أهان رئيس وأعضاء القسم
حيثيات تأييد قرار مجازاة أستاذ السموم والطب الشرعي بجامعة القاهرة
أصدرت المحكمة التأديبية العليا حكمها في الطعن رقم 171 لسنة 53 قضائية عليا بتأييد قرار رئيس جامعة القاهرة فيما تضمنه من مجازاة أستاذ بقسم السموم والطب الشرعي بكلية الطب البيطري لقيامه بإهانة رئيسة وأعضاء القسم محل عمله داخل الجامعة مستخدمًا ألفاظا إن وردت على ألسنة العامة من الناس لاستُهجنت، فما كان ينبغي له التلفظ بها على النحو آنف البيان في حرم جامعي يحمل وزملاؤه أمانة وظيفة ورسالة تؤدى فيه.
قالت المحكمة عبر أسباب حكمها إن الطاعن الدكتور ماهر محمد سليمان، يشغل وظيفة أستاذ متفرغ بقسم السموم والطب الشرعي بكلية الطب البيطري بجامعة القاهرة، وقد صدر قرار رئيس الجامعة المطعون ضدها بمجازاته بعقوبة اللوم لما نُسب إليه من مخالفات أثيرت بمذكرة الدكتورة إيمان مصطفى السعيد، رئيس قسم السموم والطب الشرعي، الموجهة إلى عميد الكلية تشكو فيه الطاعن لتجاوزه اللفظي في حقها إبان مناقشة القسم جدول أعماله وبمناسبة بحث طلب أحد أعضاء القسم وهو الدكتور محمد علي الهادي، قائلًا:
“هذا الطلب سوف يُقبَل لأنه مقدم من ”جوز الست" بحسبان مُقدِّم الطلب هو زوج رئيس القسم، وعند محاولة هذا الأخير وقف التجاوز بقوله "احترم نفسك هي بلطجة" رد الطاعن بقوله "أيوة هي بلطجة وأنت جوز الست"، مما أدى إلى انسحاب معظم أعضاء القسم من الجلسة اعتراضًا على هذا التجاوز، فلم يكتمل عرض الموضوعات محل جدول الأعمال، مما سبب لها حرجًا أدبيًّا، فرُفِعَت تلك المذكرة إلى رئيس الجامعة الذي أحال الأمر للتحقيق بمعرفة أحد الأساتذة بكلية الحقوق بالجامعة، وإذ أجريت التحقيقات مع الطاعن فقد صدر القرار المطعون فيه بمجازاته.
التجاوز اللفظي
الثابت بالأوراق أنه بالتحقيق مع الطاعن تم تمكينه من الإدلاء بأقواله في عدة وقائع تضمنتها الشكوى، وبسؤاله عن واقعة التجاوز اللفظي في حق الدكتورة إيمان مصطفى السعيد، رئيس القسم محل عمله وفي حق الدكتور محمد علي الهادي ووصفه بعبارة "جوز الست" بمناسبة مناقشة طلب رسمي معروض على مجلس القسم.
فقد أفاد الطاعن أن الأمر معروض على القضاء ويرى وجوب انتظار الحكم فيه، وأورد بأقواله في التحقيقات أن كل ما يثار بشأنه سبَبَه خلافات شخصية طويلة الأمد بينه وبين الشاكية والدكتورة هالة فؤاد عارف، أستاذ متفرغ بذات القسم التي حررت مذكرة موجهة إلى رئيس القسم تفيدها بصدور تجاوز منه في حقها بصوت عالٍ مهددا إياها بعبارة "سوف ترين ما سوف أفعله لك وبك" حسبما وردت بمذكرتها وأفادت رفضه التوقيع في كشف حضور جلسة مجلس القسم، ولم يسُق بالتحقيقات إلا إنكارا لما تضمنته الشكوى المشار إليها، ولم يتناول تفنيدا واقعيا لما نُسب إليه من اتهام صريح بالتحقيق على النحو الوارد بمتنه، والمذيل بتوقيعه.
وإذ تبين أن مجلس القسم محل عمل الطاعن قد انعقد وبدر من الطاعن تجاوز لفظي في حق الشاكية المذكورة والدكتور محمد علي الهادي "زوجها" مرددا العبارات آنفة البيان الواردة بشكوى الشاكية المذكورة، وهو ما تأكد يقينا بمحضر اجتماع الجلسة الموقع عليه من أعضائه، والذي أشير فيه صراحة إلى عدم اكتمال الجلسة لتجاوز الطاعن في حق المذكورَين، ثابتة به العبارات آنفة البيان على وجه الدقة، وهو ما يقطع بثبوت ما نُسب إلى الطاعن بالتحقيقات المجراة معه، مدعوم هذا الثبوت الدكتور محمد علي مدعيا بالحق المدني ضد الطاعن أمام محكمة المطرية الجزئية، والصادر حكمها فيها بمعاقبته بغرامة مقدارها خمسة عشر ألف جنيه وإلزامه المصاريف الجنائية وبأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغ مالي مقداره عشرة آلاف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت، فتهيأت بالأوراق جميعها أدلة ثبوت ما نُسب إلى الطاعن في حقه.
كرامة الوظيفة
وظهر الطاعن بمظهر لا يتفق والتوقير اللازم لمحل العمل والاحترام الـمُفترض لزملائه بالعمل في ضوء أن مفهوم واجب الحفاظ على كرامة الوظيفة يتحدد فيما يجب أن يتحلى به الموظف العام من سلوك رفيع المستوى، بما يحفظ للوظيفة والعاملين بها كرامتهم، فيجب أن يتوفر الاحترام المتبادل بين جميع العاملين، سواء في ذلك الرؤساء والمرؤوسين طبقا للعرف العام مُقحما الشئون الشخصية البحتة منبتة الصلة بالموضوعية في إطار العمل، مستبقا مناقشة القسم عضويته بافتراض قبول طلب مقدم من أحد أعضائه لمجرد كون مقدم الطلب زوج لرئيسة القسم، مُغيِّبا رأيا لزملائه من أعضاء القسم يدلون به وفقا لتقديرهم وتحملا لأمانتهم في إبدائه، مستخدما ألفاظا إن وردت على ألسنة العامة من الناس لاستُهجنت، فما كان ينبغي له التلفظ بها على النحو آنف البيان في حرم جامعي يحمل وزملاؤه أمانة وظيفة ورسالة تؤدى فيه، فتعين أن يُقّدَّر التعاطي معها بقدره من رقي واجب.
وإذ تمت مواجهته على نحو صريح بالاتهام المنسوب إليه بالتحقيقات، ومُكِّن من الإدلاء بما يراه من دفاع، وصدر القرار المطعون فيه من المختص بإصداره وفي الحدود المقررة لرئيس الجامعة من جزاءات وفق ما نصت عليه المادة (112) من قانون تنظيم الجامعات آنفة البيان، فلا محل لقول أو دفع ببطلان التحقيقات أو صدور القرار المطعون فيه من غير مختص بإصداره، مما تلتفت معه المحكمة عما ساقه الطاعن في هذا الشأن، وإذ قام القرار الطعين على أسبابه السليمة قانونا وواقعا، فقد صدر صحيحا بمنأى عن الإلغاء، مما يغدو معه الطعن الماثل خليق بالرفض، ولهذه الأسباب قضت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعًا.