جولة جديدة لـ«الحرب الباردة» بين أمريكا والصين.. بايدن يخطط لـ«خنق بكين» بالاتفاقية الثلاثية
«أوكوس».. اسم مختصر لمعاهدة الشركة العسكرية المعلنة حديثًا بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، والتي من المتوقع أن تؤثر على التوازن الإستراتيجي المستقبلي في آسيا، لا سيما أن الجزء الأكثر أهمية في الشراكة الثلاثية، يتمثل في أنها ستمد أستراليا بأسطول جديد من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية (SSNs)، والتي تتمتع بمدى وتحمل أكبر بكثير من أسطول الغواصات المصنوع من الديزل الفرنسي، الذي كان من المقرر أن تحصل عليه أستراليا في صفقة ضخمة سبق وأن أبرمتها مع باريس، تناهز قيمتها 31 مليار دولار، وتنص على شراء غواصات تقليدية من الأخيرة، ولكنها ألغيت بسبب المعاهدة.
ويرى محللون أن المعاهدة تشير إلى «تشدد موقف الولايات المتحدة تجاه الصين، وزيادة كبيرة في المخاطر الإستراتيجية، وسط توقعات بأن تكون بداية لحرب باردة جديدة مع الصين، ومن وجهة نظر أستراليا، تعتبر الصفقة بمثابة مقامرة فعالة على التزام واشنطن طويل الأمد بالحفاظ على تفوقها العسكري في آسيا».
تحالف أوكوس
ومن المتوقع أن يكون لتحالف «أوكوس» آثار مهمة على جنوب شرق آسيا، وهي منطقة تقع في مركز المنطقة الجغرافية «المحيطين الهندي والهادئ» وهذا هو المحور الرئيسي للشراكة الجديدة، وحتى الآن، كانت حكومات تلك المنطقة صامتة بشأن التعليق على المعاهدة، ومن المحتمل أن المسؤولين في بعض الدول لا سيما أولئك الذين يواجهون أزمة مع القوة العسكرية المتنامية للصين في بحر الصين الجنوبي سوف يدعمون بهدوء هذه الخطوة، والتي ستفرض تكاليف أعلى على أي مغامرة عسكرية من قبل الصينيين، كما أنها تبدد إلى حد كبير، على الأقل خلال فترة رئاسة جو بايدن، الفكرة (المبالغة دائمًا) القائلة بأن الولايات المتحدة تستعد للابتعاد عن حلفائها وشركائها في آسيا بعد كارثة كابول.
ومن المتعارف عليه أنه منذ نهاية الحرب الباردة، نجحت الكتلة الإقليمية لجنوب شرق آسيا -رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) في تأسيس دور مركزي لها في الهندسة الدبلوماسية لآسيا، بصفتها مضيفة للقمم الدولية الكبيرة مثل قمة شرق آسيا والمنتدى الإقليمي لرابطة أمم جنوب شرق آسيا.
وتمكنت «آسيان» من ممارسة درجة من الوكالة من خلال صلاحياتها في تشكيل جدول الأعمال، وهي درجة صغيرة من القوة تم التنازل عنها لها من قبل قوى خارجية أكبر، لكن ليس من المستغرب أن تزامنت فترة الوكالة الأكبر لرابطة دول جنوب شرق آسيا مع فترة الهدوء الإستراتيجي النسبي التي أعقبت الحرب الباردة.
مراقبون أمريكيون، أكدوا أن التحالف الجديد هو تتويج لإخفاقات أوروبية متعددة تتعلق بتعامل الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة سوء تقدير بروكسل السياسي لجو بايدن وإستراتيجيته في الصين والهاجس القهري في التعامل مع دونالد ترامب؛ ومحاولة عزل تيريزا ماي خلال محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فبالتالي إذا كن الاتحاد الأوروبي يتعامل مع بريطانيا كخصم إستراتيجي، فليس مفاجئا أن تستغل بريطانيا المجالات التي تتمتع فيها بميزة تنافسية، وبينما لا تزال الأحزاب السياسية الألمانية تناقش إيجابيات وسلبيات الناتو، فإن إدارة بايدن تتخطى الناتو نحو إستراتيجية دفاعية متعددة الأقطاب، كما أن تحالف أوكوس يعد تحالفا استخباراتيا غير رسمي بين الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا، بحسب المراقبين.
خنق بكين
وفي هذا السياق قالت الدكتورة نادية حلمي، الخبيرة في الشئون السياسية الصينية والآسيوية: اتفاقية أوكوس هي بالأساس اتفاقية دفاعية موجهة ضد الصين، وهى نقطة تعززها حقيقة أن قادة (بريطانيا، الولايات المتحدة، أستراليا) قد ظهروا معًا عبر الفيديو للإعلان عن هذه الشراكة، وذلك يعود للأهمية المتزايدة لمنطقة المحيطين الهندى والهادئ لكل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وأضافت: الاتفاقية الثلاثية تمثل نقطة تحول إستراتيجى، خاصةً أنها المرة الأولى التي تعقد فيها أمريكا صفقة لإتاحة مثل هذه التقنية الحساسة مع دولة أخرى غير بريطانيا، وهنا نجد أن الدولة الوحيدة التي شاركت الولايات المتحدة معها هذا النوع من تكنولوجيا الدفع النووى الخاصة بصفقة غواصات إيكواس النووية إلى أستراليا هي بريطانيا فقط، وذلك منذ عام ١٩٥٨، ما يعد تحولًا إستراتيجيًا خطيرًا في الفكر العسكري والدفاعى الأمريكى ضد الصين، بالسعى لتعزيز تحالفات واشنطن وحلفائها في كل الاتجاهات للتصدى لبكين، عبر (تشكيل تحالف أمني إستراتيجى في منطقة المحيطين الهندى والهادئ)، وهو مشروع يهدد بتقويض الطموحات الفرنسية في المنطقة، بل ويبعدها عنها.
الدبلوماسية البريطانية
تابعت: على جانب آخر، فإن تحالف أوكوس يعد نصرًا دبلوماسيًا كبيرًا للإستراتيجية البريطانية الرامية لتجنيب البلاد العزلة الدولية بعدما خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، خاصةً وأن معاهدة أو تحالف أوكوس سيربط بين بريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة بشكل أكثر عمقًا، مما سينعكس على مستوى الثقة بينهم ويؤكد عمق هدفهم الخاص بتشكيل تحالف قوى ضد الصين، وما يؤكد الطرح السابق هو تداول مصطلح جديد على الأذهان قد أثار مخاوف الصين، بخصوص (الديمقراطيات البحرية)، بمعنى أن التحالف فقط تم بين دول ديمقراطية بحرية، مثلما قسمت واشنطن التكنولوجيا الرقمية لديمقراطية تنتهج النهج الغربى، وأخرى استبدادية شيوعية على النهج الصينى بالنسبة للدول التي استفادت من شبكات الجيل الخامس الصينية، ومن هنا، فالأمر شبيه بلعبة (تنافس أيديولوجى لتقسيم العالم إلى جزأين أو قسمين أو تحالفين (ليبرالى ديمقراطى أمريكى، وشيوعى استبدادى صينى).
«د. نادية» أشارت إلى ما سبق وأعلن عنه «بايدن» عدة مرات بأن الاستثمار الأمريكى في تشكيل تحالفات ضد الصين، يعد هو أكبر مصدر للقوة بالنسبة لواشنطن، وقالت: من هنا يمكننا فهم محاولة الولايات المتحدة الأمريكية خنق واحتواء المحيط الإستراتيجى والحيوى للصين عبر تشكيل تحالفات أمريكية مع دول الجوار الصينى، خاصة أن هناك تحالفًا آخر موجهًا ضد الصين، ومع نية الرئيس الأمريكى عقد اجتماع في واشنطن يهدف لتأسيس تأكيد تحالف يضم كلا من (أستراليا، الهند، واليابان)، وذلك بهدف أساسى هو إعادة إطلاق التحالف الرباعى المعروف باسم «كواد» أو «الحوار الأمني الرباعى»، والذي يضم تلك الدول الأربعة، ومن هنا نجد أن تحالف أوكوس، فضلًا عن تحالف كواد الرباعى بقيادة واشنطن وحلفائها في المنطقة المحيطة بالصين، يهدف بالأساس لممارسة ضغوط على أنشطة بكين في تلك المنطقة.
نقلًا عن العدد الورقي…