طبيب فوق العادة.. أحمد شقير بعد حصوله على المركز الأول إفريقيًا: لم أحصل على جنيه واحد من "جيب" مريض
نبيل آخر من نبلاء الطب الذين يعملون في صمت ولا يحبون الأضواء والشهرة، يؤمن أن الطب رسالة أكثر من أي شيء آخر، ولا يعرف محطة نهائية لمسيرته العلمية الممتدة والتي جعلته أحد أفضل أطباء العالم في أمراض الكلى، رغم ذلك، مازال في بلدته يتابع مرضاه ويزورهم رافضًا فتح عيادة تُحول الطبيب إلى تاجر والمرضى إلى زبائن.
الدكتور أحمد شقير، الحاصل على المركز الأول مصريًا وإفريقيا، والمركز التاسع والثلاثين عالميًا في المسالك البولية، يعمل في صمت، لكن حرصت فيتو على التواصل معه لرواية قصته الملهمة ومسيرته العظيمة.
وبعد اتصال معه، حكى الطبيب العالمي رحلته التي بدأت بميلاده عام 1956 في قرية البدرشين بمحافظة الجيزة، لوالد يعمل مدرسا في كلية الطب، و4 أشقاء وشقيقة وحيدة، ليكون الطب هو عنوان تلك الأسرة، أما الدراسة فيقول: “درست الصف الأول والثاني الابتدائي بمدرسة النصر الابتدائية بقريتي: " قبل أن يعود أبي من بعثة في الاتحاد السوفيتي عُيّن على إثرها بكلية الطب بجامعة أسيوط 164، لاستكمل دراستي حتى المرحلة الإعدادية في صعيد مصر.
دراسة الطب
فى عام 1972 وكما يكمل “شقير” تولى والده رئاسة قسم الطب بجامعة المنصورة، والتحق هو بمدرسة الملك الكامل الثانوية بنفس المحافظة ليحصل بعدها على مجموع 95%، ويصنف ضمن أوائل الثانوية العامة ويلتحق بكلية طب المنصورة.
ويتذكر “شقير” في حديثه مع “فيتو” إنه منذ اللحظة الأولى نظر إلى المركز الأول، وهو ما حدث فتم تعيينه معيد بالكلية بعد التخرج، ليبدي رغبته في العمل بقسم المسالك بمستشفى الجامعة، وبالفعل تمت الموافقة على رغبته كونه من الأوائل.
التجنيد
في 1980 التحق شقير بالقوات المسلحة لآداء الخدمة العسكرية، وفي نفس الوقت أكمل الدراسات العليا ويقول هو عن تلك الفترة "كنت أشعر بالفخر والعزة عندما أقرأ في الكتب وأجد اسم والدي مرجع للكتب التي أطلع عليها".. بهذه العبارة استكمل "شقير" حديثه هناك الكثير من الكتب والمراجع لوالدي وكانت تنشر دائما في مجلات دولية، وكان يدفعني ذلك للاجتهاد أكثر لأسير على نفس النهج ويصبح اسمي مرجعا.
وبعد الانتهاء من فترة الجيش تم تعيينه نائب رئيس قسم، وقتها كان الدكتور ونبيل الطب الثاني، محمد غنيم رئيس القسم، وخلال تلك الفترة نظم الرئيس الراحل السادات زيارة مفاجئة للدقهلية ومعه النائب البرلماني ممدوح فودة، وزار مستشفى الجامعة، وأعجب الرئيس بقسم 4 مسالك فكان من أنظف الأقسام في المستشفى، واثني النائب ممدوح فودة علي جهود الدكتور غنيم والذي أجرى أول عملية زراعة كلى في مصر في مارس 1976، وعرض النائب البرلماني علي الرئيس السادات رغبة الدكتور غنيم في فتح مركز كلي وخاصة مع انتشار داء البلهارسيا، وتحمس الرئيس للفكرة وأصدر قرار بإنشاء المركز في حديقة شجرة الدر، وتم افتتاح مركز الكلى عام 1981، كنت اشغل منصب نائب المركز آنذاك.
النشر الدولي
بعد ذلك التاريخ وفي عام 1986 حصل “شقير” على درجة الماجستير ثم الدكتوراه في 1990 من جامعة المنصورة، ليبدأ النشر الدولي في مجلات دولية، ويقول هو " واجهت مشاكل كثيرة بسبب رفض مقالاتي في البداية وأصبت بإحباط ولكني لم أيأس، وكنت أقرأ أسباب الرفض وأعيد كتابة المقال مرة أخرى، وفي كل مرة يتم رفض فيها مقال كنت اتعلم أسباب الرفض ومع تكرار الرفض وتكرار عدد سنوات المعاناة الأولى، مررت بكل الأخطاء التي من الممكن أن يقع فيها الباحث، فتكونت لدي خبرة متراكمة في مجالات الكتابة العلمية من كثرة الأخطاء التي وقعت فيها، وخاصة أنه في ذلك الحين لم يكن هناك اهتمام بتعليم الطلاب مبادئ البحث العلمي كما هو الآن، وكان الأمر متروك للطالب يعلم نفسه بنفسه، فقد كان عندي اصرار شديد على التميز والنشر في مجلات دولية.
وبعد نشري أكثر من مقال في المجالات العلمية، أصبحت أول محكم دولي في مصر، ففي عام 1994 حكمت أول مقالة في مجلة أمريكية، فلم تكن مصر في ذلك الحين على خريطة التحكيم الدولي للمقالات الدولية، وأصبحت محكم في أكثر من مجلة، حتي وصلت عدد أبحاثي إلى 70 بحث منشور في مجلات دولية.
وفي ذلك الحين قررت الحصول على شهادة الدكتوراة من جامعة رتوردام، هولندا عام 1999، ونشرت منها عدد ضخم من المقالات، وبعد عدة سنوات قررت الحصول على البورد الأوروبي لجراحة المسالك البولية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001.
الجوائز
نصيب شقير من الجوائز كان قدر اجتهاده ومكانتها المرموقة، فحصل على جوائز من أكاديمية البحث العلمي المصرية 1992، وميدالية الشرف من نقابة الأطباء المصرية 1992، وجائزة الدولة التشجيعية في العلوم الطبية عام 1993، وجائزة شومان للأطباء العرب الشبان الصادرة من مؤسسة شومان بالأردن عام 1995، ونوط الامتياز من الدرجة الأولى من رئيس الجمهورية عام 1995، وجائزة أفضل بحث من مجال المسالك البولية المؤتمر السابع والثلاثون لجمعية جراحي المسالك البولية المصرية 2002، جائزة المنصورة في العلوم الطبية الصادرة عن أكاديمية البحث العلمي المصرية عام 2003، جائزة الدولة للتفوق في العلوم الطبية الصادرة عن أكاديمية البحث العلمى المصرية عام 2004، وجائزة أحسن بحث منشور من مركز البحوث الطبية بمؤسسة حمد الطبية بقطر 2008، وجائزة الاتحاد الافريقي في العلوم الأساسية والتكنولوجيا والتحديث 2010، جائزة مصر الخير لأكثر الباحثين مرجعية في الدوريات العلمية لعام 2011، وجائزة مؤسسة مصر لأحسن بحث في العلوم الحياتية لعام 2011، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم الطبية الصادرة عن أكاديمية البحث العلمي المصرية عام 2013، وجائزة الجامعة التقديرية في العلوم الطبية الصادرة جامعة المنصورة لعام 2015، جائزة د.محمد ربيع ناصر في العلوم الطبية عام 2018، جائزة مكرم مهنى في العلوم الطبية 2019.
وتم اختياري من قبل الرابطة العربية للمسالك البولية لأكون رئيس تحرير المجلة العربية للمسالك البولية، وكانت تلك المجلة متدهورة نهائيا، اهتممت بها حتى أصبحت من أهم 50 مجلة على مستوي العالم، ومن المتوقع أن يرتفع ترتيبها العام القادم لأفضل 30 مجلة على مستوى العالم.
رسالة الطب
رغم ذلك لم يفتتح الدكتور أحمد شقير، عيادة خاصة به، ويقول عن ذلك، رفضت لأنني مؤمن أنه من واجب الطبيب علاج المريض بدون أي مقابل فيكفيه المرض، فطيلة عمري وحياتي المهنية لم أحصل على جنيه واحد من مريض، كما أنني كنت أحاول على قدر الإمكان مساعدة المرضي الذين لا يستطيعون إجراء العملية من أموال الزكاة، وأضاف: توفير وقت فتح عيادة ساعدني أكثر على نشر الكثير من الأبحاث العالمية حتي وصل عددهم حتى الآن إلى 300 بحث دولي تشمل كل جوانب المسالك البولية، فكنت كل 5 سنوات أركز على مجال معين أنشر فيه ما يقرب من 60 مقال.
ويكمل "تمت ترقيتي لشغل منصب مدير مركز أمراض الكلى ورئيس قسم المسالك في الفترة من (2012-2016) وخلالها أسست مركز جينوم وأبحاث السرطان، به أحدث الأجهزة للتعرف على مسببات السرطان والفشل الكلوي، فالتعرف على أسباب المرض كأول الطرق لتجنبه ومنعه، وفي آخر 5 سنوات كانت معظم أبحاثي التي أقوم بنشرها في المجلات الدولية في مجال العلوم الأساسية أي مسببات مرض "السرطان"، وما هي الخلايا التي تسبب حدوث مرض السرطان، وما التغيرات التي تحدث في الخلايا وتجعلها عرضة للإصابة، وهذا أكثر توجهي واهتمامي الفترة الحالية، وبسبب ذلك تم اختيار مركز الكلى كمشارك في المبادرة الرئاسية "جينوم المصري"، والذي تم الإعلان عنها منذ عدة شهور.
ويضيف: "كنت أعمل خلال توليتي منصب مدير مركز الكلى طيلة الـ 4 سنوات من 8 صباحا إلي 10 مساء، أمر يوميًا على المركز، وأصدرت أوامر بإجراء العمليات صباحًا ومساءًا، ونجحت بفضل ذلك في القضاء على قائمة الانتظار التي كانت تمتد لـ4 سنوات لتصل لأسابيع قليلة أو أيام قليلة، وقضينا أيضا علي قوائم الانتظار في العيادات الخارجية، فكانت نهضة غير مسبوقة وكان العاملين في حالة رضي بسبب حصولهم على حوافز إضافية، وكنت أشارك في العمل لكني رفضت الحصول على حوافز إضافية.
الحياة الشخصية
أما الحياة الشخصية، فيقول الدكتور أحمد شقير، تزوجت من سيدة خريجة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ولدي 3 أبناء أكبرهم فرح مدرس أشعة في كلية طب المنصورة، وفريدة مدرس مساعد بقسم علم الأمراض، وأصغرهم محمود توفي عام 2013 عندما كان يدرس في الصف الثالث من كلية الطب، كانت أصعب أزمة مريت بها في حياتي.
وأكد "شقير" أن عزوفه عن الأموال كان أحد أسباب نجاحه، قائلا: "لدي حرية في التصرف ليس لدي مكبل، لأن ما يكبل الإنسان حرصه على المال، وأنا ليس لدي أي طموح مالي، سعادتي البالغة تكمن في نشر مقالة أو الحصول على جائزة"، مضيفا كنت أعمل في مهنة النشر الدولي قبل أن يكون لها أي قيمة، فلدي رصيد من المقالات الدولية لا يضاهيها أي شخص في عمري أو حتى أكبر مني، وخاصة أنه منذ 20 عام مضى لم يكن هناك فرق بين النشر في مجلة محلية أو دولية، فالجميع يحصل علي الترقية أينكان محل النشر، فلم يهتم أحد بالنشر الدولي.
أما عن مهنة الطب في مصر، يقول شقير، أن مهنة الطب منتهكة ولم تحصل علي حقها، لذلك يوجد هجرة جماعية للأطباء، فالطبيب حديث التخرج يحصل علي راتب ضئيل جدا لا يساعده إطلاقا أن يحيا حياة كريمة، لذلك يضطر للعمل في المستشفيات الخاصة، ولم يركز في العمل الحكومي أو البحث العلمي لأن البحث العلمي لا يُجني أموال، فالبحث العلمي يتطلب توفر للباحث جميع أساسيات الحياة ليستطيع أن ينتج، كما يعاني الأطباء من عدم وجود برامج مميزة لتدريبهم بشكل جيد.
ويضيف، بعض الأطباء لا يراعون ضمائرهم في تحديد فيزيتا الكشف أو إجراء العمليات، كما أن الكثير منهم يهمل في الذهاب للمستشفى الحكومية أو الجامعة لآداء مهمته التي يتقاضى عليها أجر، ويجعلون مواعيد عيادتهم الخاصة في نفس مواعيد عملهم الرسمي.
الظروف الحالية تضع الكوادر الصاعدة أمام أمرين: أولهم أن يكون قدوته من يرفع “فيزيتا” الكشف في عيادته الخاصة ويصل للثراء السريع، ويظهر علي القنوات الإعلامية يتحدث عن مجاله ويعلن عن رقم هاتفه وعنوان عيادته مقابل مبلغ مادي يدفعه للقناة المستضيفة له.
أو السير في طريق البحث العلمي وهو رحلة في منتهى العذاب، ولم ينجح فيها إلا من لديه إصرار شديد على السير فيها ويملك عزيمة للاستمرار، فلا يوجد أي حافز في مصر للطبيب الصاعد لكي يكون عالم أو باحث، وأكبر مثال الدكتور مجدي يعقوب وغيره لم يستطيعوا تحقيق ما وصلوا إليه الإ بسفرهم للخارج، والأصعب من ذلك أن أثمن شهادة تكريم يحصل عليها العالم أو الباحث هي شهادة النيل والتي تصل قيمتها منذ عدة سنوات لـ 500 ألف جنيه، في حين أن لاعب الكرة يحصل علي ملايين الدولارات بمجرد احرازه هدف.