المافيا التي عاقبتني
الوقوف في وجه هذه المافيا للقضاء عليها أو الحد من نشاطها أصبح شبه مستحيل، فلا قوانين لتجريم نشاطها ردعتها، ولا ملاحقات أعضائها أوقفتها، فقد تغلغل نشاطها وفرضت سطوتها على كل البيوت المصرية، فكانت الحرام الذي حللناه مجبرين، واللص الذي يستنزفنا ونحن له طائعين، وفي بعض الأحيان صاغرين. إنها مافيا الدروس الخصوصية التي عجزت وزارة التربية والتعليم عن القضاء عليها، وعجز المحافظون، وسوف يعجز كل مسئول حالي ولاحق كما عجز السابقون.
وفرت الوزارة مجموعات تقوية في المدارس بأسعار قد تكون في متناول الغالبية، كما وفرت منصات تعليمية، وكان لبعض المحافظين مبادرات محمودة عندما وفروا أماكن لمجموعات تقوية، لكن دون جدوى، ربما كانت الأسباب فقدان الثقة في القائمين على العملية التعليمية داخل المدارس، أو خلل في أحد عناصرها، أو غياب الضمير عند بعض المدرسين، وربما كان استسهال من الطلاب، ومن أجله تدفع الأسر مليارات الجنيهات سنويًا، قيل أنها وصلت سبعة مليارات، وإن كنت أرى أنها تزيد كثيرًا عن هذا الرقم، وهو ما دفع أطباء ومهندسين لتغيير نشاطهم والعمل في التدريس.
مافيا السناتر
كنت مستشارًا إعلاميًا لوزارة التربية والتعليم ومتحدثًا بإسمها، وكنت أحارب مع الوزارة ظاهرة السناتر التي انتشرت في ربوع مصر، وبصرف النظر عن فشلي والوزارة في القضاء عليها.. تحولت إلى هدف للقائمين عليها، ولبعض الأسر التي تعتمد عليها في تعليم أبنائها، وشاء القدر أن أتحول من هدف إلى فريسة.
إبنتي كانت تدرس الدبلومة الأمريكية في الوقت الذي كنت أعمل فيه بالوزارة، واحتاجت مثل زميلاتها درس في (السات) ولم يكن هذا متوفرًا إلا في السناتر التي أحاربها يوميًا، رفضت الرضوخ لرغبة إبنتي حتى لا أكون متناقضًا مع نفسي، وإزاء إلحاحها وتهديدي برسوبها.. رضخت.
ذهبت إبنتي إلى السنتر وكتبت اسمها، لكن سرعان ما تم طردها بعد وشاية من زميلتها للمدرس بأنها ابنة الرجل الذي يحارب السناتر، عادت إبنتي باكية، وفشلنا جميعًا في استقطاب مدرس إلى المنزل لمساعدتها لنفس السبب، أنها ابنتي.
اقترب موعد امتحانها، وزادت كآبتها التي إنعكست على كل الأسرة، ولأنه لا يلوي أعناق الآباء إلا الأبناء.. ذهبت معها مجبرًا إلى سنتر الدروس الخصوصية، إلتقيت المدرس، عينه مليئة بالشماتة والغضب مني، كنت اتجنب نظراته، ليفاجئني بكلمات مسمومة، وفي النهاية استجاب، ودفعت ثمن الدرس وخرجت مسرعًا.
القضاء على مافيا السناتر يحتاج إلى إعادة الثقة بين الأسرة والمدرسة، وهذا يتحدث فيه خبراء كثيرين لست منهم.