رئيس التحرير
عصام كامل

الهروب إلى الموت

ما الذي يدفع شابًا إلى هجرة غير شرعية وهو يعلم أنه يخاطر بحياته؟ وما الذي يدفع أسرة إلى ركوب البحر ليلًا وهي تعلم أن مصيرها قد يكون الموت غرقًا؟ لماذا يهرب المواطن من بلده وهو على يقين أن هروبه إن لم يأخذه إلى الموت يقربه منه؟ 

مشاهد تدمي القلب، تلك التي نراها على حدود بيلاروسيا مع بولندا، أبطالها من العرب الذين فروا من بلادهم في هجرة غير شرعية ليتحولوا إلى ورقة ضغط تساوم بها بيلاروسيا بولندا ودول الاتحاد الأوروبي، ساروا على أقدامهم عشرات الكيلو مترات في ظروف مناخية سيئة، ليستقروا في الشريط الحدودي بين الدولتين، لا طعام ولا شراب، لا تدفئة ولا دواء، إذا تسلل أحدهم عائمًا إلى إحدى قرى بولندا الحدودية مات غرقًا، وإذا فكر في الإقتراب من الأسلاك الشائكة مات مختنقًا بقنابل الدخان، وإذا ظل على الحدود مات متجمدًا.

الموت على الحدود

تضاربت الأقوال حول أعدادهم، هل هم ثلاثة آلاف أم أكثر، فقد حجبت بيلاروسيا وبولندا الحقائق عن وسائل الإعلام، وحالت في البداية دون وصولها إليهم، ليجتهد بعض الشباب العالق في بث بعض المشاهد من معاناة المهاجرين لعلها تحرك الضمير العالمي.

أغلب هؤلاء من العرب، وتحديدًا من العراق وسوريا ولبنان، كان مثوى بعضهم الأخير في الغابات دون تشييع أو دفن، ومثوى البعض الآخر كان في مقبرة للجالية المسلمة متاخمة للحدود في بيلاروسيا، وآخرون دفنوا في نفس المكان الذي ماتوا فيه، أما الأحياء فيموتون في اليوم ألف مرة، تتهددهم الطائرات البولندية التي تجوب سماء الحدود ليل نهار، وقنابل الدخان، وخمسة عشر ألف جنديًا خصصتهم بولندا لمنعهم من دخول أراضيها.

شاب عراقي مات متجمدًا.. إتصل صديقه بأسرته، فطلبت والدته أن يفتح كاميرا هاتفه المحمول ويبث من خلالها لحظات دفنه على الحدود، مشهد يهز قلب وضمير العالم، إذا كان هناك بالفعل قلب وضمير. وشاب آخر من سوريا.. أكد أنه لن يعود إلى بلاده، فالجوع على الحدود مثله في وطنه، والخوف من الموت واحد. أرسلت العراق طائرة لإستعادة بعض مواطنيها، فيما رفض البعض الآخر العودة، مؤكدًا أن البقاء كالعودة، كلاهما موت.

لقد تبدل الحال، وتحول العراق الغني بثرواته والذي كان قبلة للباحثين عن فرصة عمل إلى وطن طارد لمواطنيه، وكذلك سوريا ولبنان.

الغرب أفقر العرب عندما فتتهم واستنزف ثرواتهم، وبعض الحكام أفقروا وقتلوا الملايين من شعوبهم ليستمروا على كراسيهم، وصارت منطقتنا مسرحًا للحرب والقتل والقمع، حتى أصبح البقاء فيها موت، والفرار منها موت، وما العالقين بين بيلاروسيا وبولندا إلا مقهورين، فروا من الموت إلى الموت.

besheerhassan7@gmail.com

الجريدة الرسمية