صراعات «عواجيز الجماعة».. مسمار أخير في «نعش الإخوان».. «أحفاد البنا» يعيدون «سنوات التأمر»
«2013».. تاريخ مفصلي في مسيرة جماعة الإخوان الإرهابية، فإلى جانب كونه شهد الإطاحة بالجماعة من القصر الجهموري، فإنه كان بمثابة بداية جديدة غير سعيدة لـ«الإخوان»، ونقطة انطلاق لـ«سباق خاسر» فرض على الجماعة خوضه، وهي تدرك جيدًا أن الخسارة ستكون بانتظارها عند «خط النهاية» الذي تقترب منه الجماعة يومًا بعد الآخر.
صراع الأجيال
«صراع الأجيال».. واحد من المنحنيات الصعبة التي تواجهها «الإخوان» في طريق «سباق النهاية»، وهو صراع اشتعل بين (الشباب والشيوخ)، (الحمائم والصقور)، القطبيين ومعهم أنصار النظام الخاص، وبين الموالين للطريقة القديمة في تسويق الجماعة للعالم.
ووفقًا للشواهد والمعلومات المتاحة، يمكن القول إن القيادات التاريخية استطاعت حسم المعركة لصالحها، ونجحت في إقصاء الشباب تماما، غير أنه بدلا من إيجاد حل للمحنة التاريخية للإخوان تفرغ الكبار للقضاء على بعضهم البعض، لم يقف الأمر على القيادات الثانية ومجلس الشورى، بل وصلت التصدعات لأعلى هرم السلطة، القائم بأعمال المرشد إبراهيم منير، والأمين العام السابق للجماعة محمود حسين.
«منير» لجأ إلى قواعد الحرب الصفرية للقضاء على خطر محمود حسين رفيق الدرب، وأحد صقور التنظيم، وكلاهما من أنصار التيار القطبي، وذلك بعدما أبدى الأخير تمردا على عزله عن منصب الأمانة العامة، وإبعاده عن الصورة تمامًا لصالح الأول الذي تفرد بها، وشغل كل المناصب، من القائم بأعمال المرشد الرجل الأول، إلى المتحدث الإعلامي ومسئول التنظيم.
«منير» فتح النيران على الجميع، دمر مجلس الشورى القائم في تركيا وعطل عمله، وهي الخطوة التي قابلها «حسين» بثورة عارمة، وتفرغ أنصاره لإهاله التراب على «منير» وأنصاره، وأصحبت تركيا ساحة لمحاولة كل فريق افتراس الآخر عبر التوقيعات المتبادلة لعزل منير وحسين، ووصل الأمر حد الشتائم القاسية والطعن في الذمم المالية والأخلاقية.
مشكلة التنظيم
ما يحدث من صدام قاتل بين أعلى مستويات التنظيم، يدعونا لإعادة قراءة فكر الجماعة لمعرفة سر فشل الإخوان في قيادة كل الصراعات الخارجية والداخلية التي دخلتها وجميعها انتهى بالفناء أو التراجع عشرات السنين للخلف.
من النهاية.. حيث الضربة الموجعة للإخوان بسبب الإطاحة بنظام محمد مرسي في 3 يوليو 2013، دار حديث عن انشقاق داخل الجماعة بسبب المواقف المتباينة من المرحلة الانتقالية في مصر، تجلى ذلك في الخطاب الإعلامي المزدوج وموقف الجماعة من العنف الذي أعقب فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس 2013.
فُرِض ماضي الإخوان على الواقع، فالطريقة التي تتعامل بها الجماعة مع أزماتها خلال اللحظات الحرجة في تاريخها تعطينا لمحة عنها، حيث يتحرش كل طرف بالأخر حتى يقضي عليه تماما، وتوفر التناقضات الداخلية وتمرير الإخوان للعنف وشرعنته إطارا لذلك.
فكرة الانقلاب وتدمير المخالف تعود لتأسيس الجماعة نفسها أيام حسن البنا، الذي وضع اللبنة الأولى للجهاز الخاص في عام 1940، أي بعد 12 عامًا من تأسيس الجماعة، حتى يكون أداة فعالة وقوية لعمليات العنف السرية، ولكنه مع الوقت أحدث تحولًا إستراتيجيًا في نهج الإخوان المسلمين، وتدخل فكر النظام الخاص والإيمان بالعنف في حل الأزمات لإدارة صراعهم السياسي على السلطة بين بعضهم البعض.
كما ساهم الفهم الاحتكاري للدين من قادة الجماعة في «تصفير الصراع» كلما فرض نفسه، فكل طرف داخل الإخوان يعتبر نفسه على الحق المبين، وهو وحده حامل راية رسول الله ودعوته للعالمين، ومن يعاديه أو يختلف معه يحيد عن دعوة الإخوان ويعادي الله ورسوله، ويوفر إرث الإخوان أيضا تسخين الصراع حتى القتل، كما يحدث الآن من بعض القيادات ضد بعضها خلال السنوات الأخيرة، حيث سمح التنظيم الخاص قديما بقتل بعض قادته لدعم الدعوة، الأمر الذي تسبب في عنف طائش، ورغبة محمومة في إلغاء الآخر خلال تصفية الحسابات معه.
وإلى جانب ما سبق يمنح فكر الإخوان لكل من يريد الإطار الشرعي والتنظيمي للانقلاب الخشن على السلطة، كان ذلك سببًا في تولي الأكثر تطرفًا القيادات العليا في التنظيم، الذين تسللوا بداية من السبعينيات، وأثروا في توجهات الجماعة الفكرية وهياكلهم التنظيمية، حيث أقصوا بمنتهى القسوة القيادات الأكثر اعتدالا على شاكلة محمد فريد عبد الخالق، النائب الأول للمرشد الأعلى وصالح أبو رفيق النائب الثاني، وصالح عشماوي مساعد الجماعة.
كما جرت محاولة لمنع المرشد الثالث عمر التلمساني من تشكيل مجلس الإرشاد الـ15، ومع الوقت والمثابرة والمؤامرات نجحت كوادر الجهاز الخاص في تسيد كل المواقع وعسكرة التنظيم، لدرجة أنهم شكلوا جهازا سريا لإدارة الجماعة بعد وفاة المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي، وانتخبوا مرشدا سريًا لايعرفه أحد، وعندما شعروا بالخطورة وبرزت لهم أنياب الدولة المصرية التي استهدفت عددًا من كبار قيادات التنظيم الخاص، قرروا اختيار مصطفى مشهور مرشدًا للجماعة.
في 2010 كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، شهدت الانتخابات الداخلية للجماعة سيطرة أخطر المتطرفين من لوبي سيد قطب على منصب المرشد ونوابه الثلاثة والأمانة العامة، وسعوا جميعا لعسكرة التنظيم بدرجة غير مسبوقة في ضوء مبادئ القطبية، وتفرغوا لبناء تنظيم حديدي على حساب إيجاد بدائل سلمية للتسلسل الهرمي داخل التنظيم، فضلا عن التواصل مع المجتمع وقواه السياسية والفكرية الأخرى.
كان الأمن رغم كل انتكاساته آنذاك على درجة وعي كبيرة بما يحدث في التنظيم، وضرب الإخوان بعنف في نفس العام، وألقى القبض على نائب المرشد محمود عزت وثلاثة من أعضاء مكتب الإرشاد بالإضافة إلى 12 من قادة الإقليم، ووجهت لهم نيابة أمن الدولة العليا محمود عزت تهم تشكيل تنظيم تابع لسيد قطب على أساس الفكر التكفيري والسعي لإقامة معسكرات مسلحة لتنفيذ الأعمال العدائية داخل البلاد، كما أكدت التحقيقات وجود تنظيمين داخل الجماعة أحدهما عام والآخر سري.
بعد ثورة 25 يناير وتولي الإخوان السلطة في مصر، خرجت الجماعة للعلن وإن كانت لم تتخلص من منطق العمل السري والأيديولوجية الانقلابية التي غدرت حتى بأقرب حلفائهم حزب النور السلفي، إلى آخر القرارات الانقلابية من إقالة النائب العام عبد المجيد محمود وتسمية نائب عام جديد «ملاكي».
استمر الفكر الانقلابي داخل «الإخوان» بتنظيم باحتفالية أكتوبر في إستاد القاهرة، التي تحدت الجماعة الوطنية وحاولت إرهابها، وفتحت الباب لكل التكفيريين للصعود على المنصة واستعداء المجتمع، وقادهم هذا الفكر إلى الصدام مع الجميع.
فقدوا السلطة والقوى المدنية، ولم يستوعبوا كل المبادرات الخالصة للمجتمع فانتهى الأمر بحظرهم وإعلانهم جماعة إرهابية، مرورا بتدمير جبهة الشباب خلال الصراعات التي امتدت من 2014 وحتى 2020، نهاية بتفرغ الكبار للإجهاز على بعضهم البعض وهو السطر الأخير للجماعة التي انتهت بلا غير رجعة.
من جهته، يرى إسلام الكتاتني الباحث في شئون الجماعات الإسلامية، أن صدامات الإخوان المتكررة، تكشف انحدار الجماعة للصراع على السلطة، وهي الخطيئة التي يدفع ثمنها الشباب، مضيفا: الإخوان لم يدركوا أن الله نزع الملك منهم، ولم يتدبروا تلك الآية، لأنهم ليسوا مؤهلين لأمانة الحكم.
وتابع: الأخطاء كبيرة ولا يمكن حصرها، والقيادة الحالية للجماعة سبب رئيسى لما آل إليه الإخوان في أخطر أزمة بتاريخها.
تطاحن الكبار
أما الداعية السلفي حسين مطاوع، فهاجم الجماعة بعنف بسبب صراعاتهم المتكررة على السلطة والمناصب والنفوذ، مرّة بين الكبار والشباب، والتي نجحت فيها جبهة القيادات التاريخية التاريخية وحسمت المعركة لصالحها، وأقصت معارضيها عن الصورة تماما.
وأضاف: ومرة أخرى بين الكبار أنفسهم والذين يتطاحنون الآن بنفس الطريقة ولكن هذه المرة تكشف حقيقتهم حتى لأنصارهم الذين انصرفوا بشكل واضح عن الانخراط في الاهتمام بقضايا التنظيم وأزماته ولم يعد لهم وجود قوى حتى على مواقع التواصل كما كانوا في السابق.
وأكد الداعية السلفي أن قيادات الإخوان طوال تاريخهم، لا تعنيهم سوي مصالحهم فقط ولا يهمهم لا الوطن ولا حقن دماء أبنائه، ولا سلمه ورخائه، بل حتى لايهمهم شباب التنظيم وصغاره، الذين يدفعون الثمن الآن من مستقبلهم وأرواحهم.
طالب الداعية السلفي شباب الإخوان بالتوبة عن التنظيم والابتعاد عنه، مؤكدا أنه منهج خبيث ولا أمل في إصلاحه، ولا سيما أنهم هم بأنفسهم رأوا خبثه وفساده، على حد قوله.
نقلًا عن العدد الورقي…،