الحكومة الجديدة.. كلمة السر في إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا
مؤتمر دولي جديد حول ليبيا عقد الأسبوع قبل الماضي في العاصمة الفرنسية باريس، للبت في عدة ملفات مهمة على رأسها الانتخابات الليبية والمقاتلين الأجانب "المرتزقة"، وأملًا في نجاح قادة فرنسا وليبيا وألمانيا وإيطاليا ومصر، إضافة إلى نائبة الرئيس الأمريكي ودول الجوار الليبي المشاركين في المؤتمر في تهدئة التصعيد بين الفصائل المتناحرة في الشرق والغرب، وغلق باب الخلافات بينهم بشأن القوانين الانتخابية التي باتت تمثل عبئًا وتهديدًا على العملية السياسية والانتخابية في البلاد.
وخلص المؤتمر إلى تسليط الضوء على عدة نقاط والاتفاق عليها، حيث اجتمع المشاركون في المؤتمر على ضرورة إجراء الانتخابات الليبية في موعدها المحدد نهاية ديسمبر المقبل وعدم تأجيلها بسبب خلافات الأطراف السياسية المحلية المتنازعة على القوانين الانتخابية.
العملية الانتخابية
كما اتفق القادة المشاركون على امكانية فرض عقوبات في إطار مجلس الأمن الدولي ضد أي شخص يحاول عرقلة خط سير العملية الانتخابية والانتقال السياسي للبلاد، إضافة إلى الاتفاق على ضرورة أن تعلن نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل متزامن، وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية وتوحيد المؤسسات الليبية.
وجاءت تلك القرارات التي اتفق عليها القادة المشاركون في المؤتمر الدولي الذي عقد الجمعة الماضية في العاصمة باريس بعد أن طالب رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة بقبول كل الأطراف نتائج الانتخابات، والتزامهم بها وعدم العمل على التلاعب فيها، متعهدًا بتسليم السلطة بعد ضمان نزاهة العملية الانتخابية وتعديل قوانينها وحل النقاط الخلافية.
فماذا بعد مؤتمر باريس ؟ وهل يتم فرض عقوبات على الأطراف التي تعرقل الانتخابات وخاصة تنظم الإخوان، وماذا يعني استمرار المرتزقة الأجانب حال عدم التزامهم بتلك القرارات، وهل يؤثر ذلك على مستقبل ليبيا السياسي؟
المرتزقة
الدكتور أيمن سمير، الباحث والخبير في العلاقات الدولية قال: إن البيان الصادر عن قمة ومؤتمر باريس كان واضحا في المطالبة بإخراج جميع الميليشيات والمرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، مشيرا إلى أن أهمية كلمة القوات الأجنبية هنا، نظرًا لأن المقصود بها ليس فقط الميليشيات والمرتزقة والدول مثل سوريا والصومال، ولكن أيضا قوات الدول الأخرى مثل القوات التركية وما تسميهم تركيا بالمستشعرين الأتراك، لذلك سارعت تركيا بـ انتقاد هذا البيان، وكذلك الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون جراء مطالبته تركيا وروسيا بسحب عناصرهم من ليبيا.
وتابع الدكتور أيمن سمير قائلًا: سوف يكون هناك عقوبات على الأطراف التي تعرقل خروج المرتزقة والإرهابيين والقوات الأجنبية من ليبيا، لكن هذه العقوبات ربما تكون على الأطراف المحلية الليبية فقط، لكن فكرة فرض عقوبات على الأطراف الدولية الداعمة لهذه الميليشيات مستبعدة لأن الإدارة السياسية غير مبلورة في هذا الأمر، فالحديث الآن يجري على تفاصيل "القرار 2570" و"القرار 2571 "، لأن تلك القرارات تدعو في المضمون والمعني الخاص بهما لضرورة إخراج كل قوات المرتزقة والمتطرفين والإرهابيين وأيضا كل القوات الأجنبية وهذا واضح من خلال إرادة ثلاثين رئيس ورئيس حكومة ووفد ومنظمة دولية وإقليمية ودولية شاركوا في مؤتمر باريس حول ليبيا.
وأضاف الخبير الدولي: إن مشكلة تركيا أنها مازالت تتشبث بأن عناصرها وقواتها المتواجدة في ليبيا دخلت بموجب اتفاق مع فائز السراج في نوفمبر2020، زاعمه أن وجودهم هناك شرعي وثمرة لا تفاق قانوني بين الحكومتين التركية والليبية المعترف بها دوليا في ذلك الوقت من وجهة نظر تركيا، ولأن هذه الحكومة كانت حكومة معيبة من حيث التصرف والسلوك وأيضا الشرعية التي لم تحصل عليها من البرلمان الليبي في أي يوم من الأيام، لذلك فإن بيان مؤتمر باريس قال جميع القوات الأجنبية أي لن يبقي على الأراضي الليبية إلا الشعب الليبي فقط.
وأوضح الدكتور أيمن سمير قائلًا: في تقديري عندما يتم انتخاب سلطة تشريعية وتنفيذيه جديدة في ليبيا ليس عليها فواتير لهذه الدولة أو تلك يمكن وقتها أن تطالب بإخراج القوات الأجنبية من ليبيا، لأن الحكومة الحالية أو حكومة السراج ما كانت تستطيع أن تقوم بتلك الأمر، نظرًا لارتباطها بطريقة أو بأخري بهذه الأطراف الإقليمية التي أرسلت المرتزقة إلى ليبيا، لكن وجود حكومة جديدة جاء بها الشعب الليبي ومدعومة من دول الجوار والمنطقة العربية والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية التي مثلتها نائبة الرئيس كامالا هاريس في مؤتمر باريس كل ذلك يدفع بـ الضغط على تركيا لإخراج عناصرها من ليبيا.
لكن في حال عدم خروجهم سوف يكون ذلك عامل مزعزع ليس فقط للاستقرار الليبي ولكن أيضا لدول الجوار، فلا يمكن للحكومة القادمة في ليبيا أن تتخذ قرارات فيها نوع من الحرية والتجرد والعمل فقط لصالح الشعب الليبي في ظل وجود بندقية موجهة على هذه الحكومة من قبل هذه الميليشيات والقوات الأجنبية، وبالتالي لا يمكن أن نري استقرار داخلي في ليبيا، الأمر الأخر وجود تلك العناصر سوف يكون بمثابة مغناطيس لجذب كل العناصر المتطرفة في المنطقة وتحديدا من دول الجوار في منطقة الساحل والصحراء وبالتالي سوف تتحول ليبيا في هذا الوقت إلى بؤرة للتوتر وخلق المشكلات في المنطقة، ولا يمكن للشعب الليبي ودول الجوار والولايات المتحدة اللواتي يردن تبريد الصراعات والتوترات في منطقة الشرق الأوسط الرضا بتلك الأمر.
عقوبات اقتصادية
ومن جانبه قال الباحث محمد فتحي الشريف، مدير المركز الأفروآسيوي للدراسات والاستشارات: إن المجتمع الدولي قد يفرض عقوبات اقتصادية على معرقلي الانتخابات الليبية، خصوصا جماعة الإخوان الإرهابية، التي تلوح حاليا باللجوء للعنف، في حال ترشح للانتخابات أشخاص بعينهم، مضيفًا أن خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة الذي فرضه المجتمع الدولي، صرح مرارا بأنهم سوف يلجئون للسلاح في حال وصل للرئاسة من لا يرضونه، وهذا لا يمكن قبوله من قبل المجتمع الدولي، فكيف يعقل أن يشترط أحد الأطراف إقصاء منافسه رغما عن الجماهير التي ترفض هذا السلوك.
ولفت إلى المنطقة الغربية القرار الأعلى فيها للمجموعات المسلحة المرتبطة بالخارج خصوصا تركيا التي تعمل على عرقلة المسار السياسي، خوفا على نفوذها، خصوصا وأنها ترفض خروج المجموعات المسلحة والمرتزقة التابعين لها من ليبيا، وتتذرع بأنهم دخلوا وفق اتفاقية وقعت مع حكومة الوفاق غير الشرعية.
وبخصوص مؤتمر باريس الذي عقد مؤخرا بحضور عدد من قادة دول العالم والمنظمات المجتمع المدني، أكد الشريف أن المجتمع الدولي دأب على الاجتماع بشكل بروتوكولي، لكن في النهاية لا شيء يحدث على الأرض، موضحًا أن المهم هو تطبيق مخرجات هذه اللقاءات الدولية، خصوصا وأن هناك انقسام دولي حول ليبيا بسبب التنافس الدولي والتكالب على البلاد الغنية بالنفط.
وأشار إلى أن المؤتمر لم يحسم موقف المرتزقة والقوات الأجنبية الموجودة في ليبيا، على الرغم من وجود أعضاء لجنة 5+5 ضمن المشاركين في المؤتمر، منوها بأن استمرار الانقسام الدولي حول ليبيا قد يؤدي إلى عرقلة المسار السياسي، خصوصا وأن دولة كتركيا تدعم مجموعات مسلحة، ولا يتوقف دورها في ليبيا على حد التنافس والصراع الدولي مع الدول الأخرى.
نقلًا عن العدد الورقي…،