رئيس التحرير
عصام كامل

أنواع الناس!

في إحدى المدارس، حلت معلمة ﻣﻜﺎﻥ معلمة أﺧﺮى ﻗﺪ ﻏﺎﺩﺭت بإجازة أمومة، وعندما ﺑﺪﺃت ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﺍﻟﺪﺭﺱ.. سألت ﺳﺆﺍلا لتلميذ ﻣﻦ ﺍلتلاميذ.. فضحك على الفور ﺟﻤﻴﻊ زملائه.. ذهلت المعلمة ﻭﺃﺧﺬتها ﺍﻟﺤﻴﺮﺓ ﻭﺍﻟﺪﻫﺸﺔ –ﺿﺤﻚٌ ﺑﻼ ﺳﺒﺐ– ثم ﺃﺩﺭكت ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻧﻈﺮﺍﺕ التلاميذ ﺳﺮ ﺍﻟﻀﺤﻚ، ﻭﺃنهم ﻳﻀﺤﻜﻮﻥ ﻟﻮﻗﻮﻉ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻟﺐ ﻏﺒﻲ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻫﻢ.

في نهاية اليوم ﻧﺎدت ﺍلمعلمة ﺍلتلميذ ﻭﺍختلت ﺑﻪ ﻭكتبت ﻟﻪ ﺑﻴﺘًﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻋﻠﻰ ﻭﺭﻗﻪ ﻭﻧﺎﻭلته ﺇﻳﺎﻩ، ﻭﻗﺎلت له: ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﺤﻔﻆ ﻫﺬﺍ ﺍلبيت حفظًا جيدًا ﻛﺤﻔﻆك لإﺳﻤﻚ ﻭﻻ ﺗﺨﺒﺮ ﺃﺣﺪًﺍ ﺑﺬﻟﻚ.. وﻓﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ كتبت ﺍلمعلمة ﺑﻴﺖ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﺒﻮﺭﺓ ﻭقامت ﺑﺸﺮﺣﻪ مبينًة ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﺒﻼﻏﺔ ﻭالإعراب.. ﺛﻢ مسحت ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻭﻗﺎلت للتلاميذ: من ﺣﻔﻆ منكم ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻳﺮﻓﻊ ﻳﺪﻩ، ﻟﻢ ﻳﺮﻓﻊ ﺃﻱ تلميذ ﻳﺪﻩ ﺑاﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﺫﻟﻚ ﺍلتلميذ.. حيث ﺭﻓﻊ ﻳﺪﻩ ﺑﺎﺳﺘﺤﻴﺎﺀ ﻭﺗﺮﺩﺩ، فقالت ﺍﻟﻤﺪﺭسة ﻟﻠﻄﺎﻟﺐ: ﺃﺟﺐ.

مفاتيح للخير

ﺃﺟﺎﺏ ﺍلتلميذ ﺑﺘﻠﻌﺜﻢ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻮﺭ ﺃثنت ﻋﻠﻴﻪ ﺍلمعلمة ﺛﻨﺎﺀً ﻋﻄﺮﺍً ﻭﺃﻣﺮت ﺍلتلاميذ ﺑﺎﻟﺘﺼﻔﻴﻖ ﻟﻪ، وﺍلتلاميذ ﺑﻴﻦ ﻣﺬﻫﻮﻝ ﻭﻣﺸﺪﻭﻩ وﻣﺘﻌﺠﺐ ﻭﻣﺴﺘﻐﺮﺏ.

ﺗﻜﺮﺭ ﺍﻟﻤﺸﻬﺪ ﺧﻼﻝ ﺃﺳﺒﻮﻉ ﺑﺄﺳﺎﻟﻴﺐ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻭﺗﻜﺮﺭ ﺍﻟﻤﺪﺡ ﻭﺍﻹﻃﺮﺍﺀ ﻣﻦ ﺍلمعلمة وﺍﻟﺘﺼﻔﻴﻖ ﺍﻟﺤﺎﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻼﺏ، ﺑﺪﺃﺕ ﻧﻈﺮﺓ ﺍلتلاميذ ﺗﺘﻐﻴﺮ ﻧﺤﻮ زميلهم، وهو ما جعل نفسيته ﺗﺘﻐﻴﺮ تدريجيًا ﻟﻸﻓﻀﻞ، ﺑﺪﺃ ﻳﺜﻖ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻭ ﻳﺮﻯ ﺃﻧﻪ ليس غبيًا ﻛﻤﺎ ﻛﺎنت تصفه معلمته السابقة، وﺷﻌﺮ ﺑﻘﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎﻓﺴﺔ ﺯﻣﻼﺋﻪ ﺑﻞ ﻭﺍﻟﺘﻔﻮﻕ ﻋﻠﻴﻬﻢ.

ﺛﻘﺘﻪ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺩﻓﻌﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﻭﺍﻟﻤﺜﺎﺑﺮﺓ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻭﺍﻻﻋﺘﻤﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﺍﺕ.. ﺍﻗﺘﺮﺏ ﻣﻮﻋﺪ ﺍﻻﺧﺘﺒﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻨﻬﺎﺋﻴﺔ.. فزاد اجتهاده وﺛﺎﺑﺮ وﻧﺠﺢ ﻓﻲ ﻛﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍد.. ﺩﺧﻞ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ ﺑﺜﻘﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﻭﻫﻤﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ.. ﺯﺍﺩ ﺗﻔﻮﻗﻪ وﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺪﻝ درجات ﺃﻫﻠﻪ ﻟﺪﺧﻮﻝ ﺍﻟﺠامعة التي يرغبها. ﺃﻧﻬﻰ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺑﺘﻔﻮﻕ، ﻭوﺍﺻﻞ ﺩﺭﺍﺳﺘﻪ فحصل ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺎﺟﺴﺘﻴﺮ.. ﻭﺍﻵﻥ ﻳﺴﺘﻌﺪ ﻟﻤﻮﺍﺻﻠﺔ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭﺍه.

ﻗﺼﺔ النجاح الحقيقية هذه ﻛﺘﺒﻬﺎ ﺍﻟﻄﺎﻟﺐ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﺼﺤﻒ ﺩﺍﻋﻴًﺎ ﻟﻤﺪﺭسته ﺻﺎحبة ﺑﻴﺖ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺃﻥ يثيبها ﺍﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ.

 

من هنا أرجو أن ندرك أن ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻧﻮﻋﺎﻥ:

النوع الأول: ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﻟﻠﺨﻴﺮ ﻣﻐﺎﻟﻴﻖ ﻟﻠﺸﺮ، ﻳﺤﻔﺰ.. ﻳﺸﺠﻊ.. ﻳﺄﺧﺬ ﺑﻴﺪﻙ.. ﻳﻤﻨﺤﻚ ﺍﻷﻣﻞ ﻭﺍﻟﺘﻔﺎﺅﻝ.. ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺸﻌﻮﺭ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ.. ﺻﺎﺣﺐ ﻣﺒﺪﺃ ﻭﺭﺳﺎﻟﺔ.

النوع الثانى: ﻣﻐﺎﻟﻴﻖ ﻟﻠﺨﻴﺮ.. ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﻟﻠﺸﺮ.. ﻣﺜﺒﻂ.. ﻗﻨﻮﻁ.. ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻣﻬﻤﺔ ﺳﻮﻯ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻴﻞ ﻭﺍﻟﻌﻘﺒﺎﺕ ﺃﻣﺎﻡ ﻛﻞ ﺟﺎﺩ.. ﺩﺃﺑﻪ ﺍﻟﺸﻜﻮﻯ ﻭﺍﻟﺘﺬﻣﺮ ﻭﺍﻟﻀﺠﺮ ﻭﻧﺪﺏ ﺍﻟﺤﻆ.

ﺍلتلميذ ﻛﺎﻥ ﺿﺤﻴﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻜﻦ ﻋﻨﺎﻳﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺨﺮﺕ ﻟﻪ ﻣﺪﺭسة ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻷﻭﻝ.. ﻓﻜﺘﺐ ﻟﻪ ﺍﻟﻨﺠﺎﺡ ﻓﻲ ﺩﺭﺍﺳﺘﻪ. نسأل الله أن يجعلنا دائمًا من النوع الأول، وأن يهدى بنا إلى كل ما يحبه ويرضاه.

الجريدة الرسمية