رئيس التحرير
عصام كامل

"شرعية طالبان".. روسيا والصين «علاقات طبيعية».. الاعتراف الأمريكي والأوروبي شرط موافقة العرب

طالبان
طالبان

«نهاية أغسطس».. تاريخ مفصلي في «أيام أفغانستان»، فهو الموعد الذي شهد خروج القوات الأمريكية من البلد الآسيوي بعد مرور ما يقرب من 20 عامًا على لحظة اجتياحه، وهو الموعد الذي شهد «العودة الثانية» لحركة «طالبان» إلى حكم «كابل»، كما أنه الموعد الذي قطعته «طالبان» مع بقية عواصم العالم لبدء سباق «الموافقة أو الرفض» حول تحكمها وسيطرتها على دفة الحكم في أفغانستان. 

 

شرعية طالبان


«ما بين مقبل ومدبر وحذر» تباينت ردود أفعال الدول حول «شرعية طالبان»، فهناك بعضها لم يكن في حاجة إلى «فرصة ثانية» لحسم موقفه من «حكم الحركة»، وبدأ في اتخاذ خطوات جادة نحو ما يمكن وصفه بـ«التكيف مع التغيير في السلطة الحاكمة»، في حين أنه لا تزال هناك أطراف دولية لم تحسم موقفها النهائي من التعامل مع «طالبان» وتحدد طبيعة العلاقة التي ستقيمها مع الحركة، في حين أن الاتحاد الأوروبي عبر عن استعداده للتحدث إليها كونها ربحت الحرب بعد صمود دام عشرين عاما.

بينما في الوقت ذاته فضلت الولايات المتحدة الأمريكية التريث بهذا الشأن، مؤكدة أنه من السابق لأوانه القول من الآن ما سيكون عليه الوضع في المستقبل، وأنها ستنتظر للحكم على أفعالها خصوصا بشأن احترام حقوق الإنسان قبل اتخاذ قرار حول طبيعة العلاقات معها.


وفى سياق الموقف الدولى من «طالبان»، حذت بريطانيا حذو الولايات المتحدة، فقد أكد رئيس الوزراء البريطانى، بوريس جونسون، أن بلاده ستحكم على نظام طالبان بناء على أفعالها وليس على أقوالها، بينما أكد وزير خارجية الدنمارك يقول إن بلاده لن تعترف بأى حكومة لطالبان.

 

حيرة الدول


ورغم توجيه الحركة الإسلامية المتشددة «طالبان» رسائل طمأنة إلى المجتمع الدولى لتعطى الانطباع أنها غيرت من عقيدتها السياسية فى طريقة حكم البلاد، إلا أن الدول الغربية هى الأخرى لا تزال فى حيرة من أمرها حول تعاطيها المستقبلى مع الحركة التى بسطت نفوذها على أفغانستان بعد عشرين عاما من طردها من الحكم، باستثناء بعض الجهات التى رحبت بتصريحات قيادييها كـ(روسيا، الصين، وتركيا)، اللواتى رفض حكمها السابق الذى اتسم بالعنف منذ 1996 وحتى 2001، فى المقابل أعلن رئيس الوزراء الكندى جاستن ترودو أن بلاده «لا تعتزم الاعتراف بحكومة طالبان».

 

كلمة العرب


وحول إمكانية إقامة بعض الدول العربية والأوروبية علاقات دبلوماسية مع أفغانستان فى ظل حكم «طالبان» التى وعدت بتقديم صورة مختلفة من التشدد الذى كانت تستخدمه إبان حكما السابق قبل عشرين عامًا، وتأكيدها على الرغبة فى إقامة علاقات دبلوماسية وتجارية واقتصادية وسياسية مع جميع الدول، أكد الدكتور بشير عبد الفتاح، الخبير فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن العالم يتجه لإقامة علاقات مع طالبان دون الاعتراف بالحركة أو مع تأخيرها حتى تظهر نواياها الحقيقة، لكن الدول المرشحة فعليا حتى الآن لإقامة علاقات مع الحركة هى الصين وروسيا وباكستان، بينما الاتحاد الأوروبى وأمريكا وكندا أعلنوا عدم الاعتراف واللجوء إلى التريث قبل اتخاذ هذه الخطوة.


«عبد الفتاح» تحدث أيضا عن موقف «عواصم العرب» من «طالبان»، وقال: قطر كانت فى طليعة الدول العربية التى تبدى اهتماما بالحركة، لكن باقى الدول العربية تنتظر وتترقب قبل اتخاذ أي خطوة، كما أن الظهور العربى فى تلك الفترة يمكن أن يأتى حول إجلاء الرعايا وبعض المصالح البسيطة التى تفرض نفسها، وهناك الدول أرسلت بعثاتها وسفراءها كالصين وروسيا، بينما بعض الدول الأخرى كالولايات المتحدة نقلت سفارتها إلى قطر، وهناك دول أخرى تتعامل من خلال باكستان إلى حين يتضح الوضع فى أفغانستان.

 

روسيا  والصين


من جهته، قال الدكتور أيمن سمير، الخبير فى العلاقات الدولية: أهم دولتين تدعمان طالبان فى الوقت الحالى هما: الصين وروسيا، اللواتى يعملن على الدعاية بشكل يومى لحركة طالبان، والصين لا تقف الحديث عن تلك الحركة الإسلامية المتشددة كحكومة مستقبلية لأفغانستان، وعلى الساحة الدولية هما أكثر دولتين من المقرر أن يدعموا طالبان فى العلن سياسيا واقتصاديا وعسكريًا.

كما أن السفارة الصينية والروسية ما زالوا قائمين بأعمالهم حتى الآن بشكل طبيعى فى العاصمة “كابول”، وقد تحاول الولايات المتحدة الأمريكية أن تخطف الأضواء من الصين وروسيا بدعم جناح معين فى طالبان، وحتى الآن غير واضح ما هو الجناح الذى يتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية من الحركة.


وتابع: غالبية الدول الأوروبية غير مستعدة فى الوقت الحالى لإقامة علاقة دبلوماسية مع حركة طالبان، مؤكدة أنها تنتظر من الحركة أفعالا وليس أقوالا، بمعنى احترام طالبان لحقوق المرأة وعدم استخدام العنف ضد المعارضين وما إلى ذلك، كما أن الدول الأوروبية تنظر إلى الموقف الأمريكى أولًا، فأمريكا أكدت أنها سوف تتصل مع طالبان دون الاعتراف بها، وهو الأمر ذاته الذى تسير عليه الدول الأوروبية من أجل إجلاء المواطنين الأوروبيين واللاجئين الأفغان وتوفير المساعدات الإنسانية.


وأكمل: أما باكستان، فطالبان بالنسبة لها ما هى إلا المولود الثانى، أي الجانب الآخر من الدولة الباكستانية، فنجاح الحركة يهم فى المقام الأول باكستان، وبشأن إيران فلن يكون هناك تصادم بين إيران وطالبان وأنها ستكون فى مقدمة الدول التى تعترف بطالبان لكن ليست الأولى، حتى تحافظ على الأقلية الهزارة –اقلية شيعية موجودة فى وسط طالبان- وذلك تجنبًا لوجود نزاع وحرب طويلة بين طالبان والهزارة، ومن المقرر أن يكون هناك تعاون كبير ما بين إيران وطالبان لأكثر من سبب أولا: دعم إيران لطالبان أثناء الاحتلال الأمريكى، ثانيا أن المحور الذى يدعم طالبان هو صديق وداعم لإيران واخص بالذكر الصين وروسيا حلفاء طالبان فى الأساس قبل طالبان، ومن غير المنطقى أن يكون للحركة علاقات قوية مع روسيا والصين وتقيم حرب مع إيران.

 

اتصالات بدون اعتراف رسمي


وكشف «سمير» أن «جميع الدول العربية دون استثناء مستعدة لإقامة علاقات دبلوماسية مع طالبان، فجميع الدول لديها اتصالات مع طالبان فى الوقت الحالى، لكن لا تعترف بها رسميا حتى تعترف بـ الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وذلك تجنبا لتحول أفغانستان إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية أو العناصر العابرة من الدول العربية، وعلى سبيل المثال إذا كانت هناك علاقة بين السعودية وطالبان وتصادف وجود مواطن من عناصر أسامة بن لادن يمكن أن تتسلمه.

لكن فى حال عدم وجود علاقة بينهما ستتحول أفغانستان إلى ساحة للعناصر الإرهابية، وبالتالى جميع الدول العربية لا ترغب فى تكرار أخطاء التسعينيات حتى يكون هناك تبادل معلومات عن العناصر الخطرة والإرهابية الموجودة فى الوقت الحالي».


الخبير الاستراتيجى، شدد على أن السيناريوهات المتوقعة على صعيد الوجود الدبلوماسى تتمثل فى روسيا والصين وإيران، ويأتى بعد ذلك دول فى آسيا الوسطى مثل طاجيكستان، ومن ثم الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بالتزامن الدول الأوروبية، وبعد ذلك سوف تأتي الدول العربية التى لها علاقات بالفعل مع طالبان، لكن إعلان علاقة دبلوماسية رسمية سوف يكون بعد الاعتراف الأمريكى والأوروبى.

 

نقلًا عن العدد الورقي…

الجريدة الرسمية