أسرار أخطر انقلاب في تاريخ "الإخوان".. "تليجرام" شهد بداية التصعيد.. و"منشور" يرسم ملامح المواجهة
عاشت جماعة الإخوان على مدار تاريخها لحظات عصيبة، مرت بتصعيدات كبرى، غير إن هذه اللحظات لم تتحول إلى انقلاب متكامل الأركان كما حدث مع القائم بأعمال المرشد حاليًا إبراهيم منير، والذى نفَّذه بأساليبَ معقدة الأمين العام السابق للجماعة محمود حسين، بالاتفاق مع عدد من القيادات التاريخية فى التنظيم، ردًا على محاولات تهميشه، لينتهى الحال بـ«الإخوان» إلى انشطار كامل لعدد من الجبهات، كل واحدة منها لم يعد هم لها إلا الإبقاء على مصالحها ونفوذها.
الساعات الأخيرة
«انقلاب حسين» بدأت أولى خطواته بعد صدور قرارات صادمة من إبراهيم منير، الذى تولى منصب نائب المرشد العام والقائم بأعمال الجماعة قبل بضعة أشهر، بإقالة 6 من قيادات الجماعة وإحالتهم للتحقيق.
المفاجأة الكبرى التى صعقت الكثير من المنتمين للصف، أنه جاء على رأس المقالين من الجماعة أمينها العام السابق محمود حسين، الرجل الحديدى للتنظيم، إضافة إلى مدحت الحداد، همام يوسف، رجب البنا، ممدوح مبروك، أعضاء مجلس الشورى العام، ومحمد عبد الوهاب، مسئول جمعية الإخوان المسلمين المصرية بالخارج.
قبل صدور هذا القرار، كانت هناك كواليس ساخنة، وحرب استقطاب شرسة بين الجبهات المختلفة، لكن الساعات الأخيرة حملت تصعيدًا ناريًّا، حيث دشنت كل مجموعة جروبات على منصة «تليجرام» للطعن فى المجموعة الأخرى، وفضح فسادها الإدارى والسياسى والمالى، وما هى إلا ساعات قليلة وتطور الأمر بالتحريض على الانقلاب ضد القائم بأعمال المرشد الحالى عبر منشورات متتالية من ممدوح مبروك، عضو مجلس شورى الإخوان، دعا فى أخدها أعضاء المجلس ــ أحد أهم المؤسسات الحاكمة فى الجماعة ـ إلى اجتماع عاجل.
صاغ «مبروك» فى منشوره عدة قرارات، منها إقالة نائب المرشد من منصب القائم بالأعمال وإلغاء الهيئة المشكلة فى يناير 2021 لإدارة شئون الجماعة، وإبطال قرار تعليق عضوية 6 من قيادات مجلس الشورى على رأسهم الأمين العام السابق، ليرد سريعا إبراهيم منير بإصدار بيان فى الساعات الأولى من صباح الأربعاء الماضى، ردًا على التصعيد الدرامى للمتمردين الستة لاتخاذ إجراءات عزله وأكد على فصلهم تماما من الإخوان.
اشتعلت الأحداث داخل صفوف الجماعة، وخلال ساعات قليلة نشر الموقع الرسمى ـ «إخوان أون لأن» بيانا يؤكد نبأ الانقلاب، وأكد أن «مجلس شورى الإخوان اجتمع بالنصاب القانونى ووافقت غالبية المشاركين على إعفاء إبراهيم منير من مهامه كنائب للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين».
لم يصمت «منير» بعد مطالعته بيان «شورى الجماعة»، فسرعان ما رد القائم بأعمال المرشد بإعلان فصل جبهة التمرد، ودفع عدد من القنوات المعارضة لجبهة الأمين العام وخاصة «مكلملين» و«الحوار» بجانب موقع عربى 21 لشن هجوم شرس على جبهة التمرد، وإذاعة عدد من الأسرار المتعلقة بفسادهم الإدارية، وطريقة عملهم ورفضهم كل دعاوى الإصلاح، لدرجة أن القنوات حملتهم مسئولية تصعيد الصدام مع الدولة المصرية دون غيرهم.
لعنة 2013
حتى نتعرف عن قرب على الأزمة الحالية، يجب العودة إلى حدود عام 2013، الذى كان بداية تصدع جبهة القيادات التاريخية، عندما اشتعل التوتر والخلافات اعتراضها على جمود أسلوب الكبار داخل المجموعة الحاكمة، وضعفهم فى إدارة أزمات الإخوان المتتالية ورفضهم أي اقتراحات من خارجهم، وأسفر هذا الصدام فى النهاية عن توقيف عدد من كبار رموز الجماعة عام 2016.
توسع الحرس الحديدى بقيادة محمود حسين، بدعم آنذاك من قيادات التنظيم الدولى ومكتب لندن برئاسة إبراهيم منير نفسه، فى تطبيق عقوبة الإيقاف مع الإحالة للتحقيق التى تمنع العضو من مزاولة أي عمل أو نشاط، وتجمد عضويته فى الجماعة بشكل مؤقت، فإما يرجع للسمع والطاعة وعدم المجادلة والاعتراض، أو يتم التنكيل به وبمجموعته بل وبمحافطته كلها لو اقتضى الأمر، كما حدث مع محافظة الإسكندرية التى قطع عنها محمود حسين الدعم المالى بسبب الاعتراض المتزايد على سياساته.
لكن خسارة الإخوان صراعها السياسى مع الدولة المصرية، ولجوء أعداد كبيرة من كوادرها الشباب إلى تجميد عضوياتهم وتزايد الضغوط من كل اتجاه وخاصة جهات التمويل والدول الداعمة للجماعة التى تحاول بكل الطرق الآن إيجاد حيّل مبتكرة للوصول إلى توافق مع الدولة المصرية بالابتعاد عن التنظيم أولًا، أجبر إبراهيم منير على التفرغ لأزمات الصف.
معضلة الشباب
تقرب «منير» إلى الشباب، محاولًا التصدى لحل الخلافات التى اندلعت بين عموم الصف الإخوانى بسبب قضيتين رئيسيتين أصبحتا عمق الأزمة داخل الجماعة منذ 2013، الأولى انتخابات مكتب تركيا، التى ضغط لإجراءها بعد سنوات من التسويف من الأمين العام، وأسفرت عن الإطاحة بمحمود حسين ومجموعته، وهنا كان قرار التصعيد غير المسبوق، والقضية الثانية سوء أحوال شباب الإخوان المعيشية فى تركيا وتخفيض المرتبات والعمالة فى الفضائيات التابعة لها، والقيود التى أصبحت تفرض يوميًا على الإعلام الإخوانى دون إيجاد حل جذرى لأزمة الجماعة مع الدولة.
رغم صعوبة الحل وسط هذه التعقيدات، غير إن القائم بأعمال المرشد نجح فى استقطاب الشباب وتشكيل جدار حماية له بعد الاهتمام بمشكلاتهم والأخذ برأيهم، ومع الوقت أصبح منعزلًا بشكل شبه تام عن محمود حسين والحرس الحديدى القديم التابع له.
قرار إلغاء منصب الأمين العام الذى كان يشغله حسين وتجريده من صلاحياته الكبرى، أدى إلى قطع شعرة معاوية بينهما، ثم توترت العلاقات أكثر بسبب التفاف حسين على القرار ورفضه تسليم المكتب الجديد أي ملفات أو التعاون معه بالأساس، وحاول منير عن طريق دوائر عدة الوصول إلى حل سلمى معهم لكن انتهى الحال بإحالتهم للتحقيق.
من جانبه اعتمد «منير» على الشباب وشكل منهم جبهة نشطة لمواجهة أجندة محمود حسين التى تعتمد على علاقات عضوية ومصالح معقدة مع كبار قيادات الأسر والشعب الإخوانية داخل مصر، بعد أن تفرقت السبل بينهما وحتى الآن لم يحسم أي منهما الموقف لصالحه، ولهذا لجأ منير لتعيين أسامة سليمان وصهيب عبد المقصود متحدثين رسميين جديدين للإخوان، وهما من شباب التنظيم البارزين، بعد إقالة طلعت فهمى المتحدث الإعلامي السابق المحسوب على جبهة محمود حسين.
وبحسب مصادر داخل الجماعة، فإن «إبراهيم منير يعى جيدًا أنه يبلغ من العمر 84 عامًا، وجيله من كبار السن خسر الانتخابات الأخيرة فى إعادة تشكيل مكتب تركيا، التى استحوذ عليها الشباب تمامًا، وبالتالى الحرب التى فرضت عليه الآن من الأمين العام السابق لا يريد منها أكثر من حفظ تاريخه فى الجماعة».
المصادر أكدت أنه وفقًا لكل ما سبق سيمضى «منير» فى الصراع حتى يسحق تمامًا جبهة التمرد التى لم يعد لديها شيئا تخسره، وتخوض هى الأخرى حرب حياة أو موت مع القائم بأعمال المرشد لإنقاذ تاريخها ومكاسبها المادية والمعنوية التى تعودت عليها منذ عشرات السنين.
وفى هذا السياق أكد إبراهيم ربيع، القيادى السابق بالإخوان أن أسطورة الجماعة الربانية تتهاوى أمام صراعات المال والنفوذ والسلطة والتنافس على كسب رضا أجهزة المخابرات التى ترعاها وتقدم لها الدعم تخطيطًا وتمويلًا وإيواءً.
«ربيع» لفت إلى أن زلزال 30 يونيو 2013، ضرب مركز تنظيم الإخوان فى مصر، مؤكدًا أن ما يحدث الآن يوضح أن الإخوان تآكلت غضاريفها تمامًا، بعد أن أصيب التنظيم بالتصدع والتشظى وأصبح فى العد التنازلى للنهاية.
وأضاف أن «تفجر المشكلات الواحدة تلو الأخرى، تؤكد أن التنظيم يعانى من تحديات هيكلية وصراعات أجنحة تعصف بكيانه وتدفعه شيئًا فشيئًا نحو الانهيار، فالقبض على محمود عزت كان ضربة أمنية موجعة عمقت الخلافات المدفونة بين الهياكل التنظيمية الإخوانية فى الخارج والداخل».
وتابع: تحول الإخوان بعد محمود عزت إلى مجموعات وخلايا وتنظيمات متناثرة فى الدوحة وإسطنبول ولندن، وغيرها من المجموعات فى عدة دول أخرى، مضيفا: حتى المجموعات المتمركزة فى إنجلترا وتركيا وقطر منقسمة إلى مجموعات وجماعات تتصارع جميعها على القيادة والارتهان لأجهزة مخابرات والتمويل والدعم الإعلامي.
«ربيع» اختتم حديثه قائلًا: «صراع الأجنحة على القيادة الشاملة للتنظيم، أصاب عقل الجماعة بالشلل وبات الهيكل التنظيمى الإخوانى بلا رأس حقيقية على الأرض، ودخل الهيكل التنظيمى المتداعى فى حالة تيه وشتات وانفلات سرطانى، تجعل خلايا التنظيم تهاجم بعضهًا بعضًا، ما يؤكد أن إعلان وفاة التنظيم مسألة وقت».
نقلًا عن العدد الورقي…