التعايش بين الرجل والمرأة
إن التعايش بين الرجال والنساء فى واقع مختلط صار يحتِّم عليهما أن يتواجدا معا فى الأسواق والمحلات والشوارع والمؤسسات والوظائف ومختلف المرافق العامة..
وإننا اليوم لا نملك أن نفصل بين الجنسين؛ لأنهما معا يبحران على متن سفينة الحياة، يواجهان نفس المصير، ويتشاركان معا تحمل المسئولية، واتخاذ القرار فى كل القضايا، وهذا يدعوهما ليتقاسما معا الحق فى استنشاق الهواء النقى، والتمتع بما أنعم الله به عليهما من سماء، وأرض، وبحر، وهواء، وأسباب العيش الكريم، وما سخره الله لهما من أسباب الكسب والتمتع الحلال، والتأمل المشترك فى وجودهما معا، واكتشاف أسرار الكون ونواميس الطبيعة، وجمال الخلق فى الأنفس والآفاق، وتذوق روعة الإبداع فى الخلق والصنع، وتدبر الحكمة من هذا الوجود الكبير والعظيم، والتفكر فى وجودهما وتقاسمهما أسباب الرزق والسعى، يتأملان معا دقائق الأشياء وتفاصيلها، وحركاتها وسكناتها، ويتحققان بحواسهما وإدراكهما للحقيقة الكاملة المستوحاة من وجودهما معا يشهدان آيات الله واقعًا ..
وأن من جمعهما على اختلاف بينهما فى الشكل والملامح، والخصائص والطبائع، والقدرات والمؤهلات، ليس إلا الله وحده سبحانه.
وأن من خَلَقَ نوعين من خَلْق واحد، وألّف بينهما، وجعلهما لبعضهما سكنًا ومودة ورحمة، مع كل التضاد والتناقض والاختلاف الذى بينهما، قد اختارهما لحمل أمانة الاستخلاف، وتبليغ رسالة عظيمة، هى رسالة الإسلام عقيدة ودعوة وعبادة، ورسالة سلوك ومعاملة، ورسالة تخاطب العاطفة والفكر، والروح والجسم، وتحقق الإيمان فى أعلى مراتبه..
إنهما معا يتحركان بالشارع ويدبان على الأرض، ويعملان لكسب الرزق، ويحققان النماء والازدهار بالتزامهما بآداب الإسلام فى الطريق، وصيانتهما للحرمات والأعراض، وحفظهما لكرامة الإنسان ذكرًا كان أو أنثى، وحفظهما للحريات المشروعة فى العيش بشرف، والعمل فى محيط نظيف غير موبوء بنفايات القيم ..
إنهما معا يمتلكان الحق فى الحياة الطيبة الكريمة الشريفة، ويتحملان المسئولية الملقاة على عاتقهما، ويلتزمان بالرعاية للحقوق وأداء الواجبات، وإنجاز وظيفتهما بأمانة وإخلاص، بحسب ما يتناسب مع خصائصهما، وتكوينهما، وغايات وجودهما..وحماية الغرائز والشهوات، وصيانة الجوارح من الوقوع فى المحرمات، باستشعارهما لوجود رقابة أكبر وأعظم تحيط بأخبارهما، وتتبع مخارج الحروف، واختيار الكلمات، وما ينطق به اللسان، وما تقترفه اليد، وما تتحرك إليه الخطى ..
وإدراكهما لحقيقة القدرة الإلهية الشاملة لكل الكائنات، القادرة على الجزاء والثواب، وعلى تغيير الأحداث، وتقدير الأقدار، وتصريف الأرزاق، وتحويل الأشياء بما يعجز عنه كل الخلائق بقول: كن، فيكون.