هل تحية العلم والوقوف للسلام الوطني حرام شرعًا؟.. دار الإفتاء تجيب
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه: نرجو بيان الحكم الشرعي في تحية العلم والوقوف للسلام الوطني؛ حيث يدَّعي بعض الناس أن ذلك محرَّم شرعًا لما فيه من تعظيم، والتعظيم لا يجوز للمخلوق، خاصةً إذا كان جمادًا؛ لأنه حينئذٍ يكون شِركًا أو ذريعةً إلى الشِّرك، وكذلك هو من التشبه بالكفار في عاداتهم القبيحة، كما أنه يعتبر بدعة؛ لأنه لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد خلفائه الراشدين رضي الله عنهم؟
وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي: العَلَم له عدة معانٍ في اللغة؛ منها: الفصل بَين الْأَرَضينِ، والشيء المنصوب في الطريق يهتدى به، والجبل، والرسم فِي الثَّوْب، والراية. انظر: "تاج العروس" للإمام الزبيدي (33/ 131-132، ط. دار الهداية).
حكم تحية العلم
والمراد منه هنا: هو خصوص الراية التي هي الآن رمز للوطن وعلامة للدولة. واعتبار العَلَم رمزًا كان معروفًا عند العرب قبل الإسلام لا سيما في الحروب، وقد تضمَّن الشعر الجاهلي ذكر الرايات والأعلام والألوية؛ من ذلك قول عنترة العبسي:وتَرَى بها الراياتِ تَخْفُقُ والقَنَا... وتَرَى العَجَاج كمثل بحر مُزْبِد وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اتخذ الرايات والألوية والأعلام، وعقد عليه المحَدِّثون أبوابًا في كتبهم؛ فقالوا: في "سنن أبي داود" (باب في الرايات والألوية)، و"سنن الترمذي" (باب ما جاء في الألوية)، و"سنن البيهقي" (باب ما جاء في عقد الألوية والرايات)، ونحوه.
وروى الإمامان الترمذي وابن ماجه عن سيدنا عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كانت راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوداء ولواؤه أبيض"، وروى الإمام أبو داود عن سماك عن رجل من قومه عن آخر منهم رضي الله عنه قال: "رأيت راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم صفراء"، وروى الترمذي عن جابر رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة ولواؤه أبيض"، وروى الإمامان أحمد وابن ماجه عن الحارث بن حسان البكري رضي الله عنه قال: "قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر، وبلال رضي الله عنه قائم بين يديه مُتَقَلِّدٌ سَيْفًا، وإذا رايات سود، فسألت: من هذا؟ فقالوا: عمرو بن العاص رضي الله عنه قدم من غَزَاةٍ". قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/ 127، ط. دار المعرفة): [كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مغازيه يدفع إلى رأس كل قبيلة لواء يقاتلون تحته] اهـ.
وللدلالة الرمزية للأعلام والرايات، فإنه قد جرتِ العادة بأن يعمد العدو إلى ضرب حامل الراية وإسقاطه قبل غيره؛ ليثبط من عزيمة الجيش؛ فمتى كان العَلَم مرفوعًا كان ذلك دالًّا على العزة والقوة والصمود، ومتى نُكِّس وسقط كان ذلك دالًّا على الهزيمة والذل والانكسار، وفي المقابل كان يحرص حامله على إبقائه مرفوعًا، ولو بذل في سبيل ذلك نفسه وروحه، لا لخصوص تعظيم القماش، بل لما يرمز إليه.
حكم السلام الوطني
لا مانع شرعًا من تحية العلم والوقوف للسلام الوطني؛ فكِلاهُما تعبير عن الحب لرمز الوطن وعلامته وشعاره، بل إنه لمَّا تواضع الناس وتعارفوا على كون ذلك دالًّا على احترام الوطن وتعبيرًا عن الانتماء ووسيلةً لإظهار ذلك في الشأن الوطني والعلاقات بين الدول، وأن تركه يشعر بالاستهانة أو قلة الاحترام، ويفضي إلى الخصام والشحناء وشق الصف والتراشق بالتهم بين أبناء الوطن أو المواقف المضادة في العلاقات الدولية، فإنه يتعين حينئذٍ الالتزام به ويصير واجبًا مطلوبًا شرعًا.
ولا يمكن القول بأن هذا من التعظيم المحرم؛ لأن التعظيم الممنوع هو ما كان على وجه عبادة المعظَّم، كما لا يمكن القول بأنه من التشبه بغير المسلمين المنهي عنه شرعًا؛ فالتشبه إنما يحرم فيما يتعلق بعقائدهم وخصوصياتهم الدينية إذا قصد المسلمُ بها التشبه.