رئيس التحرير
عصام كامل

هيكل يرسم ملامح المستقبل السياسي في مصر.. تشكيل مجلس أمناء للثورة لحمايتها.. "العواجيز" لا بد أن يمتنعوا عن المشاركة في الحكومة المقبلة.. السعي بوسائل سياسية لاستيعاب الإخوان

الكاتب الصحفى محمد
الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل

فى حلقة جديدة من حلقات "مصر أين؟ ومصر إلى أين؟" رسم من خلالها الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، خارطة طريق للفترة المقبلة بعد تطور العملية السياسية بعزل الدكتور محمد مرسى من رئاسة الجمهورية وتعيين المستشار "عدلى منصور" كرئيس شرفى للبلاد لحين إجراء انتخابات رئاسية ودستور يتوافق عليه جميع المصريين.

حاول "هيكل" خلال تلك الحلقة بث الأمل فى نفوس المصريين، بضرورة عمل مصالحة وطنية مع الإخوان المسلمين لأنهم جزء من نسيج هذا المجتمع، إلى جانب توضيح بعض الرؤى التى من الممكن أن تكون غائبة عن غالبية الشعب المصرى. 

فى البداية أعرب الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل عن سعادته برؤية جموع الشعب فى ميدان التحرير، بعد أن استيقظت مصر لاسترداد ما سُرق منها، على حد تعبيره، مشيرًا إلى أن خروج المصريين على مدى أيام يعد كسرا لقيدهم، قائلا: "إن الشباب الطموح مد يده واستعاد روح وطنه"، ومصر قادت الفكر والفعل على مدى العامين السابقين، والعالم شعر السنوات الماضية أن مصر خارج الجغرافيا والتاريخ والزمان.

وقال الكاتب الصحفى إن السياسة الخارجية المصرية على مدى 40 عاما اعتمدت على الولايات المتحدة، وفى الساعات الأخيرة لم تتوقف الاتصالات بين مصر وواشنطن، والسلطة ذهبت لمن لا يستحق بتوجيه أمريكى، والشباب تخطى إعلان الإرادة إلى كسر القيد، والسياسيون العرب قالوا إن مصر التى نعرفها عادت إلينا، والحشود الشعبية فى ميادين مصر فاجأت العالم كله.

وأوضح "هيكل" أن أمريكا اعتقدت أن الإخوان جاءوا بانتخابات ديمقراطية، و"كيرى" بعد حركة الشباب قال إن: "الإخوان يعتقدون أن لديهم أغلبية"، وكل صانع قرار مصرى كان يضع فى اعتباره أمريكا بسبب المساعدات، والولايات المتحدة كانت تسيطر على القرار بطريقة "وضع اليد"، وخروج المصريين أبهر العالم لأنه ظاهرة غير مسبوقة فى التاريخ الإنسانى، وخروج الصعيد والريف أربك الجميع لأنه كان القاعدة التصويتية الأكبر للإخوان.

وأكد "هيكل" أن الحركة الشبابية أضاعت أوراقا من الضغط الأمريكى، ومن الطبيعى أن تتحدث الإدارة الأمريكية عن ضغوط المساعدات، وأمريكا تلوح بأوراق الضغط لكن لا تستخدمها، ومرسى تصور أن مظاهرات 30 يونيو تشبه مظاهرات سابقة، والبعض قال له إنه تسونامى ولكنه لم يهتم، منوهًا أن من المخاطر التى تواجه مصر حسابات الموقف الأمريكى، وسياسة الجزيرة مباشر فى مصر غير مقبولة.

وأشار إلى أن بوادر التباين بين السيسى ومرسى ظهرت مع دعوة الجيش للقوى الوطنية للحوار، وكنت أتلقى رسائل من مرسى عن طريق السيسى، وأثار دهشتى هذا الأمر، والسيسى حدّث مرسى عن الاستقطاب السياسى فى البلاد، وأكد اهتمام القوات المسلحة بشرعية القرارات الصادرة، ومن مصائب الإخوان إرسال 3 آلاف جهادى إلى سيناء.

واستطرد أن السيسى احترم طبيعة العلاقة مع القائد الأعلى للقوات المسلحة لدرجة جعلت البعض يشك فيه، كما أنه رجل متدين ولكنه تدين مماثل لكل المصريين، كما أنه طلب من مرسى الغطاء السياسى لتحرك القوات المسلحة عبر توافق وطنى، ومرسى عارض دعوة السيسى القوى الوطنية للحوار، فالاختلاف ظهر فى عدة مواقف.

كما أشار "هيكل" إلى أن الفريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع لم يكن يفكر فى تدخل الجيش فى السياسة، والقوات المسلحة احترمت شرعية الرئيس المعزول محمد مرسى كأول رئيس منتخب، والسفيرة الأمريكية بالقاهرة آن باترسون التقت الأطراف كافة الأسبوع الماضى بما فيهم السيسى، ولم تقابل الدكتور مرسى، والتقت شخصيات مقربة من الإخوان.

وعن رد فعله تجاه مهلة السيسى للرئيس المعزول محمد مرسى، قال: ذُهلت مما فعله الفريق السيسى بكتابة بيان مهلة الـ48 ساعة بنفسه، والقوات المسلحة أدركت أن شرعية مرسى تتآكل وأنه لا يعترف بذلك، ومرسى وضع القوات المسلحة بموقف خاطئ فى مؤتمر قاعة المؤتمرات، وارتكب كوارث شهر يونيو تحت ضغوط معينة، وكان أبرزها قطع العلاقات مع سوريا، موضحا أن "مرسى" تجاوز الحدود فى حضور السيسى فى مؤتمر قاعة المؤتمرات.

وأضاف "هيكل": مكتب الإرشاد طلب إقالة السيسى وكافة القيادات العسكرية، لكن مرسى أدرك أنه بإقالته للسيسى سيتم إقالته شخصيا، وقوات الجيش كانت مستنفرة بسبب أحوال البلاد، و"مرسى" أيقن استحالة نجاحه فى حالة الاستفتاء، وتصور أنه الشعب والدولة وتجسيد للإرادة الإلهية، وقيادة القوات المسلحة طرحت على مرسى فى البداية فكرة الاستفتاء الشعبى، وما حدث ليس انقلابا عسكريا، لأن الانقلاب العسكرى هو الاستيلاء على السلطة، والجيش يحمى العملية الديمقراطية دون التدخل فيها، والبيان الأول الذى أصدره الجيش، كان يتضمن الدعوة لاستفتاء شعبى، يدعو إليه المعزول مرسى ولكنه رفض.

واستطرد "هيكل": الشعب استرد الشرعية من الرئيس بالحركة الشعبية فى 30 يونيو، وتم تغيير البيان الأول بعد الاتفاق على التشاور مع الأطراف السياسية قبل إصداره، والبيان الأول للقوات المسلحة تضمن دعوة المرشد العام، و"مرسى" قال للسيسى بعد بيان الــ48 ساعة، إنه سيقيل الحكومة والنائب العام، والسيسى رد بأن سقف المطالب تجاوز هذه التنازلات، والموقف السياسى فرض على القوات المسلحة اتخاذ هذه الإجراءات، والقوات المسلحة رأت فى اجتماعها الطارئ أن البلاد أصبحت فى حالة خطر.

وشدد الكاتب الكبير على ضرورة السعى بوسائل سياسية لاستيعاب الإخوان المسلمين، وأتمنى عدم اللجوء لحلول السلطة فى مواجهة التيار الإسلامى، واتباع سياسة الإقصاء خطأ، وإلى أن الإخوان كانوا يسعون للوصول للسلطة حتى ولو بصفقة مع الشيطان، واستولوا على ثورة ليست من صنعهم، وحديث الإخوان عن الانقلاب العسكرى نوع من الإنكار العام لفشلهم، والإخوان لا يرغبون فى فهم أن إدارة محل تجارى لا تصلح لإدارة دولة.

وأوضح "هيكل" أن سبب صدام الجماعة على مر العصور، يرجع إلى أن الإخوان فى ذهنهم حلم السلطة، ويسعون لهذا الحلم بأقصى سرعة، وإنكارهم للأخطاء هو سبب التعجيل بسقوطهم، ومن غير الممكن أن يكون الآخر دائما مخطئا، ومصر تمر بفترة مبشرة جدا لخروجها من مرحلة اللا خيارات إلى حرية الاختيار، وكافة الأطراف لم تكن تتصور الخروج من المأزق بعد عام واحد على أول رئيس منتخب.

وأكد "هيكل" أن الطوفان الشعبى فرض ما لم يكن متوقعا، مضيفا أن العواجيز لا بد أن يمتنعوا عن المشاركة فى الحكومة المقبلة، ونحن بصدد بناء دولة جديدة، والارتجال لا يصلح، ونحتاج لخطاب سياسى يحترم العقول، ومصر بحاجة لإعلان دستورى ومراجعة الدستور، وتشكيل أقوى وزارة شهدتها مصر على مر تاريخها، ومصر تحتاج القوى الموجودة بالشارع فى أماكنها ولو حتى معنويا، ويجب استدعاء الكفاءات المصرية من الخارج، مثل محمد العريان الذى يمكن أن يقبل الحضور لمصر كمستشار اقتصادى للرئيس.

وأردف هيكل: يمكن تشكيل مجلس أمناء للثورة لحمايتها، ويجب طمأنة الجميع بمن فيهم الإخوان المسلمين، ويجب أن نتجاوز دولة العواجيز، وتحديد السن مهم بهذه المرحلة، ورئيس الوزراء هشام قنديل اتهم وزراءه المستقيلين بالخيانة، ونحتاج إلى رئيس وزراء اقتصادى وعمره لا يتجاوز 65 عامًا، ولا بد من تعيين رئيس وزراء شاب وسياسى واقتصادى، ويجب الابتعاد عن الشباب عديمى الكفاءة، والمشهد حاليا مليء بالشيخوخة، وهشام رامز اسم جيد لرئاسة الوزراء.

وأكد "هيكل" أن حزب النور يمكن أن يكون جسرا لإفاقة الإخوان المسلمين، والأحزاب مكلفة أن تكون سياسية، والوطن فى أولوياتها، ومصر لا تحتمل أى فشل أو ارتجال، ونحن أمام مسئولية وليس حرية الاختيار، وفشل المرحلة لا تتحمله مصر فقط بل العالم العربى والمنطقة بأسرها، ومظاهرات 30 يونيو أثبتت أن الوطن غير قابل للموت أو التراجع، وأشكر الله أنه أمد عمرى لأرى هذه الثورة.. لأضيفها إلى رصيد ما شاهدته.

وأنهى "هيكل" حديثه قائلا: إن الأحزاب عليها دور سياسى أكثر من حزبى، لأنها الآن أمام مسئولية استدعاء وطن، ورأيت العديد من تجاوزات الإعلام، ووصل الأمر إلى أن يسأل البعض عن العلاقة بين "رجل وبقرة"، والإعلام كان فى طليعة المقاومة الشعبية، ونحن بحاجة لعيون ساهرة يقظة للمرحلة المقبلة، مع أننى من أنصار حرية التعبير، ولكن يجب أن تعى وسائل الإعلام أنها أمام مسئولية وطن، واستخدام المقدس الإلهى فى وسائل الإعلام لضرب المقدس التاريخى نوع من الجنون.
الجريدة الرسمية