رئيس التحرير
عصام كامل

خصخصة الأندية.. طوق النجاة للرياضة المصرية.. والمكاسب 7 أضعاف صناعة السينما في أمريكا

الرياضة وكرة القدم
الرياضة وكرة القدم

أصبحت الرياضة وكرة القدم على وجه التحديد صناعة واستثمارًا قويًا على مستوى العالم، وصل إلى مليارات الدولارات، بفضل رءوس الأموال الضخمة التي يتم ضخها في تلك الرياضات، واتجهت جميع الدول إلى فكرة خصخصة الأندية الرياضية، والانتقال من الهواية إلى منظومة احترافية متخصصة في الاستثمار الرياضي في جميع الأندية العالمية، إلا أن الكرة المصرية ما زالت بعيدة عن تلك الدائرة رغم بعض التجارب الناجحة.

الرياضة في أغلب دول العالم المتقدم أصبحت سببا رئيسيا لإنعاش الاقتصاد، فمثلًا نجد أن عائد الرياضة في أمريكا يساوى ٧ أضعاف دخل السينما، رغم أن الولايات المتحدة مشهورة بصناعة السينما وبوجود «هوليوود»، كما تمثل كرة القدم في البرازيل أحد أبرز موارد دخل الدولة، نتيجة الاعتناء باللاعبين الصغار وتسويقهم إلى الأندية الأوروبية بملايين الدولارات، وهو ما يجعل كرة القدم سلعة قومية في البرازيل تساهم بما يقرب من 10% من الدخل القومي.

 

صناعة الرياضة

المركز المصري للدراسات الإستراتيجية أصدر دراسة تخص الاقتصاد الرياضي، أكدت أن صناعة الرياضة حول العالم وصلت لـ840 مليار دولار سنويًا، ومع حساب بعض الأنشطة الملحقة بها مثل التغذية والنقل والبث وغيرها يصل إلى تريليون و800 مليون دولار سنويا ورغم كل تلك المكاسب العالمية، إلا أن الأمر في مصر مختلف تماما، حيث ما زالت الأندية والرياضة تمثل عبئا كبيرا على ميزانية الدولة، حيث يحصلون على رقم كبير من موازنة الشباب والرياضة سنويا، لدعم الإنشاءات ودعم النشاط الرياضي، ووصل متوسط دعم الأندية سنويا من الوزارة إلى 800 مليون جنيه.


مصر بها أكثر من 1010 نواد رياضية، يبلغ عدد الأندية الخاصة منها نسبة ضئيلة للغاية، مقارنة بالأندية العامة المملوكة للدولة التي تتخطى أكثر من 80% يتم دعمها بأكثر من 800 مليون جنيه سنويا، مع إيرادات طفيفة وعجز في ميزانية النشاط الرياضي بأغلب تلك الأندية، والباقي أندية الشركات.

الأندية الخاصة

وقد شهدت الفترة الأخيرة  في مصر بعض التجارب على استحياء لإنشاء أندية خاصة، وحققت نجاحات كبيرة، ولعل الدليل الأبرز على ذلك هو سيطرة الأندية الخاصة، وأندية الشركات على الدوري الممتاز، بصعود البنك الأهلي وسيراميكا كليوباترا وفاركو والشرقية للدخان ونادي فيوتشر إلى الدوري الممتاز آخر موسمين، وقبلهم نادي وادي دجلة الذي استمر لعدة سنوات في الدوري، مع وجود تجربة سابقة لنادي بيراميدز منذ 3 مواسم.

كما يقدم نادي زد مستويات جيدة في القسم الثاني، إلا أن جميع تلك التجارب لأندية خاصة مملوكة لمستثمرين ورجال أعمال أو شركات، ولم نشهد حتى الآن تحول الأندية العامة والجماهيرية إلى الخصخصة رغم الأزمات التي تلاحق عددا كبيرا من تلك الأندية، على رأسها الإسماعيلي والمصري البورسعيدي والاتحاد السكندري، أو الأندية التي تراجعت وهبطت إلى دوري القسم الثاني، بسبب أزماتها المالية مثل المنصورة والترسانة والشرقية وأسوان وطنطا وبلدية المحلة.


الرياضة المصرية تحتاج إلى اعتماد آلية خصخصة الأندية من أجل مضاعفة الموارد المالية وضخ رءوس أموال جديدة بالتعاون مع القطاع الخاص، وتوفير أموال ضخمة تنفقها الحكومة ممثلة في وزارة الشباب والرياضة، لدعم الأندية ومنشآتها وتوفير تلك الأموال لإنفاقها على توسيع قاعدة الممارسة الرياضية واكتشاف المواهب ودعم مراكز الشباب.

الدكتور أشرف صبحى وزير الشباب والرياضة كان له تجربة في خصخصة الأندية، حيث كان شريكا في خصخصة نادي بنى ياس الإماراتى وتحويله إلى شركة وقتها، إلا أنه اصطدم بقانون الرياضة رقم 71 لسنة 2017 الذي يصعب من عملية خصخصة الأندية والمادة الخاصة بالاستثمار التي حددت نسبة الأندية المملوكة للدولة بألا تقل عن 51 % من أسهم الشركات الرياضية، وهو سبب عدم وجود شركات للكرة ويسلب المستثمر حق الإدارة، حيث يحجم كثير من المستثمرين عن دفع أموال في تلك الشركات خاصة، أنه لن يكون لهم حق إدارتها.


وزارة الشباب والرياضة رفعت شعار «أن تأتي متأخرا خيرا من ألا تأتي»، حيث اتخذت مؤخرا خطوات لتشجيع إنشاء الأندية الخاصة في العام 2018 بإصدار لائحة قواعد تراخيص شركات الخدمات الرياضية التي تمتلك أندية خاصة طبقا لقانون الرياضة الجديد رقم 71 لسنة 2017.

الهجوم الجماهيري

أزمة أخرى تهدد خصخصة الأندية العامة كانت تخوف إدارات الأندية من فكرة الخصخصة خوفا من هجوم الجماهير، حيث اقترح البعض تعديل قانون الرياضة بإضافة مواد للخصخصة الجزئية وفتح الباب أمام خصخصة الأندية بدون بيع الأصول لأن الجمهور لن يقبل ببيع ناديه.

النادي الأهلي كان سباقا في الدخول إلى عالم الاستثمار الرياضي، حيث قرر مجلس الإدارة برئاسة محمود الخطيب قبل عدة أشهر تأسيس وإنشاء 3 شركات أولاها لكرة القدم تستهدف إدارة وتنظيم رياضة كرة القدم الاحترافية وأعمال الأكاديميات، والمشاركة في مختلف الفاعليات والمنافسات، سواء كانت محلية أو قارية أو عالمية، وتسويق حقوق البث والرعاية والسلع والإعلانات وانتقالات وإعارات اللاعبين والأكاديميات والمعسكرات والمباريات، بجانب إنشاء شركة إستاد الأهلي وشركة الأهلي للسياحة والخدمات حيث تتولى تقديم خدمات السياحة والرحلات والسفر لكل من الفرق الرياضية واللاعبين والأعضاء والجماهير.


رغم المزايا العديدة للخصخصة، إلا أن لها بعض السلبيات التي كشفتها بعض الدراسات وأبرزها أنها في بعض الأحيان تؤدى إلى الاهتمام بالربح على حساب المستوى الفنى، والدليل ما حدث في بعض الأندية الأوروبية بتحقيق مكاسب طائلة دون ضم لاعبين جدد من أجل تعزيز الربح وزيادة مكاسب الملاك.

من جانبه أكد الدكتور كمال درويش رئيس نادي الزمالك السابق ورئيس اللجنة الاستشارية العليا في وزارة الشباب والرياضة، أن الخصخصة بمفهومها البطبيعي هي تخصيص الشيء لشخص أو لمجموعة أشخاص يتولون مسئولية تنميته وتطويره مع تمتعهم بالربح حال الربح وتحملهم للخسارة في حال الخسارة، وخصخصة الأندية عبارة عن بيع النادي للشركات أو لمجموعة أشخاص عن طريق شراء أسهم النادي مع تطوير هذا النادي فنيا.

والاستثمار فيه مما يؤدى إلى زيادة الأرباح في هذا النادي، وشدد كمال درويش على أن الخصخصة نوعان أولهما كلية وهى عبارة عن بيع كل النادي للشركات والأشخاص كما هو الحال في الاندية الأوروبية، والثاني هي الخصخصة الجزئية وهى عبارة عن بيع جزء من أسهم النادي للشركات والأشخاص مع الاحتفاظ بجزء آخر منه في ملكية الحكومة وهو الأفضل في مصر خاصة أن الأندية العامة مملوكة للدولة وأصبحت فيما بعد ملكا لجمعياتها العمومية، وهو ما يصعب بيع أصول تلك الأندية، والحل هو تطبيق الخصخصة الجزئية والاستثمار في تلك الأندية بمفهوم جديد.

وأضاف كمال درويش أن قانون الرياضة رقم 71 لسنة 2017، في الباب الثامن منه الذي يحمل عنوان “الاستثمار في المجال الرياضى”، منح الهيئات الرياضية إمكانية إنشاء شركات مساهمة وحدد كيفية إنشائها ومن يملك الأسهم فيها، حيث حدد القانون أن تتخذ الشركات التي تنشأ لمزاولة أعمال الخدمات الرياضية بأنواعها شكل الشركات المساهمة، ويجوز لهذه الشركات طرح أسهمها في اكتتاب عام وفقًا لأحكام قانون سوق رأس المال كما يجوز قيد أسهمها ببورصة الأوراق المالية.

وشدد درويش على أن هذا الأمر يمنح الأندية الحق في إنشاء عدة شركات مثلما فعل النادي الأهلي بتأسيس شركة لكرة القدم وشركة للسياحة الرياضية وشركة إستاد الأهلي، وجميع تلك الشركات ستكون شركات مساهمة تساهم فيها الهيئة وأعضاؤها والمستثمرون، كما سيتم طرح أسهم هذه الشركات للجمهور.

المزايا 
وحول مزايا تلك الخطوة، أكد كمال درويش أن الاتجاه لخصخصة الأندية بشكل مقنن سيعظم الموارد بشكل كبير وإنقاذ الأندية الشعبية والجماهيرية التي أصبحت تعاني من الإفلاس خاصة في ظل إنفاقها أموالا كبيرة وقلة العائدات، وتابع أن الأندية في شكلها الحالي تدار من قبل متطوعين يتم انتخابهم في مجلس الإدارة وبعضهم يكون ليس له علاقة بالنشاط الرياضي أو الاستثماري، على عكس الشركات التي تدار من قبل متخصصين محترفين بمقابل مادي يتم انتخابهم من قبل الشركة، بغرض الربح جزء منها للنادي بنسبته 51% والباقي يتم توزيعه طبقا للأسهم.


وبشأن مكاسب الأندية من تلك الخطوة، أكد كمال درويش أن الخصخصة هي الوسيلة الفعالة لتطبيق الاحتراف الكلى والقضاء على المحسوبيات في الأندية، كما أنها وسيلة ممتازة لاختيار الأكفأ، بجانب إراحة الحكومة من التزاماتها المالية للأندية وتخفيف عجز الموازنة العامة للدولة ووتقليل معدل التضخم لتخفيض العبء المالي ونشر ثقافة وتوعية وتشجيع القطاع الخاص في الاستثمار في المجال الرياضي وزيادة فرص العمل للرياضين في القطاع الرياضي لإدارة المشاريع المختلفة.


وحول تجربة النادي الأهلي بإنشاء 3 شركات، أكد كمال درويش أن الأهلي كان سباقا في هذا المجال بفضل اعتماده على الدكتور سعد شلبي أستاذ التسويق الرياضي والمدير التنفيذي الحالي للنادي، وعلى الأهلي فتح باب الاكتتاب بأسهم للجماهير والمستثمرين وأعضاء النادي خلال الفترة المقبلة لتعظيم الاستفادة من تلك التجربة، وطالب رئيس الزمالك السابق، باقي الأندية بالسير على خطى النادي الأهلي وتعميم تلك التجربة التي ستحقق مكاسب كبيرة.


أمر ملح

فيما أكد الدكتور كرم البنا، الخبير الكروي والمدير الفني لأكاديمية نادي برشلونة الإسباني، أن خصخصة الأندية المصرية بات أمرا ملحا ومهما للغاية من أجل تضخيم عائدات تلك الأندية والوصول إلى اللامركزية في الإدارة وسرعة اتخاذ القرار، بجانب توفير الأموال الضخمة التي تنفقها الدولة في دعم تلك الأندية دون نتيجة، والاستفادة من تلك الأموال في توسيع قاعدة الممارسة الرياضية ودعم مراكز الشباب وإنشاء ملاعب وصالات جديدة.

وأضاف المدير الفني لأكاديمية برشلونة الإسباني، أن التجربة الإسبانية في إسبانيا كانت رائعة حيث تبن الحكومة المشروع وحددت الدعم الذي ستقدمه للرياضة بـ٥٢٪ وتركت ٤٨٪ للقطاع الخاص مع وضع أهداف لتلك التجربة بعد تأسيس الشركات بضرورة الاهتمام باكتشاف ورعاية الناشئين وتطوير المهارات، وهو ما حقق مكاسب كبيرة باكتشاف عدد من نجوم الرياضة العالمية في كل اللعبات على رأسها كرة القدم واليد والسلة إلى جانب التنس وغيرها من اللعبات الفردية.

وشدد كرم البنا على أن الرياضة المصرية بدأت تخطو خطوات جيدة في ملف الاستثمار الرياضي بعد ظهور عدد كبير من الأندية الخاصة وأندية الشركات، وعلى باق يالأندية الجماهيرية أن تتجه سريعا إلى تلك الخطوة مثلما فعل النادي الأهلي خاصة أن عدد كبير من تلك الأندية يعاني أزمات مالية كبيرة.

نقلًا عن العدد الورقي…،

الجريدة الرسمية