إبراهيم عبد المجيد: أحاول نسيان كل من وقفوا بطريقى وقطعوا عيشي طوال 20 سنة | حوار
أجمع مقالاتي القديمة لطبعها فى كتاب وأنقح مجموعة قصصية وأجهز إصدارين للنشر
تشخيص خاطئ وراء تدهور حالتي الصحية
فاجأ الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد الوسط الأدبي والثقافي قبل أيام بنبأ مرضه. تشخيص طبي خاطيء تسبب في تدهور صحة أحد أكابر الرواية العربية صاحب الخمسة والسبعين عامًا. شكل الخبر صدمة لقراء ومتابعي صاحب "لا أحد ينام في الإسكندرية"، وكثرت التساؤلات حول طبيعة المرض؛ خاصة أن المثقفين في مصر لا يحظون بالرعاية الطبية الكافية.
وعبد المجيد صاحب مسيرة أدبية وإبداعية ناصعة، منذ تخرجه في قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية والتحاقه بالعمل في وزارة الثقافة وتدرجه في مناصبها، قبل استقالته وتفرغه لرحلة إبداعية رائعة، أصدر خلالها عديدًا من الروايات مثل:"البلدة الأخرى، "لا أحد ينام في الإسكندرية"، "بيت الياسمين"، "طيور العنبر"، "اﻹسكندرية في غيمة"، "العابرة"، و"في كل أسبوع يوم جمعة"، وغيرها، كما اقتنص عددًا كبيرًا من الجوائز المحلية والعربية، منها: جائزة نجيب محفوظ للرواية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عن روايته "البلدة الأخرى"، وجائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب لأحسن رواية عن روايته "لا أحد ينام في الإسكندرية"، كما حصل على جائزة الدولة للتفوق في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 2004، وبعدها بثلاثة أعوام حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة.
"فيتو" التقت إبراهيم عبد المجيد في منزله وتحدثت معه عن مرضه وآخر تطورات حالته الصحية وأعماله الجديدة.
أن تسبح بين سرديات وأعمال الكاتب والروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد هي متعة متكاملة الأركان، سيسحبك في غفلة منك إلى مغامرة مكانية يمتزج فيها الواقع بالخيال الفنتازي بالوجدان الجمعى، خلطة سحرية لا يعرف مقاديرها وأقدارها إلا صاحب أغرب شعار على وجه الأرض: «النسيان هو الذاكرة الحقيقية»... فما بالك بلقائه بشحمه ولحمه؟
على مدار ساعة قبل أن أصل إلى بيت إبراهيم عبد المجيد بإحدى ضواحي محافظة الجيزة؛ للاطمئنان عليه بعد إعلانه مؤخرا في أحد مقالاته تحت عنوان «قد لا يهم أحدا» عن إصابته بأزمة صحية عنيفة زادت بعد الذهاب والإياب للأطباء على مدار عامين دون فائدة.. كان ذهنى مشغولا وأنا في طريقي إليه ماذا سأقول له ؟.. كيف سأعبر له عن مدى حب مريديه له وتأثرهم بما أعلنه.. لماذا يطلب صاحب «ثلاثية الهروب من الذاكرة ومكان للنسيان» الرحيل ؟.. من أين أتى بشعور الغربة وأن لا أحد يهمه أمره ؟
انتظرت عدة دقائق قبل أن أدق جرس باب منزله.. كنت في حيرة من أمري.. سألتقى الأديب والمفكر الكبير الآن.. اختلطت الأفكار والمشاعر داخل رأسي.. تارة من خشيتى أن أراه حبيس اليأس والألم وكيفية استعادة ابتساماته وروحه المرحة، وتارة أخرى بين وسواسي الصحفي بألا استغل الفرصة وأجرى معه حوارا صحفيا – أمراض المهنة - فهو إبراهيم عبد المجيد وكفى.. ولكن كانت المفاجأة.
استقبلتني في حب ومودة زوجته السيدة تيسير سمك صاحبة الوجه البشوش والابتسامة الهادئة التي تخفى وراءها ما لا يتحمل القلب البوح به.. كان عبد المجيد متكئا على أريكة داخل عالمه الحقيقي.. مكتبه الذي كثيرا ما كان ولا يزال ملجأه الأول والأخير.. جهاز الكمبيوتر الخاص به – اللاب توب - جالسا أمامه يبدو عليه دخوله في استراحة مؤقتة بعد يوم عمل شاق مع صاحبه فما زالت بطاريته متصله بالكهرباء.. الكتب والمجلات والأوراق القديمة تحيط به من كل اتجاه.
بعد السلام والتحية.. داعبني قائلا: " جلست بجوار هاتفي منتظرا اتصالك تبلغيني بأنكِ في الطريق ".. ضحكت وقلت له: " الحقيقة العنوان كان سهل وميتوهش".
نهض الأستاذ إبراهيم مستعينا بمشايته ذات العكازين واتخذ مقعده خلف المكتب وبدأنا نتجاذب أطراف الحديث، قال: إنه يستمتع بجمع مقالاته التي كتبها في عدد ليس بقليل في الصحف والمجلات المصرية والعربية وتجهيزها لإصدارها في كتاب واحد، ويراجع روايته الجديدة التي لن ينشرها في الوقت الحالى، كما أنه انتهى من كتابين وأرسلهما لإحدى دور النشر تمهيدًا للطبع، وليس هذا فقط بل يعكف على تنقيح إحدى مجموعاته القصصية لإعادة طبعها بقصص جديدة، بالإضافة إلى متابعته لكل ما يحدث على الساحة من أخبار سياسية وثقافية ورياضية وفنية ويشارك في الكتابة والتعليق على كافة وسائل التواصل الاجتماعي.
استمر لقاؤنا لأكثر من ساعة ونصف الساعة، تحدثنا خلاله في كافة نواحى الحياة من محمد على باشا ومصر الخديوية وعظمة ثورة 1919 وجمال القاهرة والإسكندرية في الستينيات والسبعينيات، وروعة وأناقة الموضة والأزياء وحرية الإبداع والفكر وحال السينما المصرية وعظمتها، إلى ما نقرأه ونسمعه من فتاوى غريبة على العقل وحالة النوستالجي التي تعيش بداخلنا، وعدد من المواقف الكوميدية التي مرت بحياته ولم تنساها الذاكرة بعد.
أثناء حديث ثلاثتنا.. علمت من السيدة تيسير سمك، أن الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة تواصلت مع الأستاذ إبراهيم للاطمئنان عليه ومتابعة حالته الصحية، كما تحدث معه أحد المسئولين بوزارة الصحة للإطلاع على التطورات الأخيرة.. قائلة " تخيلي.. تشخيص خاطئ أدى إلى وجود ورم بسبب العلاج الطبيعي الخاطئ لمدة عامين.. الحمد لله.. أملنا في ربنا كبير وإن شاء الله يقوم بالسلامة ".
اتسمت جلستنا بالضحك والقهقهة.. فالروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد يتمتع بروح الفكاهة وعلى الرغم مما يفعله المرض اللعين من الآم تعتصر جسده بسبب وجود ورم في إحدى فقرات العمود الفقري، إلا أنه لم يشعرنى لحظة بذلك، فكان مصدرا للبهجة يقظا دؤوبا على العمل، فكل ما يشغله هو الانتهاء من جمع ما يستطيع من مقالاته وإعطائها لدور النشر، قبل خضوعه لإجراء عملية جراحية كبيرة.
في الساعة التاسعة والربع تقريبا.. أمسكت بحقيبة يدى واستعديت للرحيل، وقبل أن أرحل قال الأستاذ إبراهيم لي: " خذى ما تريدين.. فتحت المكتبة وأهدانى رواية وكتابين وهما طيور العنبر، ما وراء الخراب، الأيام الحلوة فقط ".. تسلمت المجموعة من يده ومازحته قائلة:" شكلك كده مش بتحب الكآبة والحزن ؟"
فقال بهدوء حاسم: " مبحبش افتكرهم من زمان، فكل المسيئين إليً ووقفوا في طريقى بقطع عيشي في كل مكان أكتب فيه أو أعمل فيه خلال سنوات حياتى الأولى ولأكثر من عشرين سنة لا أحب أن أتذكرهم "فشكرته وودعته بـ "سلامتك يا عم إبراهيم".
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ “فيتو”.