ما حكم الشرع في الاحتفال بالموالد وتشبيه أفعالها بمناسك الحج؟
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه “ ما حكم الاحتفال بالموالد؛ مثل مولد سيدنا الحسين والسيدة زينب عليهما السلام؟ وما حكم الأفعال التي يأتيها بعض الناس في هذه الموالد من الذبح والنذور وغيرها من الأفعال؟ وما حكم من يُشَبِّه تلك الأفعال بمناسك الحج؟
وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي: إحياء ذكرى الأولياء والصالحين أمرٌ مرغبٌ فيه شرعًا؛ لما في ذلك من التأسي بهم والسير على طريقهم، ولا بأس من تحديد أيام معينة يُحتفل فيها بذكرى أولياء الله الصالحين، سواء أكانت أيام مواليدهم أم غيرها؛ فإن هذا داخل تحت عموم قوله تعالى: ﴿وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّامِ اللهِ﴾ [إبراهيم: 5].
وأما ما يحدث في هذه المواسم من أمور محرمة؛ كالاختلاط الفاحش بين الرجال والنساء فيجب إنكارها وتنبيه أصحابها إلى مخالفة ذلك للمقصد الأساس الذي أقيمت من أجله هذه المناسبات الشريفة.
حكم الاحتفال بالموالد
وأما الذبح والنذر للأولياء والصالحين فمعناه أن ثواب ذلك للولي والصالح؛ سواء صرح بذلك بقوله: هذا عن فلان، أو جعلتُ ثوابه له، أو قال: ذبحت أو نذرت لفلان، ولا يخرج الذبح أو النذر بذلك عن كونه لله تعالى، وهذا كما يقول المتصدق: هذه صدقة لله تعالى وهي لفلان؛ فإن اللام الأولى داخلة على مَنْ تُعُبِّد بالصدقة لوجهه الكريم وهو الله تعالى، واللام الثانية داخلة على مَنْ جُعِل ثوابُها له من الأحياء أو الموتى.
كما ورد عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ، فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الْمَاءُ»، فَحَفَرَ بِئْرًا، وَقَالَ: هَذِهِ لأُمِّ سَعْدٍ. رواه أبو داود في "سننه".
وعلى ذلك: فالنذر والذبح للأولياء والصالحين بهذا المعنى الذي يقصده الناس صحيح وليس شركًا كما يُرَوِّجُ البعض، ولا ينافي التوحيد وإخلاص العبادة لله تعالى؛ لأنه لا معنى له عند قائله إلا جعل ثوابه للمتوفى، فهو نذر أو ذبح لله سبحانه وتعالى مُتَقَرَّبٌ به إليه، جعله صاحبه صدقةً عن الولي الصالح ووهب ثوابه إليه.
وههنا أمر ينبغي التنبيه عليه، وهو أن النذر على نوعين: مطلق ومعلق، والمعلَّق منه مكروه، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عَنِ النَّذْرِ وقَالَ: «إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا؛ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ» متفق عليه، فالأَوْلى بالمسلم أن يتقرب إلى الله تعالى بالعمل الصالح والطاعة من غير أن يعلِّق ذلك على حصول شيء أو عدم حصوله.
ونذر الطاعة على نوعين: نذر العبادات المقصودة: وهي ما كان لوجوبها أصلٌ في الشرع، كالصلاة والصوم والحج وغيرها، وهذا النوع يلزم الوفاء به بالإجماع.
ونذر القُرَب غير المقصودة: وهي التي ليس لها أصل في الفروض، لكنها أعمال وأخلاق مستحسنة رغَّب الشرع فيها؛ كبناء المساجد وتشييع الجنائز وتشميت العاطس ونحو ذلك، وهذا يلزم الوفاء به عند الجمهور خلافًا للحنفية.
ولا يقدح في صحة النذر عن الميت قولُ الفقهاء إن النذر لا ينعقد للميت؛ إذ مرادهم بذلك استحالة تسليم عين المنذور إلى الميت، وهذا لا يقصده أحد من الناذرين.
والمنسك في اللغة: موضع الذبح، وتشبيه هذه الموالد وما يحصل فيها من الذبح وإطعام الطعام بمناسك الحج إنما يتحدّد حكمه تبعًا لوجه الشبه الذي يقصده المُشَبِّهُ؛ فإنه إن قصد بذلك كثرة الواردين إليها أو كثرة ما يذبح فيها من الذبائح أو غير ذلك كما يحصل في الحج فهذا إخبار بالواقع، أما إن كان القصد أنها واجبة وجوب الحج فهذا خطأ؛ لأن أمثال هذه الموالد إنما جازت -وإن لم يفعلها الصحابة والتابعون- لكونها متفقةً مع الأصول العامة للشريعة.
أركان الحج
أما عبادة الحج فهي ركن من أركان الإسلام وشعيرة من الشعائر التي جاء بفرضها الكتاب والسنة وأجمع عليها المسلمون؛ مُشَكِّلَةً بذلك جزءًا من هوية الإسلام التي لا يجوز الاختلاف عليها.
وإن كان قصد هذا القائل النهيَ عن أصل فعل هذه الموالد والادعاء بأنها صارت مثل مناسك الحج عند العامة سالكًا بذلك مسلك المنع منها سدًّا للذريعة فهذا منهج غير سديد؛ لأن الإيغال في باب سد الذرائع غير مرضيٍّ عند العلماء والمحققين؛ لِما فيه من التضييق على الناس فيما وسع الله عليهم، وإغلاق أبواب الخير عنهم بحجة الاحتياط من الوقوع في الخطأ، وما يؤدي إليه ذلك من تحريم الحلال المجمع عليه، والحق لا يُحتاط له بالباطل، ومن المقرر شرعًا أن "الخطأ في فعل الجائز لا يقلبه حرامًا".