رئيس التحرير
عصام كامل

قرى المقاهي والمخدرات والفوضى

لم يعد المشهد كما عشناه صغارًا، حيث كانت القرية الناعسة تسكن بين بحرين من بحار المياه العذبة في الريف المصري، ولم يعد الناس على سجيتهم كما كنا نعرفهم.. تغيرت الصور والمشاهد والنفوس، تغير كل شيء، الناس والبيوت والهدوء، الأحلام تحولت إلى كوابيس والناس غير الناس بعد أن هجر الهدوء قرانا إلى غير رجعة.

 

كان بالقرية شاب خارج قواعد التقاليد، بعد أن ضبط في غير مرة يجالس أهل البندر على مقاهيهم، كان الكبار يخشون على والده إن علم بما وصل إليه حال الابن، يجالس أهل البندر على المقاهى!! أشفق الكبار على الأب، غير أن القرى التي كانت لا تبوح بأسرارها بالساهل باحت بسر الشاب الخارج على قانون القرية.. علم الأب بما يفعله ابنه فكان ما كان، ولم يعد الأب قادرًا على مواجهة الناس.. أي والله.

دهسنا الدهر وأكل من سنوات العمر ما حول القرية إلى قرية مغايرة لما كانت عليه قديمًا.. القرية التي لم يكن بها مقهى واحد تحولت دورة الأرضية إلى شبه غرز ينتصب عليها الشباب والعجائز بالساعات.. سكن الفراغ عقول الناس وبيوتهم وذاكرتهم.

 

مقهى كبير

لم يعد الفلاح يوقظ أهل بيته فجرًا، ولم يعد يصاحب تراب الأرض، ولم يعد صديقًا لأبي قردان، ولم يعد يقضي جل وقته بين بذوره وسماده وما تخرج الأرض من خيراتها.. سكن الفراغ قرانا والفراغ يصاحب الفساد والفقر وما يرافقهما من لوازم الآفات الضالة، أصبحت القرية مقهى كبيرًا يتنطع الكبار والصغار على مقاعده المتواضعة مستجلبين سير الخلق بكل رخيص.

 

والشباب الذين قضوا معظم أوقات حياتهم بين الدرس واللعب في مركز الشباب ما عادوا على سجيتهم، انتشرت دواليب المخدرات تتسرب إلى شرايين الكل دون تفرقة.. شباب ضائع وآباء تائهون ومجتمع لا يبالي ويلات العبث الأخلاقي المقيم.. ضاع حلم القرية بعد أن أضحى الضجيج هو السيد والفوضى هي الحياة بعينها.

 

شيء ما تغير بل أشياء.. ما عادت قريتنا تحمل على عاتقها تربية الأولاد، وصنوف الكيف تباع في الطرقات وعلى النواصي في غياب غير مبرر للأمن الذي كان يعرف دبة النملة في بيوتنا قديمًا.. تغير الأمن أيضًا وتغيرت معه قيم الريف.. كل شيء هنا مشوه.. ما عاد السفر إلى القرية نزهة.. أصبح كابوسًا مزعجًا.. كابوسًا يحتاج إلى تطهير القرى من كل عبث سكن فيها.

الجريدة الرسمية