التعليم لكل مواطن!
أفردت في مقال سابق بعنوان "التعليم الجامعي الخاص ومبدأ تكافؤ الفرص" أن توفير فرص تعليمية متكافئة لتنمية قدرات واستعدادات ومواهب كل طالب بغض النظر عن المقدرة المادية أو المستوي الاجتماعي والاقتصادي لا يعني بالضرورة أن يكون التعليم متساوي أو متماثل للجميع. بل يعني أن يكون التعليم في جميع مستوياته متاح بالتساوي لكل المؤهلين الذين لديهم القدرة على التحصيل والاستمرارية في التعليم.
الدستور المصري أقر بأحقية التعليم لكل مواطن بهدف بناء الشخصية والحفاظ على الهوية الوطنية وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار. ولكي يضمن المشرع مقومات نجاح السياسة التعليمية أقر بإلزامية التعليم حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها على أن تتكفل الدولة بمسألة مجانية التعليم في مراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية وهو ما يضمن تكافؤ الفرص. إلا أنه على مدار العقود الستة الماضية أسيئ فهم فلسفة مجانية التعليم ومبدأ تكافؤ الفرص في العقل الجمعي المصري علي حساب منهجية الفردانية كتوجه إلى بناء واقع اجتماعي يستطيع فيه الطلاب اختيار مساراتهم التعليمية وتحمل تبعاتها.
معوقات التعليم
وبالحديث عن الفردانية، فهي تدعو إلى بناء واقع يضمن للفرد خاصية الاستقلالية والتميز بما لا يخالف القناعة بأن الفرد هو جزء من مجتمع يحاول تعزيز مصالحه. فبجانب المساعي الحميدة لتطوير التعليم وفق استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030 من مناهج وأساليب وأدوات تعليم وتقييم وإدارة مدرسية وارتقاء بالمعلمين مهنيا ومجتمعيا وماديا، علينا تحليل دوافع الطلاب وأسرهم وفهمها والبحث عن المعنى الذي يقف وراءها، وأسباب ضعف ثقتهم في المؤسسات التعليمية ومقاومة التحول الرقمي. علينا الوقوف جديا على أسباب انتشار الدروس الخصوصية كنسق موازي له تكلفته الباهظة على كل أسرة في حين يتمسك الجميع بمجانية التعليم ذو المنتج الفقير.
في محاولة لفهم العقل الجمعي المتمثل بالخلفية الثقافية المؤثرة على فردانية المنتج التعليمي، علينا أن نعي أن النظام التعليمي هو سلسلة من مسارات يقف الطالب وأسرته عند كل منها ليقرر الاتجاه والخيارات المطروحة المناسبة والتي تتنوع وتختلف تبعا لمتغيرات تتعلق برغبات وإمكانيات الطالب والأسرة وفقا لثلاث مؤثرات أساسية هي التكلفة المادية لكل مسار تعليمي، والمنافع التي سيجنيها المتعلم إذا قرر متابعة دراسته، والتحديات التي قد يواجهها حال تأخره في بلوغ أهدافه أو احتمالية أن يتعثر في الحصول على وظيفة تتناسب مع المستوى التعليمي المحقق.
إن الفائدة من التعليم قد تتراجع عندما تزداد التحديات أو التكلفة أو عندما تنخفض المنفعة منه. ومن المنطقي أن يكون قرار المتابعة في مسار تعليمي ايجابي عندما تكون فائدته مرتفعة. تحديدا هذه النقطة غاية في الأهمية إذا كنا نريد تعظيم أهمية وتوجيه الوعي الجمعي إلى مسار التعليم الفني على سبيل المثال. فتقييم الطلاب وأسرهم لتكلفة التحديات والمنافع هو ما يقودهم إلى خيار بعينه. فقد يقود البعض إلي متابعة دراساتهم الجامعية حتى النهاية في حين يتوقف البعض عن متابعة دراساتهم حالما يصلون إلى مرحلة تحقق تقدما نسبة إلى طموحاتهم وينتقلون في وقد مبكر إلى سوق العمل.
إن نظام التعليم يجب أن يكون مفتوحا أمام الجميع بقدر متساوي وأن يستوعب التفاوت الناتج عن إمكانيات الطلاب وطموحاتهم ومساعيهم.