كيف استقبل المصريون خبر وفاة عبد الناصر؟
صدمة وذهول.. هكذا يمكن وصف حال أغلب الشعب المصري يوم وفاة الزعيم جمال عبد الناصر، فبمجرد إعلان الخبر خرج مئات الآلاف من المصريين إلى الشوارع غير مصدقين.
الصدمة لم تقع فقط على ملايين الغلابة الذين كانوا يرون في ناصر نموذج للحاكم المنحاز للفقراء والمهمشين وإنما كانت في أوساط المثقفين والفنانين ورجال الدين المعروفين.
ورصدت مجلة صباح الخير عام 1970 الحالة التي كان عليها بعض من أهل الفن والكتابة أثناء إذاعة نبأ وفاة الرئيس جمال عبد الناصر.
وتحت عنوان «كيف سمعوا بالنبأ الحزين» نشرت المجلة العريقة تقريرًا استطلعت فيه مواقف بعض المشاهير من استقبال الخبر المؤلم.
وقال الموسيقار محمد عبد الوهاب إنه حينما سمع الإذاعة تذيع القرآن الكريم بصفة دائمة طلب أحد مذيعى إذاعة الشرق الأوسط من أصدقائه ليستفسر عن السبب فأخبره المذيع بالنبأ الأليم.. يقول عبد الوهاب: وقعت سماعة التليفون من يدى وأجهشت في البكاء بصوت عال أيقظ من بالبيت.
وكشف الأديب توفيق الحكيم، إنه سمع النبأ الأليم من الراديو وبعد الصدمة فكر في كتابة رثاء ينشر في جريدة الأهرام فإذا بيده تضطربان ولا تمكنه من كتابة الرثاء وبجهد كبير استطاع أن يكتب كلمات قليلة قال فيها: اعذرني يا جمال القلم يرتعش في يدي، فليس من عادتي الكتابة والألم يلجم العقل ويذهل الفكر، لن أستطيع الإطالة، لقد دخل الحزن القلب تفجعًا عليك.
وقالت الفنانة زبيدة ثروت، إنها عرفت عن طريق والدها اللواء أحمد ثروت الذي اتصل بها من الإسكندرية ليقول لها البقية فى حياتك، صرخت وقالت فيمن؟ فقال في الرئيس جمال، تقول زبيدة: جريت لأوقظ بناتي من النوم وأقول لهم بابا جمال مات، فقامت البنات يبكين حتى الصباح.
أما الأديب نجيب محفوظ فكان في طريق عودته من الإسكندرية وسمع بالخبر الحزين فكتب كلمات قليلة قال فيها: حياك الله يا أكرم زاهد، إني أحني رأسي حبًّا وإجلالًا، نحن من الحزن في ذهول شامل، يعزينا بعض الشيء إلى جنة الخلد تمضي، وسيسعدني أكثر أن تجعلوا من دنياكم جنة، وراءك فراغ لن يملأه فرد، ولكن يملأه الشعب الذي حررته، سيكون أحب الطرق إلى نفسي الطريق إلى مسجدك، كلنا ماضون ومصر هي الباقية.
ورثاه نزار قباني قائلا: "قتلناك.. يا جبل الكبرياء وآخر قنديل زيت يضيءُ لنا، في ليالي الـشتاء.. وآخر سيفٍ من القادسية قتلناك نحن بكلتا يدينا.. وقلنا: المـنية لماذا قبلتَ المجيء إلينا؟ فمـثلك كان كثيرًا علينا.. سقيناكَ سـمَّ العروبة، حتى شبعت.. رميناك في نار عَمَّانَ، حتى احترقت أريـناك غدر الـعروبـة، حتى كفرت لماذا ظهرت بأرض النفاق.. لماذا ظهرت؟".
كما رثا الشيخ محمد متولي الشعراوي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فقال: «قد مات جمال وليس بعجيب أن يموت، فالناس كلهم يموتون، لكن العجيب وهو ميت أن يعيش معنا - وقليل من الأحياء يعيشون وخير الموت ألا يغيب المفقود وشر الحياة الموت في مقبرة الوجود، وليس بالأربعين ينتهي الحداد على الثائر المثير".
أما عبد الحليم حافظ كان يقود سيارته، وفجأة سمع من خلال الراديو الخبر فبقى لدقائق كالمذهول حتى وصل إلى منزله بسيدي بشر شرب كوبا من الماء ثم طلب من شحاتة ابن خالته استدعاء الدكتور يس عبد الغفار وقبل وصول الدكتور كان حليم قد أصيب بنزيف داخلي ونقل إلى المستشفى.
وسمع الفنان رشدي أباظة بالخبر أثناء وجوده في بيروت لتصوير أحد أفلامه فقذف بما في يديه وخرج بالماكياج على وجهه يشارك في مظاهرة ضمت الألوف رجالًا ونساءً وأطفالًا وكهولًا جميعهم يبكون ويطوفون شوارع بيروت.
أما الموسيقار بليغ حمدي فكان يقوم بكتابة نوتة موسيقية لأحد الأفلام الذي كان مفروضا أن يعرض خلال أسبوعين وما أن سمع الخبر مع صديقه فتحى سلام حتى مزق جميع الأوراق بيديه.