رئيس التحرير
عصام كامل

حق الفتاة في كلمة "لأ"

(ستألف فقدان الذي قد فقدته.. كإلفك وجدان الذي أنت واجدُ) بهذه الكلمات أعطى الشاعر العباسي "ابن الرومي" السلوى والطمأنينة لكل قلب انكسر، بأنه حتمًا سيتمكن من النسيان والتعافي ، وهو معنى مقارب لما أكده "إحسان عبدالقدوس"، بعد ما يناهز ألف عام، حينما كتب (في حياة كل منا وهم كبير يسمى الحب الأول، لا تصدق هذا الوهم؛ إن حُبك الأول هو حُبك الأخير).

 

أحيانًا يصدمنا "الرفض العاطفي" ليثير في قلوبنا مشاعر الحزن والأسى، فعندما يكشف الشاب مشاعره إلى فتاة ثم ترفضها فإن شعوره بالألم يأتي من منطلق حاجته إلى الحب الذي هو أحد الدوافع الأساسية التي يسعى الإنسان لتحقيقها. 

الرفض العاطفي أحد أشكال الرفض الوارد التعرض له، لذا يصبح من الضروري أن نتفهم كيفية التعامل "العقلاني" معه لتجاوزه بما لا يؤثر على تقديرنا لذاتنا، أو يجعلنا نتخيل تصورات خاطئة بأن هذا الرفض هو نهاية الحياة بالنسبة لنا.

 

 

تذكرت هذه الأمور عندما شاهدت مؤخرًا إحدي المجموعات على موقع "فيسبوك"، التي خصصها أصحابها للإجابة على استفسار محدد (كيف نمضى قدمًا بحياتنا بعدما تعرضنا للرفض العاطفي؟). ورغم أن هذه المجموعة، التي إنضم إليها أكثر من مليون متابع، لم تقدم حلولًا جدية لكيفية تجاوز الرفض العاطفي -إنما خُصصت لنشر "الكوميكس" والمواقف الكوميدية عن العلاقات الإنسانية- إلا أنه يُحسب لها طرحها لاستفسار جاد وجب البحث عن إجابات حاسمة له.

 

ألم الرفض العاطفى 

 

إن التعرض للرفض العاطفي يُولد شعورًا طبيعيًا بالإحساس بالألم والخسارة والفقد، لذا علينا أن نتقبل مشاعر الحزن ونُعبر عنها.. أما إذا رغبنا في القليل من الغضب، فليكن ذلك عبر الأدوات الإبداعية.. اكتب أو ارسم أو اعزف إذا استطعت.. أو ربما تجد الرثاء في الحديث مع أحد المقربين منك للإفصاح عن مشاعرك.. لا تكبت مشاعرك ولا تجعلها تتحكم في حياتك أو تحطم مستقبلك.

 

يؤمن بعض العلماء بأن العقل يستجيب للألم العاطفي بالطريقة ذاتها التي يستجيب فيها للألم الجسدي، لذا من الناحية العلمية يمكن تصديق التعبير "الأدبي" الذي يعتبر أنه ليس هناك فارق بين الطعنة في الجسد أو فراقك لمن تحب!

 

في مجتمعاتنا الشرقية نحتاج تعلم ثقافة الرفض.. والوعي بأن كلمة "لأ" هي حق أصيل للفتاة وجب احترامه في وقت يعيش البعض معنا في المكان ذاته، بينما يفصلنا عنهم عقود من التطور، ففيما نعيش نحن في القرن الحادي والعشرين نجد البعض لا يزال تحت ظلال البدائية.. قد يرتدون ملابس عصرية ولكن أسفلها لن تندهش إذا رأيت ملابس إنسان الكهف بارزة.. أمثال هؤلاء هم أنفسهم من أسعدتهم قبل عامين إحدى الأغنيات التي شجعت على تعنيف الفتاة إذا "قالت لأ"!

 

وبفضل عقولهم الحجرية تطالعنا الصحف المصرية والعربية بعناوين إخبارية صادمة تتكرر باستمرار عن القبض على أحدهم بتهمة قتل فتاة ،لأنها رفضت خطبته مثلما طالعتنا الصحف السورية قبل أعوام بأخبار تفجير شاب لمنزل حبيبته بالقنابل بعد رفضها الزواج منه!

 

هذه الجرائم العنيفة تستحق التحليل لمحاولة الإجابة عن استفسار آخر (كيف استطاع البعض أن يصنعوا "العنف" من "الحب".. أو كيف استحالت بفضلهم مشاعر الحب النقية إلى جرائم مفزعة؟).. في ظني أن الإجابة على هذا الاستفسار ستكون هي عدم تعلمهم ثقافة "قبول الرفض".. وعدم قدرتهم على تجاوز مشاعر الألم والتحرر منها.

نحتاج أن نتقبل الرفض بقدر سعينا إلى الحب.. أن نحترم حق الفتاة في "الرفض العاطفي" والتصريح بكلمة "لأ".. وأن نؤمن دائمًا بأن "لأ".. كلمة لا تكتب النهاية.. بل ربما تكون مجرد "بداية جديدة"!

 

الجريدة الرسمية