة والكون من منطلق الحب والاحترام، وهو مستوى رفيع يزيد على مستوى المحافظة والتنمية، فالإسلام وَجَّهَ الإنسان إلى إنشاء علاقة بينه وبين الجماد فيها مشاركة وحنين وشوق، فالكون في المنظور الإسلامي طائع لله يسبح ويسجد، يحب المطيعين ويبكي رحيلهم عن الدنيا ويبغض العاصين الكافرين ولا يبالي بزوالهم وهلاكهم، وذلك لأن المطيعين متناغمون متشاركون معه في أداء السجود والتسبيح، أما الآخرون فهم معاندون متنافرون مع كل ما يحيط بهم".
الرسول أحب الأرض
وتابع "نحن نرى الرسول، صلى الله عليه وسلم، حينما خرج من مكة للهجرة عَبَّرَ عن حبه وتعلقه بالأرض التي نشأ فيها وتربى، حيث وقف عَلَى الْحَزْوَرَةِ- موضع بمكة- وقال: «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ وَلَوْلاَ أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ». (أخرجه الترمذي)
واختتم قائلًا: "فالنبي، صلى الله عليه وسلم، أحب الأرض «الجماد» لفضلها وكرامتها عند الله وعنده، حيث شَرُفَتْ بأن كان فيها أول بيت وضع للناس، ولكن الرسول في ذات الحين أبغض الإنسان لفعله الجحود والكفر والجهل والفساد والإعراض. وتلك المحاور الأربعة تكوِّن رؤية حضارية شاملة تميز بها الإسلام في بيانه لمفهوم البيئة، فقدم رؤية متكاملة للكون تدعو الإنسان إلى المحافظة عليه وحسن الانتفاع بما فيه من موارد".