رئيس التحرير
عصام كامل

أصالة


أسئلة كثيرة حائرة لا يجد أحد إجابة عنها، أهمها: أين المودة والحب والرحمة والتعاطف والحميمية والصدق والإخلاص؟

أعود بكم إلى نهاية خمسينات وبداية ستينات القرن الماضى، فى حى الحسينية العريق، بالقاهرة القديمة، التى ولد بها أجدادى وأبى، كان الحى يضم جزارين وعمالا وفتوات وتجار مخدرات، الجيران متلاحمون فى الشدة والرخاء، البيوت تتلاصق فى حميمية، والمشربيات تضىء ببهجة ألوان الشمس.

فى الصباح الباكر يمتلئ الحى ببهجة الأطفال وهم يحملون حقائبهم القماشية فى طريقهم إلى المدرسة، يحتفلون بيوم جديد يتلقون فيه العلم، الآباء الطيبون يذهبون إلى أعمالهم، والأمهات يفضن حنانا، يجتمعن فى شقة واحدة لإعداد طعام الغداء، أنفاسهن العطرة تمنح الطعام الحب والصحة، وما أن يعود الأطفال من المدارس والآباء من العمل، حتى يتحلق كل سكان البيت فى شقة واحدة، يتناولون الغداء كأسرة واحدة، ولا يخلو الأمر من مزاح لطيف، يثير البهجة.

ثم ينكب الأطفال على واجباتهم المدرسية، ويعود الآباء لاستكمال أعمالهم، فإذا حان أول الليل يلتئم شمل كل أسرة، يستقبلون الأقارب والجيران، يتحلقون حول أطباق الحلوى المنزلية التى تعدها سيدة وتوزعها على شقق البيت، وتدور أحاديث ممتعة أثناء الاستماع إلى الراديو، أيام كانت أم كلثوم تهدى الشعب حفلة فى الخميس الأول من كل شهر، كانت عيدا حقيقيا للمصريين جميعا.

كان أحد سكان البيت المقابل لبيتنا قد اشترى شقة فى حى الظاهر، واستقرت مكانة أسرة جديدة، أدركنا أنهم فقراء للغاية أثناء صعودهم بمنقولاتهم، فاجتمع الرجال وقرروا زيارة الجار الجديد.

فى اليوم التالى طرقوا بابه، وكانت الأمهات يحملن اللحوم والسمن والأرز والدقيق والسكر، والأطفال يحملون هداياهم البسيطة لأطفال الجار، الذى رحب بجيرانه، ومن زيارتهم أدرك أنه بين أهله، وأخبره الجيران أنهم سوف يتناولون غداءهم فى بيته غدا، وبالطبع انفرد الآباء بالرجل، وأدركوا أن راتبه متواضع للغاية، ولم تمر سوى أيام حتى أخرجه أبى من عمله وألحقه بمحل الجزارة الذى يملكه بأضعاف راتبه السابق، وأصبح الجار الجديد عضوا بالعائلة الحسينية.

كانت زوجة الرجل ضعيفة النظر للغاية، وألقت عود ثقاب ظننته انطفأ فشب حريق وأطلقت صرخات الاستغاثة، فسارع الحاج (م.غ)- أشهر تاجر مخدرات بالمنطقة، وهو أضعف بصرا منها – بحمل جردل ماء وأثناء صعوده سقطت نظارته السميكة، لكنه أصر على الصعود وألقى بدلو الماء واختطف الطفلين من النيران ونزل بهما أثناء صعود الأهالى لإخماد الحريق.

فى المساء اصطحب رجال المنطقة أولادهم الشبان واشتروا للجار منقولات جديدة فى الوقت الذى كانت الجارات يقمن بتنظيف شقة الجارة، ووضع الشباب "العفش" الجديد فى شقة الجار الذى كانت دموعه تنساب بلا توقف من شهامة أهل الحى، لكن الحاج (م.غ) أسقط الجميع أرضا من الضحك عندما سأله شاب: نظرك ضعيف جدا وحملت الماء لإطفاء النار وتكسرت نظارتك.. فقال الحاج: "من ضعف نظرى بعت قرش حشيش لرئيس المباحث الذى تركنى لهذا السبب..

هل أجبت عن الأسئلة الحائرة؟ أتمنى!

الجريدة الرسمية