رئيس التحرير
عصام كامل

هل تكون بولندا هي الورقة الأخيرة في تفكيك الاتحاد الأوروبي

الاتحاد الأوروبى
الاتحاد الأوروبى

الاتحاد الأوروبي الحلم الذي لا طالما حلم به أبناء القارة العجوز خاصة بعد أن أكلتهم الحروب منذ نابليون، والتي كانت تهدف في ملخصها لخلق نظام يضمن وحدة أوروبا وتجددت بأحلام هتلر التي تركت القارة الأوروبية مدمرة فهل بعد كل هذا التاريخ يهدم الصراع القانوني بين بولندا وبروكسل منظومة الاتحاد خاصة بعد أن رحلت بريطانيا. 

 

وفي البداية تتطلب عضوية الدول المرشحة للدخول إلى الاتحاد الأوروبي أن تحقق تلك الدول استقرار المؤسسات التي تضمن الديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، واحترام وحماية حقوق الأقليات، ووجود سوق فعَّال، بالإضافة للقدرة على التكيف مع المنافسة الشديدة وقوى السوق الموجودة في الاتحاد.

 

وفي ذلك الصدد قالت صحيفة «تليجراف» البريطانية: إن الاتحاد الأوروبي لن ينجو إذا انتصرت بولندا في معركتها القضائية مع بروكسل، حول سيادة القانون، وفقًا لتحذيرات مسؤولين أوروبيين.

 

معاقبة بولندا

وأضافت: ”في هجوم غير مسبوق على دولة عضو في الاتحاد، فإن رئيس المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قالت إن بروكسل سوف تتحرك لمعاقبة بولندا، بعد طعن محاكم بولندية في سيادة قانون الاتحاد الأوروبي، في وقت مبكر من هذا الشهر“.

 

ومضت تقول: ”حذر وزير الشؤون الخارجية في لوكسمبورج، جان أسلبورن، من أن أوروبا لن تستطيع استيعاب نهاية سيادة القانون، وأن أوروبا سوف تموت نتيجة هذا التطور“.

 

وأشارت إلى الصراع الذي دخل فيه حزب القانون والعدل البولندي خلال السنوات الخمس الماضية بشأن الإصلاحات في النظام القضائي بالدولة، والذي تصاعد بشدة بعد الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا البولندية في السابع من أكتوبر الجاري، والذي قضى بأن أحكامها لها السيادة على القوانين الأوروبية.

 

بروكسل 

وتابعت الصحيفة: ”تواجه بروكسل ضغوطا متزايدة من دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، ومن ضمنها فرنسا وألمانيا، لاستخدام ما يسمى الآلية المشروطة، لحجب مدفوعات ميزانية الاتحاد الأوروبي عن بولندا“.

 

ونقلت عن وزير المالية الفرنسي، كليمنت بون، قوله إنه ”لا يمكن استمرار التضامن في الميزانية، إذا لم يكن هناك احترام للقيم الأساسية المنصوص عليها في معاهدة الاتحاد الأوروبي“.

 

فيما عادت التوترات الأوروبية التركية إلى السطح مجددا بعد أن خفت وتيرتها في الفترة الماضية، أكد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، لويس ميجيل بوينو، أن تصرفات أنقرة في شرق المتوسط خطيرة، وغير مقبولة.

 

شخصيات تركية

كما أكد في مقابلة مع العربية أن آليات الضغط على الطرف التركي موجودة، مضيفًا أن هناك عقوبات على شخصيات تركية بسبب التطورات في المنطقة.

 

إلا أنه شدد في الوقت عينه على أهمية الحوار بين اليونان وتركيا، لافتا إلى أن أهم شروط التفاوض والنقاش خفض التصعيد في المنطقة.

 

أما فيما يتعلق بالملف القبرص، فأكد  وزير المالية الفرنسي، كليمنت بون أن الاتحاد رفضه مبادرة أنقرة بحل الدولتين. وأوضح أن الحل الوحيد لقبرص بالنسبة للاتحاد الأوروبي هو الفيدرالية.

 

وفي ما يتعلق بموضوع اللاجئين من أفغانستان، قال "نعمل مع شركائنا الدوليين لإنشاء منصة تعزز عملية إعادة التوطين.

 

مساعدة النازحين

كما أشار إلى أن الأوروبيين قدموا حزمة من المساعدات تقدر بمليار يورو لدول الجوار من أجل مساعدة النازحين الأفغان.

 

ولفت وزير المالية الفرنسي، كليمنت بون إلى أن النظام في بيلاروسيا يستخدم اللاجئين كسلاح، مشددا على رفض تلك السياسية، ومؤكدا أن الاتحاد ينظر في الخطوات المقبلة للتعاطي مع بيلاروسيا. وأضاف أن الدول الأورويبة في صدد فرض عقوبات على شركة الطيران الوطني في بيلاروسيا.

 

كما اعتبر أن السلطات البولندية أمام مشكلة كبيرة اليوم بسبب طريقة التعاطي مع اللاجئين.

 

ملف اللاجئين

يشار إلى أن العلاقات الأوروبية التركية كانت مرت بالعديد من الصدامات والمطبات على مدى السنوات الماضية، في ما يتعلق بعدة ملفات منها ملف اللاجئين، وحقوق الإنسان، فضلا عن التنقيب عن الغاز شرق المتوسط، ما رفع التوتر مع اليونان إلى أقصى درجاته.

 

وبالرغم من أن البلدين ينضويا معًا في حلف شمال الأطلسي، إلا أنهما على خلاف بشأن قضايا كثيرة منها المطالبات المتنافسة بالسيادة على امتداد الجرف القاري لكل منهما في البحر المتوسط والمجال الجوي وموارد الطاقة، فضلا عن قبرص المقسمة عرقيا وبعض الجزر في بحر إيجه.

 

وفي ظل هذا الاطار يظهر الصراع القانوني ليجهز على الحلم الاوروبي بعد تحديات عديدة مر بها الاتحاد الحاصل على جائزة نوبل. 

 

نقض دستوري

فقد كان الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية البولندية، بطلب من رئيس الوزراء، قضى بأن بعض بنود الاتفاقيات الأساسية للعضوية في الاتحاد الأوروبي ليست دستورية. وتلك البنود تتعلق أساسًا بدور المحاكم الأوروبية واللجوء إلى القانون الأوروبي في الخلافات القضائية بين الدول الأعضاء. 

 

ويعد الحكم، الذي لم ينشر بعد، ولا يعتبر نافذًا إلا بعد نشر الحكومة البولندية له، نقضًا للأساسيات القانونية والدستورية لعضوية بولندا في الاتحاد الأوروبي. وحذر وزير خارجية لوكسمبورغ جين إسيلبورن من أن الحكم هو "لعب بالنار" من جانب وارسو. أما وزير شؤون أوروبا في الحكومة الفرنسية كليمون بون فقال، إن الحكم بمثابة هدم لما وقعت عليه بولندا حين انضمت إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، واعتبر الحكم "خروجًا بالأمر الواقع".

 

وقال بون، خلال مقابلة تلفزيونية مع محطة "بي أف أم تي في"، "حين توقع عقدًا مع الغير ثم تأتي وتقول إن القواعد التي تضعها حين تريد وكيفما تريد تجبّ ما وقعت عليه يصبح العقد لاغيًا".

 

تهديد القضاء

يذكر أن المحكمة الدستورية التي أصدرت القرار المثير للجدل كانت من أول أهداف حكومة مورافيسكي القومية المحافظة. إذ كانت حكومة حزب "القانون والعدالة" تريد إلغاء المحكمة، وهو ما يتناقض مع القوانين الأوروبية للدول الأعضاء في الاتحاد. ولجأت الحكومة إلى تعيين قضاة المحكمة من الموالين لحزبها، حتى أن أحد أعضاء المحكمة الدستورية وضعه غير قانوني تمامًا، كما قضت محكمة العدل الأوروبية.

 

ومنذ نحو 6 سنوات، يتصاعد الخلاف بين بولندا وبروكسل بسبب ما تسميه الحكومة البولندية "إصلاح القضاء"، وتعتبره السلطات الأوروبية إهدارًا لاستقلالية القضاء. ووصل الأمر خلال السنوات الست إلى احتمال فرض عقوبات من بروكسل على وارسو، إلا أن دعم المجر لحليفتها بولندا حال دون ذلك.

 

وتقول الحكومة البولندية إنها "تعمل على إصلاح القضاء"، لكن بروكسل ترى أن إجراءات الحكومة في وارسو لمنع اللجوء إلى القوانين الأوروبية ينسف أسس عضوية بولندا في الاتحاد. ولا يريد الحزب الحاكم، الذي يترأسه كيزنسكي، أن يطعن القضاة البولنديون في زملائهم الموالين للسلطة مستغلين القوانين والمحاكم الأوروبية.

 

ويقول باتريك دايكوفيتس، من مركز "بنجهام لحكم القانون"، في مقابلة مع "بي بي سي"، "من الناحية العملية، فإن هذا الحكم يوفر أرضية للخروج القانوني من الاتحاد الأوروبي. ذلك لأنه سيعمق الخلاف في مشكلة التعاون القضائي بين المحاكم البولندية والمحاكم الأوروبية، وخصوصًا مسألة الاعتراف المتبادل بالأحكام القضائية الصادرة من محاكم الجانبين".

 

حتى رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، صرحت معلقة على قرار المحكمة الدستورية البولندية بالقول إن "الأولوية المهمة جدًا بالنسبة إلينا هي ضمان حماية حقوق المواطنين البولنديين، وأن يتمتع المواطنون البولنديون بفوائد ميزات عضوية الاتحاد الأوروبي".

 

البولنديون و"بوليكست"

كتب رئيس الوزراء البولندي، ماتيوش مورافيسكي، على "فيسبوك"، إن "دخول بولندا ودول وسط أوروبا في الاتحاد الأوروبي كان أحد أهم أحداث العقود الماضية، بالنسبة إلينا وإلى الاتحاد الأوروبي أيضًا. وكان الجميع كاسبًا من ذلك... لذا، أقول بوضوح إن مكان بولندا هو ضمن أسرة الدول الأوروبية وسيظل كذلك".

 

أما رئيس حزب "القانون والعدالة" الحاكم، ياروسلاف كزانسكي، فاعتبر القول بأن حزبه وحكومته يريدان الخروج من الاتحاد الأوروبي "كلام فارغ". في الوقت نفسه، فإن اثنين من أقرب معاوني كزانسكي يروجان منذ فترة للشعارات المناوئة للاتحاد الأوروبي، بالضبط كما كان قادة حزب المحافظين في بريطانيا يفعلون قبل استفتاء عام 2016 الذي صوت فيه البريطانيون لمصلحة "بريكست".

 

تنقل صحيفة "فاينانشيال تايمز" عن مسؤول في إحدى دول الاتحاد الأوروبي مقارنته بين تصرف رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت، ديفيد كاميرون، حين أراد إعادة التفاوض على بنود عضوية الاتحاد الأوروبي، وما تفعله حكومة رئيس الوزراء البولندي الآن. وأضاف المسؤول، "جاء كاميرون إلى الاتحاد الأوروبي وهو يحمل مسدسًا يصوبه إلى رأسه ويهدد بأنه إذا لم يحصل على ما يريده سيطلق الرصاص على رأسه... الوضع مماثل تمامًا، فالبولنديون يهددون بإطلاق الرصاص على أقدامهم، بل وربما على رؤوسهم".

 

ما تطلبه بولندا

معضلة الحزب الحاكم في بولندا، أنه لا يريد خسارة أصوات الناخبين البولنديين، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن 80 في المئة من البولنديين لا يريدون "بوليكست"، أي خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي. وكان دخول بولندا الاتحاد عام 2004، في إطار توسيع الاتحاد ليضم دول أوروبا التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي السابق، جلب لها مئات المليارات من الأموال الأوروبية التي كانت بحاجة إليها لدعم اقتصادها.

 

وما زالت بولندا، مع بقية الدول التي انضمت إلى الاتحاد في ما بعد، أكثر استفادة من أموال بروكسل. وإن كان بعضها يبقي على عضويته من أجل الحصول على الأموال، كما يقول بعض المراقبين.

 

ومن بين الإجراءات العقابية التي يمكن لبروكسل اتخاذها بحق بولندا إذا ما وضعت حكم المحكمة الدستورية موضع التنفيذ، هو عدم الموافقة على حزمة الدعم الاقتصادي التي طلبتها بولندا من برنامج الاتحاد الأوروبي لدعم التعافي الاقتصادي من أزمة وباء كورونا. وتبلغ حزمة الدعم التي طلبتها بولندا 66 مليار دولار. ويمكن للمفوضية الأوروبية أن تضمن الموافقة على الدعم شرط "احترام القانون وضمان الالتزام بمعايير القانون الأوروبية"، بما يجعل الموافقة على الدعم غير ممكنة.

 

ويذهب بعض المعلقين إلى القول إن بولندا ربما تمادت في الخلاف القانوني مع بروكسل كورقة ضغط تستخدمها لتسريع الموافقة على حزمة الدعم. وسبق للحكومة البولندية عدم نشر أحكام مماثلة، وما لم تنشر لا تعتبر 

الجريدة الرسمية