بعد موافقة جهاز حماية المنافسة على خفض الطاقات الإنتاجية.. ما الذي يمكن أن ينقذ صناعة الأسمنت؟
احتلت صناعة الأسمنت عناوين الأخبار في السنوات الماضية. وضع معقد بالنسبة لصناعة إستراتيجية للغاية وتساهم بحوالي ۱۰٪ من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد المصري. لقد شهدنا شركات تخرج من السوق مثل أسمنت طره، بينما قلصت شركات أخرى تكلفتها بعدة طرق لمجرد الإبقاء على إستثماراتها. وفي وقت لاحق من شهر يوليو لهذا العام، وافق جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية على طلب من ٢۳شركة لوضع حد أقصى للإنتاج.
هل سيؤدي ذلك أخيرًا إلى إنهاء مشاكل صناعة الأسمنت؟ وهل سنرى أخيرًا نهاية لنزيف خسائر منتجي الأسمنت؟
تحدثنا في هذه التغطية إلى كارلوس جونزالز، الرئيس التنفيذي لشركة أسمنت أسيوط، أحد أكبر منتجي الأسمنت في مصر.
ما هو برأيك السبب الرئيسي وراء هذا الوضع الصعب لصناعة الأسمنت؟
وقال: "إن وضع صناعة الأسمنت ليس نتيجة لمتغير واحد، إنه سلسلة من التحديات المتتالية التي أثرت بشكل كبير على الصناعة. بدءا من عام٢٠١۷حيثارتفعت أسعار الطاقة للنشاط الصناعى بشكل كبير وكان لذلك تأثيرا كبيرا على صناعة الأسمنت لأن ٧۰٪ من تكلفة إنتاجها هي طاقة.
وتابع قائلًا: "لاحقًا وفي عام ٢٠١۸، دخلت طاقات إنتاجية جديدة إلى السوق مما أدى إلى زيادة كبيرة في العرض، وارتفاع الإنتاج ل٨٥مليون طن مقابل حجم استهلاك يقدر ب٤٨مليون طن. حاول المنتجون اعتماد استراتيجيات مختلفة تسمح لهم بالإبقاء على أعمالهم لحين انتهاء الأزمة، لكن للأسف جاءت جائحة كورونا وأثرت على الاقتصاد بأكمله بشدة. في الوقت نفسه، شهدنا تغييرات في قوانين البناء حيث تم تعليق تصاريح البناء للوحدات السكنية في بعض المحافظات لمدة ٦أشهر.
وبينما كان هذا كله يحدث، انخفضت أسعار الأسمنت بشكل كبير، لدرجة أن أسعار الأسمنت في ٢۰٢۰كانت أقل من ٢۰١٦بنسبة -١۰٪، بينما ارتفعت معدلات التضخم في نفس الفترة بنسبة ۷۰٪. وقد أدى ذلك إلى تأزم وضع الصناعة بشكل لا يمكن للشركات وحدها حله. ولكونها صناعة استراتيجية، قامت الدولة بالتدخل من خلال آلية لتقليل إنتاج الشركات المصنعة وفقًا لمجموعة من المعايير التي أخذت في الاعتبار طلب السوق وعمر وحجم كل شركة مما أعطى بصيص أمل لصناعة الأسمنت التي كانت تحتضر.
لقد شهدنا تفسيرات مختلفة لقرار جهاز حماية المنافسة بالموافقة على خفض الطاقات الإنتاجية في وسائل الإعلام، فالبعض يراها خطوة طال انتظارها لإنقاذ الصناعة والبعض الآخر يعارض النهج ويرى أن الزيادات الحالية في أسعار الأسمنت غير مبررة. كيف تراه كشركة مصنعة للأسمنت؟
يعد قرار جهاز حماية المنافسة خطوة هامة نحو استعادة توازن الصناعة شريطة أن تستجيب ديناميكيات السوق للفجوة بين الطلب والعرض من أجل الوصول إلى سعر عادل يسمح للمنتجين بالاستمرار في ممارسة أعمالهم. لذلك، ساهمت الحكومة في دعم الصناعة كثيرًا من خلال توفير البيئة اللازمة لصناعة الأسمنت للنهوض مرة أخرى.
لسوء الحظ، مع بدء تفعيل قرار حماية المنافسة لتحقيق التوازن في السوق، تسببت أزمة سلسلة التوريد العالمية في إحداث فوضى في أسعار مدخلات الإنتاج مما يجعل من المستحيل تحقيق أي هامش دون تمرير جزء من التكلفة إلى المستهلك. لأعطيك مثالا؛ فقط في الأشهر القليلة الماضية، ارتفعت أسعار الفحم الأحفوري من ۷٥دولارًا في ديسمبر ٢۰٢۰إلى ۱٧٥دولارًا في أكتوبر ٢۰٢۱، وارتفعت أسعار الفحم من ٦٥دولارًا إلى ٢۳٣دولارًا لنفس الفترة. زادت المدخلات الأخرى كذلك؛ إذ زاد المازوت بنسبة ٨٪ الشهر الماضي وحتى الورق المستخدم في إنتاج شكائر الأسمنت زاد بنسبة ٣٣٪ في الأشهر الستة الماضية ومن المتوقع أن يصل إلى ٥٦٪ زيادة في عام ٢۰٢٢. كل هذا عبء إضافي على تكلفة الأسمنت. لن تتمكن الصناعة من التعافي بشكل طفيف من خسائرها المتتالية ما لم تتراجع أسعار مدخلات الإنتاج أو ترتفع أسعار الأسمنت لاستيعاب الزيادات في تكلفة الإنتاج، وإعطاء المنتجين مساحة لدعم أعمالهم.
علاوة على ذلك، إذا أخذنا في الاعتبار الزيادة في أسعار الأسمنت في عام ٢۰٢۱، فستجد أن الأسمنت هو المنتج الذي حقق أقل زيادة في آخر ٥ سنوات مقارنة بمواد البناء الأخرى لنفس الفترة. إذا قارنت سعر الأسمنت منذ عام ٢۰١٦ وحتى هذا العام، فقد ارتفع السعر بنسبة ١٣٪ (بعد انخفاض بنسبة -١۰٪ من عام ٢۰١٦إلى عام ٢۰٢۰) بينما زاد الحديد على سبيل المثال بنسبة ٤٧٪، وزاد الخشب بنسبة ١٣۰٪ والطوب بنسبة ٢٩٧٪، مما يثبت مرة أخرى أن الأسمنت هو مادة البناء التي سجلت أقل ارتفاع في الأسعار خلال الخمس سنوات الماضية.
أعتقد أن ما نشهده الآن على جانب تكلفة الإنتاج خارج عن سيطرة صناعة الأسمنت. يحاول كل مُنتِج وضع سعر يسمح له بالبقاء مع تقليل التأثير على العميل. أتوقع أن تواصل الأسعار الارتفاع لفترة من الوقت لحين الوصول إلى علاقة بين التكلفة والسعر تسمح للمنتجين بتحقيق هامش ربح.
أرجأ البعض الزيادة في الأسعار إلي قرار جهاز حماية المنافسة بالموافقة على خفض الطاقات الإنتاجية وطالب بالعدول عنه حتى تنخفض الأسعار، والحقيقة هي أن هذا القرار أنقذ العديد من شركات الأسمنت من شبح الإفلاس ، حيث أن كل طن يتم بيعه بأسعار منخفضة ما هو إلا إضافة إلي الخسائر التي تتكبدها بسبب زيادة أسعار المواد الخام التي تم شرحها من قبل وهذا وضع غير مستدام.