رئيس التحرير
عصام كامل

«الفارس» يسرى فودة

فيتو

أوبرا وينفري وكريستيان أمانبور في إعلام الغرب، وهو في إعلامنا وحده القادر على انتزاع الحقيقة من بين ركام الباطل.. محمد أبوتريكة وليونيل ميسى في الرياضة وهو في الصحافة وحده الذي يستطيع مراوغة ضيوفه وانتزاع أخطر الاعترافات وتسجيل أجمل الأهداف.. نجيب الريحانى وإسماعيل ياسين في الكوميديا وهو في الصحافة وحده القادر على إشاعة الأمل والتبشير بمستقبل أفضل لكل من يسعى للحرية ويدفع من أجلها الغالى والنفيس.. إعلامى مهم في زمن يتصدر فيه المشهد التافهون وأنصاف الموهوبين وأشباه المثقفين.. إنه الإعلامى القدير يسرى فودة صاحب المقدمات النارية في برنامجه الشهير "آخر كلام" على فضائية "أون تى في".

"فودة" الذي قضى فترة طويلة من حياته متنقلا بين كبريات الإذاعات والمحطات العالمية عاد إلى مصر قبيل ثورة الخامس والعشرين من يناير ليبدأ مرحلة جديدة في حياته المهنية، ووقع اختياره وقتها على الـ "أون تي في" لتكون محطة الانطلاق مع المشاهد المصرى.

كثيرون قبل الثورة لم يكونوا يعرفون يسرى فودة رغم أن اسمه كان ملء السمع والبصر في الغرب بعد سلسلة التحقيقات الناجحة في برنامجه الأشهر "سرى للغاية"، وخاصة تلك المتعلقة بأحداث الحادى عشر من سبتمبر، والتي فجرت مفاجآت مدوية في القضية وكشفت النقاب لأول مرة عمن خطط ونفذ تلك العملية التي هزت الولايات المتحدة الأمريكية في بداية القرن الحالى.

لكن "فودة" ومع انطلاق شرارة ثورة الخامس والعشرين من يناير نجح ــ بجدارة يستحقها ــ في تقديم نفسه للمشاهدين في ربوع مصر، وصار علما من أعلام الصحافة التليفزيونية وتصدر برنامجه قائمة البرامج الأكثر مشاهدة في مصر والوطن العربى، فقد انحاز للثورة من اليوم الأول وتصدر طليعة المدافعين عن الثوار وكان برنامجه نافذة إعلامية تعرف الشعب من خلالها على الأبطال الحقيقيين الذين صنعوا مجد الثورة ولا تزال المقدمات النارية التي كان يستهل بها مقدمة برنامجه عالقة في أذهان كل متابعيه.

يوما بعد يوم أثبت "فودة" ــ بما لايدع مجالا للشك ــ أنه أهل لثقة كل من منحوه لقب "فارس الإعلام" وأصبح أيقونة من أيقونات ثورة صنعها شباب طاهر وركب عليها شيوخ لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، لم يبع "فودة" القضية ولم يتخل يوما عن مبادئه الثورية ولم يمسك العصا من المنتصف كما فعل الكثيرون من أبناء جيله.

بسبب انحيازاته الواضحة للثورة وأهدافها المتعلقة بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية تعرض فودة لمضايقات عديدة واضطر مرات متعددة إلى وقف برنامجه كى لا يقدم للمشاهد ما لايتفق مع قناعاته، فعل ذلك عقب أحداث ماسبيرو التي راح ضحيتها ما يزيد على 20 شخصا من أقباط مصر احتجاجا على سعى المجلس العسكري وقتها إلى حجب الحقائق عن الرأى العام، وكتب يومها مقالا ردا على ما تعرض له من تضييق تحت عنوان "حتى لا يكون حقا آخر كلام"، قال فيه: "ببساطة، كنت أتمنى - ومازلت أتمنى - أن يفتح اضطرارى إلى خنق برنامجى بيدىّ بابًا إلى غرفة هادئة مضيئة لها نافذتان: النافذة الأولى تطل على المجلس العسكري بمجموعة من الرسائل من أهمها، أولًا، أنه لن يحمى الوطن، خاصة في أوقات الأزمات، شىء قدر إعلام حر صادق قوى، ولنا في الفارق بين إعلام 67 وإعلام 73 عظة كبرى، وأن لهذا الإعلام دورًا مهمًا، إن لم يكن حاسمًا، في هذه اللحظات وفى مستقبل قريب واعد منذر في آنٍ معًا، وثانيًا، أن مصر الآن لا تتحمل غياب القدرة على استيعاب درس إعلامى ضخم لم يستطع الرئيس المخلوع استيعابه في زمنه، وأنه سقط في نهاية المطاف لأنه فضل الطريق الأسهل، ولأنه آمن باللافعل، وثالثًا، أن الوسائل المتاحة في عالم اليوم، أمام جيل صنع ثورة، لا تعد ولا تحصى، وخير لنا جميعًا أن نحتضن «حتميات العصر» قبل أن تدوس هي علينا بامتهان".

ومن أول يوم وصل فيه الإخوان إلى سدة الحكم استمر "فودة" في تقديم رسالته الإعلامية الهادئة البعيدة عن الصراخ والعويل، وقدم مجموعة حلقات ترسم الطريق نحو غد أفضل لكل المصريين، لكن هدوء صاحب "آخر كلام" لم يستمر طويلا فمع سقوط أول شهيد في عهد الرئيس الإخوانى أعلنها صريحة "طول ما الدم المصرى رخيص.. يسقط يسقط أى رئيس"، وعاد الرجل إلى سيرته الأولى متقدما الصفوف للنضال الثورى وكان أول من استضاف أمهات الشهداء في زمن الإخوان.

السيرة الذاتية لفودة تشير إلى أنه من مواليد قرية منشية جنزور بمحافظة المنوفية، ساهم في تأسيس قناة الجزيرة، وكان أحد نجومها البارزين حتى استقال منها في عام 2009، حصل على درجة الماجستير في الصحافة التليفزيونية وعلى دبلوم الإنتاج التليفزيوني في معهد التدريب التابع للتليفزيون الهولندي، وكان أول مصري يقوم بالإشراف على تدريب العاملين في التليفزيون المصري في إطار اتفاقية التعاون بين مؤسسة فريدريش ناومان الاتحادية واتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري.

وفي عام 1993م حصل على منحة من المجلس الثقافي البريطاني لدراسة الدكتوراة في جامعتي جلاسكو واستراثكلايد في أسكتلندا، وكان موضوع الرسالة الفيلم التسجيلي المقارن، ثم انضم إلى تليفزيون هيئة الإذاعة البريطانية لدى إنشائه عام 1994م، واختير كأول مراسل يتحول للشئون الدولية، قام أثناءها بتغطية حرب البوسنة ومسألة الشرق الأوسط، كما عمل أيضًا أثناء هذه الفترة التي امتدت حتى عام 1996م مذيعًا ومنتجًا في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية في برامج الأحداث الجارية، وانتقل بعد ذلك إلى تليفزيون وكالة أنباء أسوشييتد برس حيث شارك في إنشاء قسم الشرق الأوسط قبل أن يلتحق بالعمل في قناة الجزيرة.

ومنذ إنشاء قناة الجزيرة عام 1996م عمل فيها مراسلًا مواكبًا لشئون المملكة المتحدة وغرب أوربا، وفي عام 1997م شارك في إنشاء مكتب قناة الجزيرة في لندن والذي شغل فيه فيما بعد منصب نائب المدير التنفيذي.

وبدأ منذ شهر فبراير 1998م في إنتاج برنامجه الشهير سري للغاية الذي استقطب بموضوعاته وبطريقة معالجته عددا هائلًا من المشاهدين على اختلاف مستوياتهم، وقد حصلت أولى حلقات هذا البرنامج على الجائزة الفضية لمهرجان القاهرة للإنتاج الإذاعي والتليفزيون للعام نفسه، وحصل مجمل حلقاته على جائزة الإبداع المتميز من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2000م، ثم استقال من القناة عام 2009م.

اكتسب شهرة كبيرة في برنامجه "سري للغاية"، ومن أبرز القضايا التي غطاها كانت قصة طائرة مصر للطيران التي تحطمت في رحلتها بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة لقضية الموساد وقضية وفاة عبد الحكيم عامر الرجل الثاني في عهد جمال عبدالناصر وأحداث 11 سبتمبر 2001 وقضايا أخرى.
الجريدة الرسمية