المصارف اللبنانية أفدح السقطات السياسيّة المدوّية
وهل يدرك القضاء اللبناني بأنه هو آخر المعاقل المرجو تحييدها عن السياسة، والمفروض أن يلعب دوره بحذاقة ونزاهة وبراعة منقطعة النظير، وذلك بأن يتخطّى روتينية المحاكم، وأمراضها البيروقراطية الفتّاكة، التي يجترها الزمن وتبهت فيها الأوراق وتتراكم الغبار وتذبل الحقائق ويسأم المشتكي وعبثًا يعثر على حل تحت قبّة العدالة التي تفتقر للعدالة..
بوسع السيد طلال أبو غزالة أن يلجأ لو شاء إلى المحاكم الدولية بدعوى عاجلة يمكن أن تسبب حرجا للحكومة اللبنانية، لكنه فضّل التروّي والصبر على إحراج البلد الذي يحبّ، والذي لطالما مدّ إليه يد العون والمساندة، وكان ينبغي على الحكومة اللبنانية فور نشر خبر ما حصل مع السيد طلال أبو غزالة في بعض الصحف اللبنانية، أن تتنبه وتتخذ قرارًا فوريًا بحكم صلاحياتها وتلملم الفضيحة المصرفية وتعمل جاهدة على إنصاف السيد طلال أبو غزالة، فهو لم يودع مبلغا بسيطا بل هو ميزانية حقيقية ساهمت في رفع منسوب الإيداعات في المصرف المركزي لسنوات..
أزمة الحكومة اللبنانية
ومن المؤسف حقًا أن يخسر لبنان ثقة السيد طلال أبو غزالة أولًا بصفته خبيرا دوليا في الاقتصاد وعلاقاته تنسحب على شركات في القارات الخمسة والتي تثق برأيه ثقة تامة، ثانيا بصفته مستثمرًا في العديد من القطاعات، وأمثاله من المودعين العرب الذين اعتمدوا على الصدقية في السياسة المصرفية في لبنان، إلا أن الخيبة كانت أفدح من أن يتقبّلها عقل أو يرضاها منطق، فهل تدرك الحكومة اللبنانية التي تتعاقب بين تشكيل وتشكيل فداحة الموقف، هل المطلوب ضرب القطاع المصرفي عرض الحائط، أم استدراك الأمر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لاستعادة ما أمكن من الثقة لإرضاء السيد طلال أبو غزالة والذي لا يمثّل نفسه كشخصية استثنائية وحسب، بل يمثّل معظم أهم الشركات في العالم فهو الخبير المالي والمؤلف الاقتصادي لأهم النظريات في عالم الأعمال لكبريات الدول الصناعية، وهو صانع التميّز والثقة، فهل يجوز أن تفرّط الحكومة اللبنانية بأحد أهم الذين استأمنوها على أموالهم وتضرب سمعتها لدرجة يصعب بعدها استعادة ماء الوجه وإصلاح الحال ليصير من المُحال؟!
لم يفت الأوان بعد.. وبوسع الحكومة اللبنانية التدخّل للملمة الفضيحة المخزية بحقها وهي الاستيلاء على أموال أهم المودعين العرب لديها، فلصبر السيد طلال أبو غزالة حدود، ولاحتماله على ضبط النفس قدرة يمكن أن تشرف على النفاد، وفي حال خرجت القضية من المحاكم اللبنانية التي تماطل في حسم الحل منذ أكثر من عام ونصف حتى يومنا هذا إلى محكمة دولية يمكن وقتها أن تحصل مضاعفات ومتاهات لا تنقص لبنان مغبّتها، وتستجر بعض الأمور التي لا تُحمد عقباها، وأنا هنا أكتب ما أكتب، ويعتريني خجل شديد من السيد طلال أبو غزالة في بلد أحبّه وأعطاه.