غزوة المؤيدين والمنتسبين.. آخر ورقة للمرشد في تدمير منصات التمرد داخل الإخوان
حرب صفرية، هكذا بدأت وإلى هذا المسار ستنتهي بين جبهات الكبار داخل جماعة الإخوان، الذين يتصارعون منذ أسابيع على قيادة التنظيم، وتشتعل الأحداث بينهم يوميًا بل وكل ساعة، والجديد في القضية قد يكون زلزالا تاريخيًا داخلها.
فالأمين العام المفصول بقرار من القائم بأعمال المرشد إبراهيم منير استطاع تأمين إخوان الداخل تمامًا، اعتمادًا على علاقاته التاريخية بهم وخاصة كبار السن، كما يؤمن مصادر التمويل في الخارج ويقنعهم حتى الآن، أن التواصل مع «إبراهيم» خطر على صورتهم الذهنية بسبب نظرة بلدان العالم المريبة للتنظيم الدولي الذي يرأسه منير، ولا يملك أي خبرات تنظيمية غيره.
ومن ثَم فمجموعة محمود حسين هي الأنسب لقيادة الجماعة في الوقت الحالي، لكن إبراهيم منير لم يستسلم للهزيمة التنظيمية التي تفرض نفسها على الواقع الإخواني، ويعمل الآن مع لوبي الشباب الذي صعده على دهس الحرس الحديدي القديم بالضربة القاضية، وبطريقة غير مسبوقة في تاريخ التنظيم.
تصعيد المؤيدين والمنتسبين
بحسب مصادر داخل الإخوان، تدرس القيادات الشابة، تصعيد الفئات المختلفة من الذين لم يحصلوا على عضوية عاملة من قبل، والتي تلزمهم بعدة قواعد لكنها في المقابل تعطي لهم أصواتا وهوية، خاصة أنهم الأكثر تمردًا والأعلى صوتًا من غيرهم داخل الجماعة، وضخ هذه العضويات لا يضمن فقط إرباك المشهد الداخلي لحسين ومجموعته، لكن سيوفر أيضًا الكثرة العددية والأموال المطلوبة بشدة للصرف على أنشطة التنظيم في هيئته الجديدة، في ظل منع محمود حسين وجبهته كل مصادر المال عن القائم بأعمال المرشد.
تورتة العضوية العاملة
العضوية العاملة في الإخوان ليست أمرًا سهلًا، وفقًا للنظام الأساسي هناك عدة تدرجات قبل الحصول على العلامة الكبرى، تبدأ من مؤيد ومنتسب مرورًا بمنتظم وعامل، حسب التصنيف الإخواني على التوالي، وهناك آليات تُحددها الجماعة حتى يتم تصعيد العضو من مرحلة إلى أخرى أو من تصنيف إلى آخر؛ إذ يجب اجتيازه أولًا عددًا من الاختبارات التنظيمية السلوكية، وتعتبرها الإخوان مثل الأسرار الحربية؛ حيث تقوم أكثر من جهة في الجماعة على متابعة العضو وكتابة التقارير عنه للتأكد من التزامه التام بأفكار وتوجهات الإخوان حتى يتم محنه العضوية العاملة.
ومع جرأة الفكرة، لكن يتخوف بعض الشباب من هذه الخطوة ويعتبروها تصل حد الانتحار التنظيمي؛ فالعضوية العاملة كانت تقتضي أولًا التأكد من فهم صاحبها العقيدةَ الإسلامية وفق المنظور السني، ومصادر التشريع، والمذاهب الفقهية، ومدارس أهل السنة، وقدر كبير من التاريخ والجغرافيا، وكتب الصحاح، والإلمام بقضية الخلاف السني الشيعي، كما تقتضى العضوية العاملة أيضًا مجموعة التزامات تنظيمية، على رأسها مدى استعداد العضو للالتزام بمبادئ النظام الأساسي للإخوان، وفهمه للعضوية وشروطها ومراتبها، ومدى التزامه بفهم «الجماعة» للإسلام والالتزام بمواقفها تجاه القضايا العامة.
كما تستوجب العضوية العاملة ضمان التزام العضو بخطة الإخوان في القطر الذي يتبعه وآلياته لنمو التنظيم فيه، والتزامه بالمواقف السياسية للإخوان في القضايا المحلية، والوسائل التي تتبعها لتحقيق أهدافها، ومدى التزامه أيضا بالمساهمة دون كلل في تحمل أعباء الدعوة وعلى رأسها تسديد اشتراك سنوى تحدد قيمته بالاتفاق مع مكتب الإرشاد العام، وكل هذه الاشتراطات لا يمكن التأكد منها في ظل التشرذم الذي تعيشه الجماعة، بجانب انفصال الرأس التنفيذي في المهجر عن الجسد داخل مصر.
ضربة محسوبة أم لا
هذا السؤال قد يكون من ضروب الرفاهية، فلم يعد هناك اختيارات أصلًا في الصراع الذي يذهب بعيدًا يوم بعد الآخر، لكن العبء الحقيقي الذي يقع على عاتق جبهة الشباب في الإخوان التي تقترح هذه الفرضية، هي كيفية تصعيد هؤلاء في منظومة شديدة التعقيد؛ فالمكتب الإداري الحاكم لكل محافظة يسيطر عليه محمود حسين ومجموعته والمكتب بحسب مهامه يشرف على المناطق الواقعة في نطاقه.
ينبثق من كل مكتب إداري عدة مؤسسات أخرى، لكن كلها تتبع رئيس المكتب بشكل شديد المركزية بحيث لايستطيع أحدهم اتخاذ أي قرار بدون العودة إليه وخاصة لو كان يشمل نوع من المخاطرة، أو يخرج عن الإطار الحاكم للجماعة، وحسب إرث الإخوان التنظيمي، لايملك المجلس الإداري، أو رئيس الشعبة الرئيسية اتخاذ أي قرار في المناطق الواقعة بدائرة المكتب الإداري دون العودة لرئيسه الذي يمثل الجهة الحاكمة العليا في الإخوان، سواء كان المرشد أو من يقوم بدوره ـ حاليًا محمود حسين ومجموعته ـ وبالتالي ضخ العديد من العناصر المدرجة على قوائم الانتظار في الانتساب أو المتعاطفين ليس سهلا بالمرة.
وتشير التوقعات أن هذه العملية قد تطول زمنيًا، خاصة أن كل المناصب الكبرى داخل مصر يسيطر عليها كبار السن، الذين عملوا مع محمود حسين خلال فترة توليه الأمانة العامة للإخوان، وخلال تحكمه بالكامل في شئون التنظيم طوال السنوات الماضية، ويعي الشباب الموالي لإبراهيم منير أن تجنيد المنتسبين الذين يريدون الترقي إلى جدول العاملين يحتاج إجراءات جديدة ومبتكرة، فالشعبة رغم كونها أصغر الوحدات الإدارية في هيكل التنظيم الإخواني، إلا أنها محكومة بمجلس إدارة ورئيس ونائب ووكيل وسكرتير وأمين صندوق.
لكن ما قد يسهل مهمة الشباب بحسب المصادر، أن اختراق الشعبة ممكن، خاصة أنها تضم في تشكيلها المنتظمين والمنتسبين أو من هم تحت الاختبار، وجميعهم جرى إخضاعهم لنفس الأسلوب التنظيمي باعتبارهم على رادر الجماعة لفترة قد تطول سنوات قبل أن يتم إشراكهم في قمة الهرم التنظيمي لاحقا، ومعنى ذلك أن المؤيدين والمنتسبين انصهروا في التنظيم، وقاموا بواجبات عضويتهم ولو بشكل مقبول، ومن يريد منهم الارتقاء لمرتبة العضوية العاملة سيكون على استعداد للبيعة على السمع والطاعة وباقي مستلزمات التنظيم.
التمويل.. المصدر الأخير للبقاء
رغم الصعوبات الكبيرة التي تكتنف هذه العملية، لكنها السبيل الوحيد للنجاة للقائم بأعمال المرشد وجبهته والمؤيدين لهم؛ فتاريخ التنظيم يؤكد أن كل حرب تندلع داخل صفوف الإخوان من هذا النوع تنتهي بالإجهاز تمامًا على المهزوم وطرده من صفوف الجماعة، وهدم مسيرته داخلها، وتعتبر إيرادات العضوية المصدر الأهم والوحيد داخل القطر المحلي الآن لعموم الإخوان، فالحكومات المختلفة تحكم رقابتها على المصادر الأخرى للتمويل، وليس أمام التنظيم إلا ما يجمعه من أموال اعضاءه للصرف على أنشطته السرية.
بجانب الرهان على تخوف الكبار من انفراد عقد التنظيم إذا نجحت الخطة، وبدلًا من ذلك سيضطرون للخضوع للقائم بأعمال المرشد حتى يتم تصعيد مَن سيخلفهم تحت نظرهم وبأسلوب يناسب الإرث التاريخي للجماعة بدلًا من تدمير ما تبقى منها بالحرب على الولاء والعضوية.
نقلًا عن العدد الورقي…