رئيس التحرير
عصام كامل

ميادين القُبح.. المحليات في قفص الاتهام.. وغياب "التنسيق الحضاري" وراء إفساد خطط التطوير والتجديد

وزير التنمية المحلية
وزير التنمية المحلية

الميادين الكبرى هي عناوين العواصم والمحافظات. تكاد المحافظات تُعرف بميادينها. فإذا كان ميدان المحافظة مميزًا يسرَّ المارة والناظرين فإن أوضاع هذه المحافظات تكون على ما يُرام غالبًا. 

الدولة المصرية ترصد الأموال الكثيرة لإحداث حالة شاملة من التطوير، والميادين العامة جزء من تلك العملية الإنشائية الواسعة، وجرى العُرف واتفق العلم على أن تطوير الميادين لا يكون خبط عشواء، ولا "على المزاج"، ولكن وفق أساليب علمية وحضارية راسخة. 

ورغم الجهود المبذولة من الحكومة في هذا الصدد، ورغم الأموال المرصودة لهذا الغرض، إلا إن هناك علامات استفهام كثيرة تحيط بكثير من تلك الميادين التي تحول بعضها إلى عنوان للقبح بدلًا من أن تكون رمزًا للجمال يواكب الجمهورية الجديدة. الجمال المنشود لن يتحقق دون تحسين الصورة البصرية للميادين وحل مشكلاتها المرورية وإنشاء مسارات للمشاة وأماكن للجلوس وغيرها. 

التنسيق الحضاري

غياب التنسيق الحضاري يكاد يكون قاسمًا مشتركًا في كثير من تلك الميادين التي شهدت عمليات تطوير كما حدث في عدد من الميادين ببعض المحافظات مثل: الجيزة والمنيا والأقصر والإسماعيلية والإسكندرية والشرقية وغيرها، ما دفع الأجهزة التنفيذية إلى التدخل وإعادة عملية التطوير، ما يتسبب في إهدار ملايين الجنيهات في الهواء الطلق.

 ومن ثمًّ..فإن عملية تطوير الميادين لا يجب أن تتم في غياب التنسيق الحقيقى بين الجهات المختلفة وذات الصلة، ودون الاستعانة بالخبراء المتخصصين في هذا المجال. الأمر لا يتعلق فقط بالعنصر الجمالي، حتى يتم الاستعانة بفنانى الفنون الجميلة أو الفنون التشكيلية، بل لابد من توافر 4 تخصصات مختلفة؛ حتى تكون عملية تطوير الميدان عملية سليمة منضبطة متكاملة، فلابد لاى لجنة تقوم بتطوير الميادين أن يضم تشكيلها 4 تخصصات هي: العمارة، التخطيط العمراني، الفنون الجميلة أو التشكيلية، مسئولو المرور، وفى حال ما إذا كانت المدينة أثرية مثل: الأقصر، لابد أن يكون هناك عضو من وزارة الآثار، ولكل منهم دوره المهم الذي يتكامل مع بقية التخصصات.

"فيتو"..ترصد في هذا الملف جانبًا من القصور الذي شاب عددًا من ميادين المحافظات؛ أملًا في أن يتم تدارك هذه الخطايا في قادم المواعيد؛ حتى تصبح ميادين المحافظات عناوين للجمال والانضباط والرقي وليس انعكاسًا للعشوائية والفوضى.. والقبح.

ميادين مصر 

(ترميم تماثيل مسجلة طرازا معماريا بشكل مشوه عن طريق دهانها بألوان غريب، وضع تماثيل جديدة غير متسقة عمرانيا مع الميدان، ارتفاع لبلدورة الرصيف بمنسوب غير مطابق للمواصفات، تسوير الميادين بسور حديدى).. هذا ما تشهده الميادين بشتى محافظات مصر، ليس هذا فقط بل أصبحت مكانا للدعاية عن الشركات العقارية ومراكز الأشعة ومحال الموبيليا، حيث يتم تطوير الميدان على حساب الشركة، مقابل أن تفرض رؤيتها فى التطوير، والتى تتمثل فى إعلان لها عبر لافتة تشغل مساحة كبيرة من الميدان.

تشويه الميادين وفقدان العمران للجمال أمر غير مقصود تقع فيه المحليات، فهى تهدف للتطوير، ولكن دون النظر للبعد الجمالى، ولعل عدم الرجوع لأهل العلم والتخصص هو السبب الرئيسى فى تشويه المحليات للدواوين، فضلا عن جهلهم بالقوانين التى تلزمهم بالرجوع إلى الجهاز القومى للتنسيق الحضارى.

سياسات التشويه

الدكتورة سهير حواس، أستاذ العمارة والتصميم العمرانى بقسم الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، أكدت لـ«فيتو» أن هناك اتجاها لتشويه كل ما هو جميل مستنكرة تطوير بعض ميادين المعادى، والتى تم وضع لافتة إعلانية فيها لمحل موبيليا قام بتحمل تكلفة التطوير واصفة الواقعة بالمهزلة الكارثية، وذلك لأن المعادى مسجلة طرازا متميزا، متسائلة: من الذى سمح ووافق على حدوث ذلك؟!

وقالت سهير حواس إن التصميم العمرانى هو علم وليس فنا، فهو يرتكز على عدة أسس يتم مراعاتها عند التطوير على سبيل المثال حجم التمثال المتواجد فى الميدان ومكان زاويته والخامة المصنوع منها والبانوراما التكميلية للميدان وارتفاع منسوب بلدورة الرصيف وحركة المشاة بطيئة أم سريعة، فهو عبارة عن عدة معايير يتم مراعاتها لضمان الحفاظ على المظهر الجمالى للميادين والشوارع، ولكن هناك تعمد لتجاهل هذا العلم من قبل المسئولين التنفيذيين.

وتساءلت حواس عن المعايير التى تلجأ إليها المحليات فى تطوير الميادين، مؤكدة أن القانون يلزمهم بالرجوع إلى الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، ولكن المحليات تعمل فى جزيرة منعزلة، لافتة إلى أن التطوير يتم الآن بشكل سطحى، وبمنظور استثمارى على حساب الجمال والتاريخ، على سبيل المثال ميدان عابدين بمنطقة وسط البلد الذى تحول لأكشاك طغت على بانوراما القصر، وذلك بعد أن كان شهد تطويرا منذ خمس أعوام ضمن مشروع تطوير القاهرة الخديوية.

ولفتت حواس إلى أن الميادين المسجلة طرازا متميزا وتحوى مبانى مسجلة لا بد أن يكون التطوير وفقا للشكل الأصلى لها عندما أنشئت، وهو ما تم تجاهله فى تطوير مبنى مجمع التحرير، حيث تم دهانه بالأكريليك بدلا من إعادته إلى أصله بتنفيض الحجر بالرمالة وعودة البياض الصناعى للحجر، موضحة أن هناك حالة من الارتجال تنتهجها المحليات فى تطوير الميادين تكون نتيجتها الحتمية التشويه.

وأشارت «حواس» إلى ظاهرة اختراق ميادين القاهرة مروريا، وهى تحويل الميادين ذات الطابع السكنى إلى محاور مرورية سريعة تفسد على السكان حياتهم وتعرضها للخطر، موضحة أن هذا بالإضافة إلى تقليل المساحات الخضراء بالميادين لاختراقها مروريا.

وقالت حواس إنه لا بد من تفعيل القوانين، والتى تلزم المحليات بالرجوع إلى أهل التخصص وعدم تجاهل علم التصميم العمرانى، مع الارتقاء بالذوق العام للمجتمع المدنى حتى يبصر الجمال مرة أخرى، قائلة: «لا بد أن يكون التطوير بموافقة من لجنة تضم شخصية عامة مشهود لها بالذوق العام، وأعضاء من الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، وفنانين تشكيلين».

مشاركة الشباب

واقترحت أن يتم مشاركة الشباب فى تطوير الميادين من خلال الاستماع إلى أفكارهم وتصورهم حتى يكون هناك حراك للإبداع، ويتم ذلك من خلال عقد مسابقات لأفضل تصميم للميدان المراد تطويره، مؤكدة أن الأعمال الفنية وحدها لا تكفى، لا بد من توظيفها توظيفا صحيحا بعلم التصميم العمرانى، حتى يصبح للميدان منظر جمالي.

مصدر داخل ديوان محافظة القاهرة أكد لـ«فيتو»، أن تطوير الميادين يتم بشكل عشوائى، خاصة الميادين الصغيرة، حيث يتم تطويرها وفقا لاجتهادات رئيس الحى، وفى الغالب تكون أعمال التطوير تطوعا من طلاب كليات الفنون أو أحد الشركات التى تريد أن تروج لنفسها، لذلك يتم التطوير بعيدا عن معايير التصميم العمرانى.

وأضاف المصدر، أن الميادين الكبرى هى التى يكون لها خطة، ويتم الرجوع إلى المكاتب الاستشارية لوضع خطة تطوير، على سبيل المثال خطة تطوير ميادين آل البيت، والتى شملت تطوير ميادين السيدة زينب والسيدة عائشة والسيدة نفيسة، وارتكزت على حل مشكلة المرور قبل البحث عن المنظر الجمالى، لذلك كان التطوير قائما على حل مشكلات المرور وخلق حارات جديدة، وليس المظهر الجمالى.

وقال إنه من المفترض أن يتم التنسيق مع الجهاز القومى للتنسيق الحضارى قبل أي أعمال تطوير، ولكن ذلك نادرا ما يحدث، وفى الغالب عندما تكون خطة التطوير تحظى باهتمام رئاسى كتطوير القاهرة الخديوية، والذى بدأ فى 2014، وتمت الاستعانة بالمتخصصين لتطوير الميادين والمبانى وفقا لما كانت عليه عندما أنشئت، وكانت سببا آنذاك في أن يطلق على القاهرة باريس الشرق.

 

نقلًا عن العدد الورقي…

الجريدة الرسمية