فوضى التراخيص.. منظمات حقوقية ضد القانون.. ومكاتب محاماة باب خلفى للتمويل الأجنبى
واقعة ضبط عيادة "سمكري بني آدمين".. لن تكون الأخيرة في سلسلة الكيانات التي تعمل تحت سمع وبصر الجميع دون ترخيص، كما إن الأمر لا يقتصر على العيادات والمراكز الطبية فقط؛ فطالما تم ضبط منتحلي صفة "طبيب" تعمل داخلها.
فوضى عدم الترخيص
فوضى عدم الترخيص تكاد تكون قاسمًا مشتركًا وواقعًا بائسًا يستعصى على التغيير والتعديل ويعكس تخاذل عديد من الجهات المعنية والمختصة. فكما إن هناك عيادات ومراكز طبية غير مرخصة، فإن هناك أيضًا مستشفيات وسلاسل صيدليات غير مرخصة، ومصانع غير مرخصة يربو عددها على 11 ألف مصنع.
العام الأخير شهد احتراق أكثر من مصنع غير مرخص ويفتقد إلى أدنى درجات الأمان والحماية. ومن القطاع الطبي والصناعي إلى القطاع التعليم، حيث تفشت في السنوات الأخيرة ظاهرة المدارس والمعاهد غير المرخصة. كما لا يخفي على كثيرين حيازة بعض الفئات على السلاح دون ترخيص أو تقنين.
هاك خطر آخر يكمن في آفة منظمات المجتمع المدني غير المرخصة، فضلًا عن مئات الآلاف من البنايات والعقارات التي أقيمت في غفلة من الزمن، وغدت تشكل تهديدًا خطيرًا على الحياة، ومحافظة الإسكندرية دليل صارخ على ذلك، كما خسرت مصر أفضل أراضيها الزراعية بسبب تخاذل وتكاسل الأجهزة المعنية قبل التدخل المتأخر للحكومة.
هذه الظاهرة التي تعكس خروجًا واضحًا وممنهجًا عن القانون تقودنا إلى فوضى عارمة وكارثية لا يكفيها مصمصة الشفاه، أو الانتفاضة المؤقتة عند حدوث أي طارئ، بل تتطلب ثورة تشريعية جادة، وتحركات حكومية صادقة لوأد كل هذه المخالفات في مهدها وتصويب وضع ما هو قائم منها، لأن الصمت المريب يعتبر اشتراكًا في الجريمة وتواطؤا مع مرتكبيها.."فيتو" تفتح هذا الملف، وتدق أجراس الإنذار لعل وعسى أن تتحرك الحكومة، كما تحركت من قبل في ملف البناء، وأن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي أبدًا.
مكاتب المحاماة
مكاتب المحاماة، أو ما يعرف بـ"الشركات المدنية"، ظلت ستارا لسنوات طويلة لنشاط حقوقي ممول، لا تتبع فى رقابتها وزارة التضامن الاجتماعى ولا تخضع لقانون الجمعيات الأهلية، وتسمى "المراكز الحقوقية"، ولا يراقب تمويلها من قبل الأجهزة المعنية، كل ما عليهم تقديم ورقة لمصلحة الضرائب ما يخص نشاطه بدفع الضرائب.
مواد قانون تأسيس الجمعيات الأهلية رقم ٨٤ لسنة ٢٠٠٢، كانت به بعض المواد التى اعترضت عليها الجماعة الحقوقية ذات الشهرة والصيت، وهو ما كان تتحجج به تلك الشركات لاستمرار تلقى التمويلات الأجنبية خارج إطار القنوات الشرعية لدخولها، وبعيدا عن أعين الجهات الرقابية المعنية.
فى ٤ خطوات فقط تتلقى تلك المكاتب من خلالها تمويلات ضخمة بالعملات الأجنبية من يورو ودولار، وبمجرد تأسيس الشركة المدنية، وتتمثل الخطوة الثانية فى ممارسة العمل الأهلى، والذى غالبا ما يبدأ بتوفير المساعدة القانونية المجانية لضحايا قضايا التعذيب.
وتأتي الخطوة الثالثة بتوقيع عقود الشراكة مع المؤسسات والمنظمات الحقوقية الدولية الشهيرة، لتنفيذ برامجهم الممولة، والتى غالبا ما تكون حول قضايا مكافحة التعذيب والعدالة الانتقالية والحريات المدنية والسياسية، والعديد من القضايا، التى تحظى باهتمام المجتمع الدولى لضمان استمرار تمويل الجهات الأجنبية أو ما اعرف بالجهات المانحة.
ولم يعد أمام الشركة المدنية، أو ما يطلق عليه المركز الحقوقى، إلا خطوة واحدة وهى تلقى التمويل من الجهة المانحة، وبدء العمل فى المشروع، وجدير بالذكر أن الحصول على التمويل الأجنبى للشركات المدنية لا يتطلب موافقة الحكومة أو الأجهزة الأمنية، باعتبارها شركة تعمل طبقا للقانون المدنى وتدفع الضرائب للدولة.
التمويل الأجنبي
منذ عام ٢٠١١، ومع فتح أوراق القضية رقم ١٧٢ لسنة ٢٠١١، وتورط عدد من المنظمات المصرية والأجنبية فى تنفيذ أجندات أجنبية داخل الأراضى المصرية، انتبهت الدولة المصرية لخطورة وجود هذه المكاتب وتركها دون رقابة، وبدأت فى فتح حوار مجتمعى مع كبرى المنظمات المصرية وعدد من الشخصيات العامة المعنية بالعمل العام، لوضع قانون يناسب تطلعات المنظمات ويضمن حق الدولة المصرية فى مراقبة مصادر تمويل تلك المؤسسات.
سنوات طويلة منعت فيها الدولة المصرية أي نشاط أهلي غير قانونى ولم يتخذ الخطوات اللازمة لإشهار المنظمة من خلال وزارة التضامن الاجتماعى - الوزارة المعنية - ولكن ظلت هذه المنظمات تمارس عملا فرديا من خلال الحقوقى الفرد، عبر السوشيال ميديا والاتصالات الفردية، بعيدا عن تلك المكاتب التى أسسها مخافة الملاحقة القانونية، إلى أن صدر القانون الجديد رقم 149 لسنة 2019، بمباركة حقوقية واسعة وصفوا مواده بانفراجة فى العمل الأهلى المصرى بعد سنوات من التضييق.
نقلًا عن العدد الورقي…،