القصة الكاملة لـ البردة.. أشهر قصائد مدح الرسول.. انتقدها البارودي وشوقي
تحتفل دول العالم العربي والإسلامي بالمولد النبوي الشريف في 12 ربيع الأول من كل عام، يستعدون للاحتفالات قبلها شهرا وتستمر حوالي شهر وتقام السرادقات والموالد والخطب والأناشيد والمدائح النبوية وتوزع الحلوى التي تعد خصيصًا لهذه المناسبة الكريمة.
أبرز ما يميز تلك المناسبة السعيدة إطلاق القصائد في مدح الرسول، فما أكثر تلك القصائد التي لم تستطع أكبر موسوعات العالم أن تحتويها، وما أكثر ما تحتويه تلك القصائد والأناشيد علي صفات رسول الله وفضائله وسيرته صلواته وسلامه عليه.
قصيدة البردة
أشهر تلك القصائد، قصيدة البصيري ويطلق عليها قصيدة البردة، كتبها شرف الدين أبو عبدالله محمد بن سعيد بن محسن بن عبدالله الصناجي البوصيري، في القرن السابع الهجري الموافق القرن الحادي عشر الميلادي، وهو من قبيلة صنهاجه بالمغرب، ولد في بلدة تسمى «بوصير» بالريف المصري سنة 608 هجرية 1212 ميلادية، وقد أجمع معظم الباحثين على أن هذه القصيدة من أفضل وأعجب قصائد المديح النبوي.
وقصيدة البردة هي ايقونة القصائد في مدح الرسول صلوات الله وسلامه عليه وقد عبر الشاعر في مئة وستين بيتًا عن صفات النبي، اتخذ «الـ م قافية لهذه القصيدة»، وهي من البحر «البسيط» وسنقتطف بعض الأبيات من هذه القصيدة التي تردد في كل مولد وفي كل مناسبة في مدح الرسول صلوات الله وسلامه عليه.
أمن تذكر جيران بذي سلم
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة
مزجت دمعًا جرى من مقلة بدم
وأومض البرق في الظلماء من إضم
وذي سلم موضع في الحجاز ناحية المدينة المنورة وأيضًا كاظمة وأضم أيضًا موضعان قرب المدينة المنورة.
و نستعرض بعض الأبيات التي هي تبرز مناقب الرسول وفضله على جميع البشر والرسل ومنزلته عند الباري عز وجل.
محمد سيد الكونين والثقلين
والفريقين من عربٍ ومن عجم
نبينا الآمر الناهي فلا أحد
أبر في قول لا منه ولا نعم
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته
لكل هول من الأهوال مقتحم
هو رسول ونبي للإنس والجن وهو الشفيع يوم القيامة وخاصة «يوم المحشر» فكل نفس تقول نفسي وحتى الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليه، بينما يقول رسول الله أمتي أمتي
فاق النبيين في خلق وفي خلق
وكلهم من رسول الله ملتمسي
فمبلغ العلم فيه أنه بشر
وكل آي أتى الرسل الكرام بها
فإنه شمس فضل هم كواكبها
أكرم بخلق نبي زانه خلق
سريت من حرم ليلًا إلى حرم
وبت ترقى إلى أن نلت منزلة
ولم يدانوه في علمٍ ولا كرمِ
غرفًا من البحر أو رشفًا من الديم
وأنه خير خلق الله كلهم
فإنما اتصلت من نوره بهم
يظهرن أنوارها للناس في الظلم
بالحسن مشتمل بالبشر متسم
كما سرى البدر في داج من الظلم
من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم
ولقد أسرى بك الله من البيت الحرام بمكة المكرمة إلى الحرم القدسي بالقدس كانك بدر في ليلة شديدة السواد والظلام.
وقدمتك جميع الأنبياء بها
وأنت تخترق السبع الطباق بهم
كم جدلت كلمات الله من جدل
كفاك بالعلم في الأمي معجزة
والرسل تقديم مخدوم على خدم
في موكب كنت فيه صاحب العلم
فيه وكم خصم البرهان من خصم
في الجاهلية والتأديب في اليتم
محمد صلى الله عليه وسلم «يصفه الله بالأمي» والأمي هنا شرف ما بعده شرف أي لا يوجد في جوفه أي علم سابق من علوم وإنما العلم في جوفه كله من عند الله، وما عند الله من علم لا يتساوى مع أي علم من علوم البشر.
انتقاد القصيدة
رغم ذلك تعرضت بردة البوصيري للانتقاد من قبل بعض الشعراء في كل العصور بقصائد مطولة، منها قصيدة البارودي التي سماها «كشف الغمة في مدح سيد الأمة»، ومطلعها:
يتتبع فيها البارودي قصة حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما وردت في كتب السيرة بكل تفاصيلها، ويروي في جانب منها قصة مولده الشريف، يقول:
نُورٌ تَنَقَّلَ في الأَكوانِ ساطِعُهُ … تَنَقُّلَ البَدرِ مِن صُلبٍ إِلى رَحِمِ
حَتّى اسْتَقَرَّ بِعَبدِ اللهِ فَاِنبَلَجَت … أَنوارُ غُرَّتِهِ كَالبَدرِ في البُهُمِ
وَاختارَ آمِنَةَ العَذراءَ صاحِبَةً … لِفَضلِها بَينَ أَهلِ الحِلِّ وَالحَرَمِ
وَحِينما حَمَلَت بِالمُصطَفى وَضَعَت … يَدُ المَشيئَةِ عَنها كُلفَةَ الوَجَمِ
وَلاحَ مِن جِسمِها نُورٌ أَضاءَ لَها … قُصُورَ بُصرى بِأَرضِ الشَّأمِ مِن أمَمِ
وَمُذ أَتى الوَضعُ وَهوَ الرَّفعُ مَنزِلَةً … جاءَت بِرُوحٍ بِنُورِ اللهِ مُتَّسِمِ
ضاءَت بِهِ غُرَّةُ الإِثنَينِ وَابتَسَمَت … عَن حُسنِهِ في رَبيعٍ رَوضَةُ الحَرَمِ
وقد عارض أمير الشعراء أحمد شوقي بردة البوصيري كذلك بقصيدة شهيرة سُميت «نهج البردة»، ذكر فيها بشائر مولده الشريف، وعبر عن أثره العظيم وإنارته ربوع الدنيا في الشرق والغرب:
سَــرَتْ بشــائِرُ بالهـادي ومولِـده … في الشرق والغرب مَسْرى النور في الظلمِ
تخـطَّفتْ مُهَـجَ الطـاغين مـن عربٍ … وطــيَّرت أَنفُسَ البـاغين مـن عجـمِ
رِيعـت لهـا شُرَفُ الإِيوان، فانصدعت … مـن صدمـة الحق، لا من صدمة القُدمِ