«عقوبات الخمسينيات».. بوابة «الدخلاء» لعالم «الطب والصيدلة».. غرامات هزيلة وعقوبات غير رادعة
«غرامات من زمن الخمسينيات».. عنوان كارثة يعاني منها القطاع الطبي منذ سنوات طويلة، يكشف عن وجود واستمرار العمل بعقوبات وغرامات هزيلة تضمنتها قوانين مزاولة المهن الطبية، سواء الأطباء البشريين أو الصيادلة أو العلاج الطبيعي وغيرهم من المهن الطبية المسئولة عن صحة المواطنين، والمعمول بها منذ خمسينيات القرن الماضي.
وبمرور السنوات أصبحت هذه العقوبات لا تتناسب مع حجم الجرائم التي يرتكبها منتحلو الصفة ودخلاء المهنة، بعدما أصبح كل شخص لديه المال يمكنه فتح صيدلية أو فتح عيادة أو مركز طبي للكشف على المرضى، ولا توجد عقوبات رادعة له، وهو ما ظهر واضحًا خلال الأيام الماضية بعد إخلاء سبيل المتهم في القضية المعروفة إعلاميًّا بـ«سمكري البني آدمين» بكفالة قدرها ٥٠ ألف جنيه بعد اتهامه بتزوير شهادة التخرج، وفتح مركز علاج طبيعي لعلاج المرضى.
«سمكري البني آدمين» لم يكن الأول من نوعه؛ فقد سبق ضبط شخص حاصل على بكالوريوس تجارة يكشف على مرضى ويصف وصفات طبية ويعطي أدوية داخل محل مستلزمات طبية، ويمتلك جهاز ضغط وسماعة وأدوية غير مرخصة، وتكشف هذه الوقائع أهمية العمل - وبشكل عاجل - على تغيير قوانين مزاولة المهن الطبية، وبالفعل تقدمت النقابات الطبية بمشروعات قوانين لتغييرها وتغليظ العقوبات أمام مجلس النواب ولم تناقش حتى الآن.
دخلاء المهنة
وفي هذا السياق قال الدكتور إيهاب الطاهر، عضو مجلس نقابة الأطباء: هناك دخلاء على المهنة من المواطنين ينصبون على المرضى، هذا فضلًا عن حالات تعدى أصحاب المهن الأخرى على مهنة الطب، الذين أصبحوا نجومًا على وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات رغم أنهم لم يحصلوا على بكالوريوس الطب.
وشدد «الطاهر» على أن «الوضع القائم أصبح في حاجة ماسة لتدخل عدة جهات سواء وزارة الصحة أو مجلس النواب الذي عليه تغليظ عقوبات مواجهة الدخلاء، لا سيما وأن قانون مزاولة مهنة الطب الذي أصدر في عام ١٩٥٤ يحتوى على عقوبات ضعيفة وهي الحبس لمدة لا تزيد عن عامين وغرامة ٢٠٠ جنيه».
وأضاف: القانون يحتاج إلى مراجعة لتشديد العقوبات وتوعية المواطنين بتجنب الوقوع فريسة لهؤلاء الدخلاء، ومن جانبها دشنت نقابة الأطباء رابطًا إلكترونيًّا متاحًا للمواطنين للتحقق من شخصية الطبيب إذا كان طبيبًا بشريًا أم لا وتخصصه ودرجته العلمية، وهناك لجنة مكونة من نقابة الأطباء ووزارة الصحة غير مفعلة ولم تجتمع منذ وقت تشكيلها تختص بالإعلان عن أي منتج دوائي أو صحي والتأكد من أنه حاصل على ترخيص وزارة الصحة، لأن هناك الكثير من المنتجات الطبية يعلن عنها ويكتب عليها حاصل على ترخيص وزارة الصحة وهي غير مرخصة.
عضو مجلس «الأطباء» أوضح أن الدخلاء على مهنة الطب يمثلون خطرًا على صحة المرضي وصحة المجتمع، في ظل الأحكام التي تصدر بالغرامة أو حبس مع إيقاف تنفيذ وغرامة مالية ضعيفة، مطالبًا بضرورة تشديد العقوبات عن طريق مجلس النواب.
العقوبات
في السياق ذاته قال الدكتور إبراهيم الزيات، عضو مجلس نقابة الأطباء: هناك دخلاء كثيرون على مهنة الطب البشري، وفي الوقت ذاته ظهرت تخصصات طبية دقيقة لم تكن متوفرة وقت تطبيق قانون مزاولة مهنة الطب البشري، تسببت في وجود مدعين للطب دون وجود رادع لهم، لذا نحتاج إلى قانون يكون أكثر تطورًا به وصف لكل عمل التخصصات والحدود الفاصلة بينهم وبين المهن الطبية الآخرى، فهناك كليات منها علاج طبيعي والعلوم الصحية يتداخل خريجوها مع مهنة الطب، ويتسبب ذلك في وجود ممارسات غير سليمة.
عضو مجلس «الأطباء» شدد على أن «تحسين المستوي العلمي لكل عضو في الفريق الطبي ليس معناه أن يكون طبيبا، فهناك فنيون يعملون كأنهم أطباء فالطبيب هو مَن تخرج في كلية الطب البشري».
من جهته قال الدكتور سامي سعد، نقيب العلاج الطبيعي: الحلول الجذرية لمواجهة منتحلي الصفة ودخلاء المهنة هي تغليظ العقوبات، فالعقوبة الحالية ضعيفة تصل إلى ٥٠٠ جنيه غرامة وسجن عامين كحد أقصى وفقا لقانون مزاولة مهنة العلاج الطبيعي الموجود من عام ١٩٨٥، والنقابة وضعت تعديلات للقانون لتغليظ العقوبة تشمل نصف مليون جنيه حد أدنى وسجن ١٠ سنوات كحد أدنى أيضًا، ومشروع القانون معروض على مجلس النواب ولم يناقش حتى الآن.
نقيب العلاج الطبيعي، أكد أن الأجهزة التنفيذية عليها دور في المراقبة والمتابعة سواء إدارات العلاج الحر ومباحث التموين وحماية المستهلك والتفتيش الصيدلي والأموال العامة التي تقوم بدورها على مستوى الجمهورية بجانب ضرورة شن حملة توعية لكشف المخالفات، مشددًا على أن هذه الظاهرة ليست قاصرة فقط على العلاج الطبيعى لكنها ممتدة إلى كل التخصصات الطبية، وهؤلاء منتحلو الصفة يأتي على رأسهم من يكون خريجي كليات التربية الرياضية الذين تجرأوا وسمحت لهم نفوسهم بالكشف على المرضى وكذلك خريجي كليات العلوم الصحية وبعض ممَّن ليس لهم مؤهل لكنهم يمتلكون أموالًا تتيح لهم إنشاء مراكز طبية.
وفيما يتعلق بالرأى القانوني، قال الخبير القانوني، هاني سامح: الغرامات المالية والعقوبات ضعيفة في قوانين مزاولة المهنة، فغرامات قانون مزاولة مهنة الصيدلة ١٠ جنيهات وعقوبة التحايل لفتح صيدلية ٢٠٠ جنيه والحبس عامين، كما أنها لا تطبَّق، والأمر امتد أيضًا إلى فتح مصانع بئر سلم وإنتاج أدوية مغشوشة وغير مرخصة، والتي تنتهي بتوقيع عقوبة غرامة ١٠٠ جنيه وكذلك في قوانين إنشاء المنشأت الطبية الموجود من عام ١٩٨١ يوقع غرامات ضئيلة، وتابع: القوانين الصحية والدوائية والخاصة بالمنشآت الصحية قديمة ترجع إلى الخمسينيات من القرن الماضي.
فقانون مزاولة مهنة الطب يعاقب بغرامات ضئيلة على المخالفات الخاصة به، فمثلا المادة العاشرة من قانون 415 لسنة 1954 نصت على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من زاول مهنة الطب على وجه يخالف أحكام هذا القانون، وبذات العقوبة كل شخص غير مرخص له في مزاولة مهنة الطب يستعمل نشرات أو لوحات أو لافتات أو أية وسيلة أخرى من وسائل النشر إذا كان من شأن ذلك أن يحمل الجمهور على الاعتقاد بأن له الحق في مزاولة مهنة الطب.
وكذلك كل من ينتحل لنفسه لقب طبيب أو غيره من الألقاب التي تطلق على الأشخاص المرخص لهم في مزاولة مهنة الطب، وكل شخص غير مرخص له في مزاولة مهنة الطب وجدت عنده آلات أو عدد طبية ما لم يثبت أن وجودها لديه كان لسبب مشروع غير مزاولة مهنة الطب»، وفي المادة الثانية عشرة يعاقب بغرامة لا تجاوز ألف قرش كل مَن يخالف أحكام المادة السادسة بفتح أكثر من عيادتين».
وأضاف: قانون مزاولة مهنة الصيدلة الصادر عام 1955 نصت المادة 83 على أن «كل مخالفة أخرى لأحكام هذا القانون أو القرارات الصدارة تنفيذًا له يعاقب مرتكبها بغرامة لا تقل عن جنيهين ولا تزيد على عشرة جنيهات»، علما بأنه قد صدر تعديل محدود عام 1998 بزيادة غرامة بيع المستحضرات غير المرخصة لتصبح الغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه.
وشدد الخبير القانوني على ضرورة تعديل القوانين الصحية والدوائية لتصبح على شاكلة قوانين الاعتداء على القيم الأسرية، والتي تبلغ الغرامات فيها ما يصل إلى ثلاثمائة ألف جنيه عن جرائم غير مؤثرة وليست بذات أهمية الاعتداء على صحة وسلامة المواطنين والمتاجرة بأوجاعهم وأمراضهم.
نقلًا عن العدد الورقي…