رئيس التحرير
عصام كامل

أسرار "صراع الفضاء" بين الكبار.. تنافس محموم "خارج الأرض" بين أمريكا وروسيا والصين

 أمريكا وروسيا والصين
أمريكا وروسيا والصين

أزمة كبيرة تسببت فيها روسيا الأسبوع قبل الماضي بعد إطلاقها صاروخًا مضادًّا للأقمار الاصطناعية في الفضاء، الأمر الذي تسبب في مخلفات خطرة عبارة عن آلاف من قطع الحطام، ما أثار غضب الولايات المتحدة الأمريكية والصين بشدة ودفعهما لإدانة تلك الخطوة الروسية، وأثار القلق حول إحياء المخاوف بشأن الحرب في الفضاء بين القوى العظمى.

واتهم مسئولون أمريكيون روسيا بالتسبب في انتشار ما يشبه حقل حطام مداري عرض محطة الفضاء الدولية للخطر، وسيشكل خطرًا على أنشطة الفضاء لسنوات مقبلة. 

كما ذكرت إدارة الطيران والفضاء الأمريكية "ناسا" أنه تم توجيه طاقم محطة الفضاء المكون من سبعة أفراد "أربعة رواد أمريكيين ورائد ألماني واثنان من الروس" للاحتماء في كبسولاتهم لمدة ساعتين بعد الاختبار كإجراء احترازي، وذلك للسماح لهم بالهروب سريعًا إذا كان ذلك ضروريًّا. 

ورغم أن وكالة الفضاء الروسية ردت بشكل غير مباشر على تلك الاتهامات التي وجهتها واشنطن لموسكو بإطلاق صاروخ مضاد للأقمار الصناعية عرض محطة الفضاء الدولية للخطر، بأن سلامة طاقم محطة الفضاء من أولويتها الرئيسية وأن الجهود المشتركة ستكون قادرة على ضمان تعايش آمن قدر الإمكان، لكن زادت حدة التساؤلات حول سيناريوهات المواجهة بين الدول الكبرى في الفضاء بعد تلك الواقعة.

والجدير ذكره أن التجرِبة الصاروخية الروسية على استهداف قمر اصطناعي أثناء دورانه حول الأرض ليست الأولى؛ إذ سبق أن أجرت مثل هذه التجرِبة أربع دول هي الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا. 

ولقي هذا النادي الرباعي بسبب تجاربه هذه انتقادات شديدة لأن الحطام الذي يخلّفه قصف القمر الاصطناعي سرعان ما يتحوَّل إلى مقذوفات خطرة يمكن أن تصطدم بآلاف الأقمار الاصطناعية الموجودة في المدار والتي تعتمد عليها دول بأسرها في العديد من الأنشطة، كالاتصالات وتحديد المواقع الجغرافية.

 

تنافس الكبار 

وتعليقا على التساؤلات حول اندلاع شرارة الحرب بين الكبار خارج الأرض وتحديدًا في الفضاء الذي يدور في محيطه نحو 1300 قمر صناعي نشط، تعمل في تحديد المواقع والملاحة والأحوال الجوية ومراقبة الكواكب والإنترنت، قال الدكتور أيمن سمير، الخبير في الشئون الإقليمية والدولية: هناك ثلاث دول تتنافس بشكل كبير ووصل التنافس إلى حد الصراع بينها وهي (الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية).

وهذا الأمر هو الذي دفع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لتأسيس القيادة الفضائية الأمريكية والتي أصبحت جزءا من الجيوش الأمريكية، فإذا تحدثنا عن القوات البرية والبحرية والجوية فهناك ايضًا القوات السيبرانية والقوات الفضائية التي أصبحت الفرع الخامس في الجيش الأمريكي. 

مضيفًا: أصبح المدار حول الأرض مزدحما نتيجة ليس فقط للأقمار الصناعية الخاصة بالدول بل نتيجة أيضًا للأقمار الصناعية الخاصة بالشركات والقطاع الخاص.. اليوم أصبح هناك شركات مثل "سبيس إكس" هذه الشركة لديها إنتاج لإطلاق ما يقرب من خمسين قمرًا صناعيًّا هدفها تجاري بشكل أو بآخر لنقل إنترنت فائق السرعة.

كما أنه أصبح مشروعا يمكنه ربح آلاف الدولارات، فعلي سبيل المثال أصبح هناك دولة مثل البرازيل تتفاوض مع هذه الشركة لإدخال الإنترنت بغابات الأمازون؛ لأنه من المستحيل أن يتم إدخال إنترنت داخل تلك الغابات بالطريقة التقليدية، لكن من الممكن إدخاله عن طريق الأقمار الصناعية، فتلك العائدات الضخمة جعلت الفضاء يتحول بالفعل إلى حرب تدور حول أكثر من نقطة أن الصين وروسيا أصبح لديهما صواريخ تطلق من الأرض وليس من الفضاء يمكنها استهداف أقمار صناعية لدولة أخرى، ومن المعروف أن أقل مدي تعمل علية الأقمار الصناعية نحو 35 ألف كيلو متر من سطح الأرض.

 

الصين

وتابع: "اليوم.. الصين بدأت إطلاق صواريخ تستطيع أن تصل إلى هذا المدى وتستهدف أقمارًا بعينها، هذا هو الأمر الذي أقلق الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عندما أطلقت وزارة الدفاع الروسية صاروخا على قمر صناعي قالت إنه "قديم"، لكنه في النهاية تمكن من استهداف قمر صناعي في المدار وإسقاطه وتدميره، هذه الخطوة تعتبر بمثابة بروفة لحرب حقيقية يمكن لروسيا أو الصين في المستقبل إطلاق صاروخ من الأرض يستهدف قمرا صناعيا أمريكيا عسكريا أو أقمار صناعية لدول غربية أو ما يسمي بتجسس ويتم استهدافه بشكل مباشر.

وأضاف الدكتور أيمن سمير، أن شكل الأقمار الصناعية يمكن أن تتشابه مع ما يسمى بصواريخ فرط الصوت، وهذا أدي إلى تحذير من الولايات المتحدة الأمريكية أن آخر صاروخ أطلقته الصين يدور حول الأرض لم يكن مركبة فضائية، لكنه كان صاروخا يمكن له في أي لحظة أن ينزلق إلى الأراضي الأمريكية، ويقوم بالهجوم وإطلاق رأس نووي على أمريكا. 

مؤكدًا أننا الآن أصبحنا أمام معركة نووية تتعلق بعسكرة الفضاء والانتقال من مرحلة الفضاء المدني الذي كان في أقمار للاتصالات ومعرفة المناخ ودرجات الحرارة وما إلى ذلك إلى عسكره كاملة للفضاء وإمكانية استهداف دولة ما من صواريخ تدور في الفضاء.

وأشار إلى أن المشكلة الأكبر حتى الآن هي أنه لا يوجد ما يسمي "ميثاق أخلاقي" يحكم العمل في الفضاء، لذا توجد الآن في الفضاء مشكلة كبيرة جدا، بعيدا عن الدخول في حرب يكاد أن تكون مستبعدة في الوقت الحالي، وهي ما يسمي بحطام الصواريخ أو المركبات الفضائية والأقمار المتهالكة أو القديمة أو ما إلى ذلك، هذه الحطام تتراوح من سم إلى 10 سم؛ فهي تشكِّل خطرًا كبيرًا جدًّا على الأرض وعلى الأقمار الصناعية التي تعمل في الوقت الحالي، وهناك تقديرات تشير إلى أن هناك ما يقرب من 50 ألف قطعة حطام موجودة في الفضاء.

وتابع: المدار أو أقل مدى توضع فيه هذه الأقمار الصناعية نحو 35 ألف كيلو متر، وهناك مدارات أعلي من ذلك، فالصواريخ الصينية وفقًا للمخابرات الأمريكية تستطيع أن تصل إلى المدارات القريبة، وتحطيم واستهداف أي قمر صناعي أمريكي أو غربي خاصة الأقمار العسكرية أو التجسس، لكن لا توجد دولة تبلغ الدول الأخرى عن مدى الصواريخ الخاص بها فشكل الصواريخ في الفضاء أحيانًا يأخذ شكل القمر الصناعي.

وبالتالي آخر صاروخ أطلقته الصين نفت من جانبها أنه أسرع من الصوت، إضافة إلى أن إطلاق الصاروخ الروسي يهدد محطة الفضاء الدولية، وأن هناك الآن محاولات لإرجاع رواد الفضاء؛ لأن وجودهم أصبح خطرًا ويمكن تدمير المحطة بسهولة جدًّا نظرًا لشدة خطورة الحطام في المدارات الجوية على الأقمار الصناعية. 

مضيفًا أن هدف روسيا كان واضحا من هذا الأمر، فكلما تشيع نوع من الضبابية والفوضى في الفضاء ربما تؤجل الخطط الأمريكية لإطلاق اقمار صناعية جديدة أو إجراء تجارب على صواريخ جديدة وإظهار أيضًا روسيا بأنها دولة متفوقة في هذا الأمر كونها استطاعت أن تطلق صاروخًا يصل إلى المدارات الفضائية بعد تجاوز35 ألف كيلو متر، كما أنه أصاب الهدف بدقة، وحتى لو كان الهدف قمرًا اصطناعيًّا قديمًا طوله يتراوح ما بين 7 و8 أمتار وتدميره بتكنولوجيا الاقتراب والالتحام، فكل هذا معناه أن روسيا بالفعل وصلت إلى مراحل تقلق الولايات المتحدة الأمريكية.

 

أسلحة الفضاء 

وبدوره عبَّر الدكتور أشرف كمال، مدير مركز الدراسات الروسية، عن قلقه من التطورات المتلاحقة في الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية واستمرار الخلافات بين الدول الكبرى حول اتفاقية يمكن أن تساهم في تجنب عسكرة الفضاء أو على أقل تقدير تمنع نشوب حرب فضائية في ظل اعتماد التطور الإنساني والحضاري في كثير من المجالات على الأقمار الصناعية ذات الاستخدامات المدنية، غير إنه قال إن المؤشر الجيد هنا أنه رغم التوتر والخلافات بين الدول الكبرى خاصة روسيا والصين والولايات المتحدة، ورغم ما يصدر من تقارير حول تطوير الأسلحة القادمة على الوصول إلى أهدافها في الفضاء، لم تقم أي دولة بتدمير قمر صناعي لدولة أخرى، مع استمرار التجاوزات السياسية حول الإطار القانوني الذي من شأنه تحقيق السلام والأمن في الفضاء.

وأشار إلى أن معاهدة الفضاء الخارجي عام 1967، هي الإطار القانوني الوحيد الذي يحظر استخدام أسلحة الدمار الشامل في الفضاء، وإقامة القواعد العسكرية، ولكن لا يوجد إطار قانوني للاستخدام السلمية للفضاء. 

مضيفا: أعتقد أن حالة عدم الثقة بين الدول الكبرى، من أبرز العقبات التي تواجه محاولات تجنب المواجهة في الفضاء، وأن ما سيجري على الفضاء لن يختلف كثيرًا عما يحدث على الأرض من صراع نفوذ وتضارب المصالح في غياب التفاهمات المشتركة. 

وتابع:" مخاوف اندلاع مواجهات عسكرية في الفضاء ليست جديدة، فالولايات المتحدة الأمريكية تخصص ما يزيد عن 7 مليار دولار من أجل تعزيز قدرات برنامج الفضاء العسكري، في ظل استمرار الخلافات مع روسيا والصين مع نجاح دول أخرى مثل الهند في اقتحام الفضاء.

واختتم كمال حديثه بالقول إن إعلان روسيا عن تدمير قمر روسي خارج عن الخدمة، جاء في إطار برنامج معلن بشكل رسمي من أجل تطوير الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية.

 وبالعودة إلى عام 2008، نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية قامت بتدمير قمر صناعي عسكري أمريكي فيه خلل، قبل وقت قصير من سقوطه عبر الغلاف الجوي، وأسفرت هذه التجربة عن نفايات خطرة على الفضاء.

نقلًا عن العدد الورقي…

الجريدة الرسمية